Saturday 01/03/2014 Issue 430 السبت 29 ,ربيع الثاني 1435 العدد

ما بعد الحداثة.. والأدائية (1-2)

نظرية تموت وأخرى تحيا، بيد أننا لا نعرف في ظل أيها يعيش منجزنا الأدبي وعن أيها ينأى، في خضم فوضى النظريات التي نشهد آثارها تطفو تارة فوق سطح منجزنا وتارة تخبو.

والمبدع لا يعي عادة وهو يغمس ريشته في رحيق الروح ليسطر إبداعاته أنه يتبع هذه النظرية أو تلك، خصوصاً مع ضعف حركة الترجمة والمتابعة النقدية، وعجز العديد من النقاد عن تبسيط المفاهيم والنظريات النقدية التي يطرحونها عبر مقالات يصعب تفكيكها وفهمها بالنسبة للكثيرين بسبب لغتها النقدية المتعالية والمعقدة. وأتساءل هل مطلوب من المبدع أن يعي حقيقة أي نظرية يتبع وهو يحاول التجريب وتجديد أدواته؟ إذا كان سيتخبط ويخرج بأدب شائه فالأولى به أن يعي ويعرف إلى أين تقوده خطاه. ومن الملاحظ أن التشكيليين هم الأكثر التفاتاً واهتماماً بمعرفة وتطبيق النظريات مثلما لمسنا اهتمامهم مؤخراً بـ»المفاهيمية»، أو الفن المفاهيمي الذي تذكر المصادر أنه نشأ في الغرب نتيجة لملل المبدع من الإطار التقليدي للعمل الفني، ومحاولته تحويل مفهوم الجمال الفني لجمال الفكرة التي حاول الفنان السعودي مسايرتها عبر عدد من المعارض التشكيلية.

حيث يبدو أثر النظريات والمدارس الفنية واضحاً نتيجة لما تفرضة طبيعة الفن التشكيلي الأقرب للتجسيد. أما في حالة الأدب فالأمر مختلف تماماً تبعاً لطبيعته. وهناك من الكتاب من تتلمس وأنت تتابع منجزه الإبداعي بعض الوعي النقدي وهو يتعمد التجريب وتحديث التقنية والأدوات والأسلوب سواء حالفه الحظ أم لم يحالفه. بيد أن الشريحة الأكبر يظهر عليها عدم الوعي ووقوع إبداعها تحت طائلة التأثر بما تقرأ من منجزات الآخرين وبالتالي وقوعها غالباً في فوضى التجريب غير المحدد المعالم.

ومن غير الرائج أن يتابع أدباؤنا ما يستجد في الوسط النقدي من نظريات تشغل الأوساط الثقافية العربية والغربية، والتي تتنقل من نظرية لأخرى، بزعم أن اهتمام المبدع بالجانب النقدي قد يفسد إبداعه! ونتساءل ماذا عن كتاب ليسوا فقط مطلعين وإنما أيضاً مشتغلين بالنقد، هل يا ترى أفسد النقد إبداعهم جميعاً؟

إذا كان النقد يفسد الإبداع كما يقال فماذا عن الناقد والروائي الإيطالي أومبرتوا إيكو المعروف بروايته الشهيرة «اسم الوردة» والذي يعد أهم النقاد الدلاليين في العالم؟ وفي العالم العربي هناك الناقد المغربي محمد برادة، وفي مشهدنا المحلي لدينا الشاعر والناقد محمد الحرز، والناقد والروائي الدكتور معجب الزهراني، والناقد والقاص عبدالله السفر وغيرهم.

وثمة سؤال ملح، هل خطا منجزنا الأدبي بحق خطوات نحو تطبيق النظريات النقدية الحديثة ومنها نظرية ما بعد الحداثة؟ وماذا عن الأدائية أو نظرية «بعد ما بعد الحداثة»؟ التي نظّر لها وتبناها الفيلسوف والناقد الألماني الأمريكي راؤول ايشلمان وأعلن عنها بعد الإعلان عن موت ما بعد الحداثة، والتي تعتمد على التجريب، والتحرر من القيود والمعايير المنهجية والاهتمام بالهامشي والمختلف، وكلا النظريتين لا تزالان حتى الآن محل جدل وقبول ورفض حيث لم تسجل الأخيرة القبول المتوقع بعد في الأوساط الثقافية الغربية.

ولنأتي أولاً لمعنى ما بعد الحداثة: لا يزال مفهوم ما بعد الحداثة مفهوماً ملتبساً، اختلف في تعريفه وتحديد مفاهيمه نقاد ودارسون، وقد ظهرت الحداثة في الأدب العربي مطلع القرن العشرين على يدي بعض الرواد مثل طه حسين، في حين بدأت تباشير ظهور نظرية ما بعد الحداثة في الستينات من القرن الماضي، بيد أنها لم تفرض وجودها سوى في العقود الأخيرة، وظهرت في الغرب في محاولة لهدم ثوابت الحداثة، والعقلانية، وتغييب المعنى، والاهتمام بالهامش والعرضي واليومي، وحطمت الحدود بين الأجناس الأدبية، وتوسلت الغموض والإبهام، وشكل الرسم وفن التشكيل والعمارة المحطة الأولى لنظرية ما بعد الحداثة، فيما شكلت الفلسفة والفنون الأدبية محطتها التالية، وبعدها استشرت في مختلف المعارف البشرية، ورغم إعلان موت مذهب الحداثة في أوربا وأميركا إثر قيام مذهب أو نظرية ما بعد الحداثة غير أن الأدب العربي اليوم يعيش حالة من ازدواجية وفوضى المذاهب.

وقد وجهت سؤالاً حول موقعية منجزنا الأدبي من نظرية ما بعد الحداثة لعدد من النقاد المحليين، لكنني لم أتلق جواباً، ووجهت ذات السؤال لشاعرنا الكبير أبو الحداثة محمد العلي قبل أيام في جلسة حوار عقدت في ملتقى ابن المقرب الأدبي فكان رده: «نحن لم نصل إلى الحداثة حتى نصل إلى ما بعد الحداثة»، أيضاً ما بعد الحداثة، ليس جميع المفكرين يعتقدون بما بعد الحداثة، الذي يؤمن بما بعد الحداثة هم مفكرو الانقطاع والقطيعة، مثل فوكو، وفيلسوف الشك أبو الخطأ، المهم أن من يؤمن بانقطاع المراحل المعرفية يؤمن بما بعد الحداثة، أما الذي يرى أن المعرفة هي استمرار دائم لا إنقطاع فيه، إنما في تجاوز أو تراكم أو حذف أو إضافة هذا لا يؤمن بما بعد الحداثة، مثل كثير من المفكرين الأجانب والعرب لا يؤمنون بأن هناك ما بعد الحداثة، الحداثة لم تكن تؤمن مثلاً بالوهم أو الهيام بالأشياء، ما بعد الحداثة أتى ليجعل كل هذه الأمور دخيلة في المعرفة، المعرفة تشمل المعرفة الصحيحة والمعرفة الوهمية والظن والخيال..إلخ إذا هي مجرد استمرار إلى الصعود في السلم لا تبديل السلم إلى سلم آخر وأنا من الذين يؤمنون بأن لا أنقطاع في المعرفة، إنما هو صعود كل مرحلة تصعد على الأخرى وتضيف إليها، تحذف منها..إلخ.

شمس علي - الدمام