Saturday 01/03/2014 Issue 430 السبت 29 ,ربيع الثاني 1435 العدد
01/03/2014

انتهى عالم الشريط السينمائي (1-2)

في شهر نيسان - إبريل من هذا العام 2014 هذا، تكون الأشرطة السينمائية قد توقفت عن التصنيع! ذاك الشريط الجميل الموجب الذي عندما نقوم بتصنيعه على طاولة المونتاج فإننا نمسك الشريط أمام ضوء المافيولا وننظر إليه بعيوننا وتخترق نظراتنا عوالمه الملونة، ونرى مارلين مونرو ومارلون براندو وجيمس دين وجريجوري بيك واستير وليامز وكل النجوم الذين أضاءوا لنا عتمة المشاهدة في صالات السينما، وكل واحد منهم مرئي بوضوح لكنه بحجم رأس الدبوس فيكبر أكثر من ثلاث مرات من حجمه الإنساني على شاشة السينما فنشاهده كما لو كان بحجمه بقيمة النسبية بين شاشة السينما وكرسي المشاهدة.

كنا نشعر سابقاً أن ما صورناه موجود على مادة السليلويد. ولكن بظهور التقنية الرقمية ضعف عالم الأفلام السليلويدية، فيما الكثير من مهرجانات السينما في العالم، وبشكل خاص الكبيرة منها، ترفض قبول الفيلم سوى أن يكون شريطا سينمائيا. وتقول كبريات الشركات ومكاتب الأرشيف في العالم، ان الفيلم المصور رقميا غير مضمون لأن الشريط الرقمي على الهارد ديسك ممكن أن ينمحي إذا ما سقط من يد صاحبه وتنمحي منه المعلومات، ويصبح نسيا منسيا. بسقوط الهارد ديسك ممكن أن يخسر حامل الشريحة ليس قيمة الشريحة بذاتها بل ما تحتويه الشريحة من معلومات تشكل ملايين الصور غير المرئية بالعين المجردة، ميزانية الفيلم التي تصل أحيانا إلى عشرات الملايين من الدولارات، وهذه الصور لا ترى سوى عندما تظهر على شاشة الحاسوب.

بين سينما السليلويد وأشرطتها الثقيلة وتقنيات الشرائح وأخواتها وصورها الرقمية يسرح ويمرح قادة المافيات ولصوص الأفلام ويصيبون شركات الإنتاج بالافلاس فهم لا يعرفون كيف تمت سرقة الفيلم وصار يباع بالسوق السوداء ويشاهد من قبل الناس قبل أن يمضي على إنتاجه أربع وعشرين ساعة. كيف توصلوا إليه وكيف دفعوا الرشاوى وكيف أخذوه إلى ماكينات الطبع وكيف أعادوه .. لا أحد يدري؟! صار المشاهد يستطيع شراء الفيلم بشريحة في تايلاند والهند وفي الصين وبغداد قبل أن يشاهده المشاهد الأمريكي في كاليفورنيا.

انتظرونا .. نحن آتون إليكم لنحرمكم متعة الضحك منا وتحقيق الأرباح على حساب خسائرنا. هذا ما قاله علماء الحواسيب والحاسبات والذاكرات العجيبة ليخترعوا لنا قطعة حديد صغيرة وبداخلها تلك الأسلاك الناعمة المتداخلة والمعادن الصقيلة التي لا أعرفها أسرارها «ولو عرف السبب بطل العجب» فتظهر لنا لعبة رقمية جديدة تدخل عالم السينما وتوقف عروض الأشرطة السليلويدية والأشرطة الرقمية على حد سواء. بل وتلغى كل ماكينات الطبع والاستنساخ والمونتاج وتلغى كل الأشرطة والشرائح وترمى في المزابل وتصبح تاريخا يكتب عنه فحسب.

النظام الجديد ساد صالات السينما في العالم ويسمى DCP - Digital Cinema Package هذا النظام يطبع من الفيلم بعد الانتهاء من عمليات المونتاج والمكساج «مزج الأصوات» ويصبح الفيلم جاهزاً للطبع، فيطبع على هذا النظام الرقمي الجديد عددا من النسخ التي يأمر المنتج بطبعها ويحتاج إليها لعملية التسويق ومن ثم تقفل تقنيا. وعندما تعرض على شاشات السينما وتحاول عصابات المافيات تصوير الفيلم من الشاشة بكاميرا أو بكاميرا الهاتف النقال فإن الصورة التي تشاهد على الشاشة لا يمكن تصويرها، فهي تمتلك مواصفات سحرية لا تظهر صورتها في كاميرا اللص. وعندما يتفق اللص مع عارض الأفلام لأخذ الشريحة إلى خارج الصالة لمدة ساعتين من أجل استنساخها ومن ثم طباعتها على شرائح دي في دي فهي غير قابلة للاستنساخ. ولو شاء المخرج أن يمنع صالة العرض من عرض الفيلم مرة ثانية بعد العرض الأول فهو قادر على أن يعطي الأمر للشريحة أن ترفض العرض ثانية بعد العرض الأول، فتصبح غير قابلة للعرض سوى بمفتاح رقمي خاص.

السر يبقى فقط لدى المعامل المصنعة للفيلم بصيغته السحرية الجديدة. ونوعية الصورة الحرفية مهمة جدا حيث إن هذه القفزة التقنية لا تستقبل أفلام الهواة وأفلام نصف الهواة وأفلام المخرجين الذين باتوا يستسهلون العملية الرقمية بأشكالها الأولية البسيطة. اليوم التقنية صعبة ومتينة ولا يخاف المنتج أن تسقط الشريحة من يده فتتبعثر المعلومات التي تسمى رقمية ويتلاشى الفيلم بميزانيته التي تبلغ الملايين. والتقنية الجديدة لا تسمح باستنساخها على شرائح دي في دي أو بلو دي في سوى من المصدر المصنع ذاته.

قفزة تقنية حقيقية تعيد للسينما اعتبارها، بل تتفوق على اعتبارها وتخلص مؤسسات الأرشيف ومؤسسات الذاكرة من أكداس من أفلام السليلويد وعلب الصفيح وحتى علب البلاستيك، ليصبح الفيلم صغيرا بعلبة أنيقة مضمون ومقفل ويستطيع المنتج وفق مفتاح رقمي خاص أن يحدد حتى ساعات العرض في صالة السينما ليعود مقفلا من جديد رافضا التصرف به حافظا لمى يسمى «كل الحقوق محفوظة للجهة المنتجة»

أين سيكون السينمائي العربي من هذه التقنية؟

أين هو في المشرق العربي؟

وأين هو في المغرب العربي؟

وأين هو في العالم؟

وماذا ستفعل كل هذه البلدان بماكيناتها القديمة وصالاتها التي هدمها الربيع العربي الدامس؟ وكيف سيتم إنتاج الأفلام وكيف وأين يتم عرضها وبشكل خاص في عالمنا الشرق أوسطي؟

أسئلة كثيرة ستجيب عنها التقنية الجديدة وسيحار العقل العربي إزاء ما يجري في العالم على كل الصعد ومنها صعيد السينما الجميل.

- هولندا k.h.sununu@gmail.com