Saturday 03/05/2014 Issue 436 السبت 4 ,رجب 1435 العدد
03/05/2014

كاتب الكوميديا السوداء

فجع الوسط الثقافي بالأنباء الواردة من الصين، تنبئ بما لا يسر حول صحة الصديق الشاعر الكبير عبد الكريم العودة الذي تعرض لأزمة قلبية، دخل على إثرها مستشفى بالصين، ويحتاج إلى عملية لتثبيت دعامات القلب، وفجعت كالآخرين، وتنقلت بين حروف المقال الذي كتبه الأستاذ عبدالله الناصر، وهو أحد أصدقاء رحلة العمر بالنسبة لأبي إياد، وكثيراً ما حدثني عنه وعن زمالته مع الفنان أسعد شحادة في أمريكا، وحينها كان شاعرنا الكبير يشرف على مجلة المبتعث، ويستكتبُ عدداً من الطلاب من أبناء المملكة المبتعثين، وقد أصبح بعضهم كتاباً كبار يشار لهم بالبنان ولعل أبرزهم الروائي المعروف الدكتور تركي الحمد، جاءت تفاصيل مقالة الأستاذ الناصر موجعة ومؤلمة وبالذات على الذين يعرفون ظروف شاعرنا الجميل الصحية، عبد الكريم الذي يعاني من سنوات بسبب انزلاق غضروفي، أتعبه كثيراً وكاد أن يتسبب له في جلطات بالساقين قبل أن يجد له مستشفى يؤمن له العلاج، وحكاية المستشفى حكاية مؤلمة لكل مثقف، أخجل أن أحكي كيف وجدنا (واسطة) بعد بحث شاق وأعذار من المستشفى، لتنقذ حياة عبد الكريم من خطر الجلطات، وأظن أن كثير من المثقفين يشتركون معه في نفس المعاناة، وهو بالتأكيد ما دفعه للسفر إلى الصين للبحث عن علاج غير مكلف، والأخبار عن العلاج الصيني دائماً ما تأتي مغرية.

عرفت الأستاذ والصديق الشاعر عبد الكريم العودة من زمن بعيد، عرفته محرراً ثقافياً ويشكلُ ثنائياً مع رفيق دربه الصديق الأستاذ المبدع محمد علوان في مؤسسة اليمامة، وكنت في بداية حياتي الكتابية وألمح في الرجل الأناقة والهدوء والتواضع، ولم يجمعني به التواصل الحميم إلا بعد سنوات من هذه البداية، وجاء التواصل الحميم معه بعد عودته من أمريكا، وكنا نلتقي في الأمسيات التي تجمع المثقفين في الرياض، فاكتشفت أنه رجل معرفة من طراز رفيع جداً، وشاعر يملك حساسية عالية بأسرار اللغة التي يعد فيها فقيها، وهو رجل قارئ من طراز رفيع في الأدب الحديث والتراث أيضاً، فكثيراً ما يدلني على روايات أو كتب تراثية سبقني لقراءاتها، ولا أخفي سراً أني كنت أستشيره، وأعهد إليه ببعض مسودات رواياتي لأستأنس برأيه وتصحيحاته اللغوية، وعبد الكريم على صعيد إنساني خفيف الظل، ويملك روحاً مرحة وسريع البديهة وروح السخرية اللاذعة، وكان يكتب زاويته الشهيرة (سماء ثامنة) وتحمل شيئاً من تلك السخرية، ويعدُ من وجهة نظري من أحد أهم كتاب الكوميديا السوداء.

عبد الكريم العودة الشاعر مقل، لكنه مجيد وبارع في نصوصه المعدودة، وقد ضاع كثير من نصوصه ورفض طباعة ما هو موجود، ويرفض ذلك ليس لعدم قناعة ولكنه ربما الزهد أو التواضع، وقد تشجع بعض الأصدقاء للبحث عن نصوصه في المطبوعات والملاحق القديمة، ولست أعلم إلى أين وصلت مثل هذه الخطوة؟، وقد سمعت منه ساخراً أن نصوصه محفوظة في صندوق حديدي، وسيكتب وصيته بعد عمر طويل لطباعتها، ويبدو لي عبد الكريم العودة إنساناً حميماً مع عائلته، ومحباً أيضاً وودوداً وصديقاً لأبنائه، يظهر هذا من خلال الاتصالات التي يتلقاها أو يتواصل بها معهم، حينما نكون معاً في سهراتنا ويتواصل معهم، وظهر هذا في التغريدات التي شاركت بها حرمه وبناته بعد خبر إصابته، وتبرز في شخصية عبد الكريم الرجل المعرفي جماليات، تنبذ العدائية والصدامية والمظهرية والاستعلائية البارزة في شخصيات كثير من المثقفين، فقد أسهم بمعرفته التقنية لبناء مواقع لكثير من المثقفين شعراء وكتاب قصة ورواية، ويشرف على مواقع للراحلين منهم كالأستاذ عبد الكريم الجهيمان، والشاعر محمد الثبيتي رحمهما الله، ويضيف مواد لهذه المواقع وأنا منهم، ولن أنسى مفاجأته وهو في الصين قبل خبر النوبة القلبية، حين تلقيت منه رسالة يشيد بمقالتي في هذه المجلة عن رواية (الربع الخالي) لأستاذنا عابد خزندار، ويخبرني أنه أضافها إلى موقعي الذي يشرف عليه بنفسه، أما آخر رسائل عبد الكريم فهي أشد غرابة وغموضاً، إذ يبلغني أنه تعلم مفردات صينية، ويصف ما أحاط به برب ضارة نافعة، وغداً بإرادة الله سنجتمع بالغالي أبي إياد، لنعرف تفاصيل ما ينفع وما يضر، وقد يفلسف ما يغيب عن البال من حكمة وعلم، ولو كان في الصين.