Saturday 03/05/2014 Issue 436 السبت 4 ,رجب 1435 العدد

نحو كسب معركة التطرف مقاربة

لعل السلطة تأخرت كثيراً في تجريم الجماعات والأحزاب التي اتخذت من الدين ستاراً نحو القفز إلى السلطة أو تعكير السلم الأهلي وبمسميات مختلفة وكذلك دعم جماعات في بقاع مختلفة من العالم وتأخرت أيضاً في محاربة التطرف والإرهاب الفكري.

القرارات الأمنية الأخيرة جيدة لكنها وحدها لن تحد من هذا الداء الذي عصف ويعصف بالمجتمع منذ ثلاثين عاماً وأكثر. وهو ليس ورماً سرطانياً يجتث بعملية جراحية ولكنه نتاج فكر وثقافة يحتاج معركة طويلة وبأدوات مختلفة.

والحلول الأمنية وحدها فقط ستلجأ معتنقي هذا الفكر إلى تبديل القبعة مؤقتاً وإلى المهادنة والسكون كما يفعلون دائماً أو تزج بهم في السجون والمعتقلات وكلا الخيارين ليسا حلاً للمشكلة ولكنه ترحيل أو تأجيل لها.

الخطاب الديني مرة آخرى:

لو أن المنابر الدينية مثلاً صورت أن ما يحدث في سوريا هو ثورة شعبية ضد طاغية أو دكتاتور أو فاقد للشرعية لبقي التعاطف مع هؤلاء الثائرين إنسانياص ومادياً وضمن الأطر الرسمية. ولكن عندما ينحرف هذا الخطاب عن السياق ويستخدم مفردات على شاكلة «النصيري» و»البعثي» و»المرتد» و»والكافر» فإن التعاطف الشعبوي هنا يختلف ويتلبس (الأديولجيا) ويتحول التعاطف إلى دعوة للجهاد، حيث تخرج القضية من الفضاء السياسي نحو (الديني أو المذهبي) وعندما يتقاطع هذا «التفسير» أو هذا الخطاب مع أسباب أخرى كثيرة (سنوردها) نجد شبابنا يندفع نحو «محرقات» القتل باسم الجهاد, حدث هذا في أفغانستان والعراق والشيشان والبوسنة والصومال واليمن وأخيراً سوريا.

وليت طلاب العالم أو محترفي المنابر أن يتوقفوا عن مجانية التصنيف وعن هذا التهييج الذي قاد المئات وحتى لا نقول الآلاف من أبنائنا نحو ساحات القتل أو السجون أو المطاردة ولا أدري أي وازع ديني أو أخلاقي يتلبسهم وهم يرون شبابنا وهم يعدمون أو يقتلون في ساحات معارك غريبة وتفتح لدينا دور العزاء.

الشارع ما زال يستمع ويصدق رجل الدين فهلاّ خاف هؤلاء الدعاة الله في أنفسهم وفينا؟

صناعة الأمل

ولكن السؤال الذي يجب أن نسأله أنفسنا: لماذا دائماً وحدهم أبناؤنا في طليعة الخارجين إلى ميادين القتال؟ سنكون غير منصفين أو غير راغبين في معرفة الأسباب لو قلنا إنه الوازع الديني فقط، هذا الوازع الذي نتحدث عنه لا نلمسه في حياتنا ولا في ممارستنا اليومة.. ونحن لا نختلف عن الآخرين إلا في اختراع الأوهام.

جل هؤلاء الذين يغادرون إلى مناطق القتال هم في الغالب شباب صغار السن, فاقد الأمل. .محبط وغير مؤمن بالمستقبل. والذين يمتلكون الأمل بالحاضر والغد لا يتخلون عنه.. يبقون معه.. يرعونه وينتظرون, أما الذين لا يمتلكون هذا الأمل فإنهم يفتشون عن هوية أخرى عن انتماء عن وعد بالغد سواء الجنة عبر الرغبة في الاستشهاد أو الرغبة في إثبات الذات والهوية.

وصناعة هذا الأمل لن يأتي إلا عبر معركة طويلة من إرساء قيم العدالة الاجتماعية وخلق الفرص ومحو شبح الفقر والبطالة والخوف من المستقبل.. لا بالوعود ولا بتسليم ملفات الفقر والبطالة والسعودة نحو مؤسسات بيروقراطية تتنفع من وراء ذلك ولا تقدم حلولا.

ولن نتحدث عن التعليم وعن المنهج الخفي في التعليم لأن ما كتب في هذا المجال يكفي لجريان نهر صغير.

مجتمع التسامح

المقابل أو المعادل للتطرف هو التسامح والاعتدال ولكن كيف نخلق هذا المجتمع المتسامح والمعتدل والمتصالح مع ذاته ومع من حوله؟

ونحن يقيناً لا نمتلك هذا المجتمع ولا نحيا فيه.. مجتمعنا هو مجتمع الإقصاء والتصنيفات وما زلنا بحاجة إلى مسار طويل وأدوات كثيرة لبلوغ ذلك ومرة أخرى لن نبلغ ذلك بالوعظ والأنشاءيات ولا بجلسات الحوار الوطني والتي هي تفتقر إيضاً إلى التسامح وتنحاز لطيف دون آخر وإلا مثلاً لم لا تدير أحد جلسات هذا الحوار امرأة؟ أو شخصية ثقافية أو شيعية؟ هنا نستطيع أن نؤكد أن هنا حوار وطني جاد وسنؤمن به ونترقب جلساته وعدا ذلك لا شيء ولم ولن يؤدي إلى شيء.

قيم التسامح تستلزم تكريس قيم مجتمعية وحتى حقوقية وقانونية لقبول ثقافة الائتلاف وقبول الآخر وإعلاء قيم التعايش والعدل والمساواة والشعور بالانتماء والمواطنة وخلق فضاءات أكبر للحريات الشخصية ونشر ثقافة الفرح والترفيه وحب الحياة.

حب الحياة وحب الفرح هو وحده ما يجعلنا حريصين على أن نعيش هذه الحياة ويصنع داخلنا مساحات أكبر لأنتظار الغد والمستقبل ويحد من ثقافة الكراهية والتطرف.

ولو تأملنا قوائم الأرهاب أو أولئك الذاهبون إلى ميادين القتال لوجدنا أن معظهم من مناطق أقل انفتاحاً وأكثر انغلاقاً وأنهم قلة من المناطق الأكثر تسامحاً وانفتاحاً.

وخلاصة القول إن مجتمعنا مجتمع مأزوم ويشعر بالحصاروندرة الفرح وانسداد الأمل وإلا كيف نفسر الرحيل الكبير لهذا المجتمع نحو بلاد الله عند أول مناسبة؟

لنصنع مجتمع التسامح إن كنا فعلاً جادين وراغبين في الحد من ثقافة الكراهية والتطرف.

المناصحة

هل أدت المناصحة دورها؟ وهل القائمون عليها هم مؤهلون لهذا العمل؟ وما هي مؤهلات هؤلاء الذين يقومون بدور المناصحة؟ ثم هل المناصحة لأفراد أم لتيار أم لمجتمع؟

لا أدّعي إني أمتلك نتائج أو إحصاءات لنتائج هذه المناصحة لكني أعرف كغيري أن الكثيرين من الذين تمت مناصحتهم عادوا والتحقوا بمناطق الصراع وقوائم التطرف والإرهاب.

ولا أدّعي أني على اطلاع على مناهج وأدبيات المناصحة.. لكني أعرف أنها تنحصر في إطار وعظي وأمني والتلويح بمكاسب آنية.

ولا أعرف أيضاً إن كان للثقافة والمثقفين حضور في إطر المناصحة؟ وكأن كل مشكلة هؤلاء الذين نسميهم (المغرّر بهم) هي دينية عقدية. وهذا غير دقيق لأن ما جعل هؤلاء الشباب يتركون وراءهم كل شيء ويلتحقون بميادين القتال هو التزامهم وقناعاتهم الدينية العميقة مستندين إلى فتاوى وأدبيات دينية آنية وتاريخية.

وأظن أن الوقت قد حان للمناصحة عبر مساحات أوسع.. عبر كل المجتمع وليس عبر مراكز أمنية.. وما نقوم به الآن هو علاج المرضى وترك المرض.

لكن هذا يحتاج إلى مساحات أوسع من حرية الطرح.. وإلى حوارات مجتمعية يتشارك فيها المثقف وعالم الاجتماع والنفس ورجل الاقتصاد والمفكر بنفس القدر الذي يشارك فيها رجل الدعوة ورجل الأمن.

مثل هذا الحوار المجتمعي المفتوح هو ما سيخلخل الكثير من القناعات غير الدقيقة ويعمّق ثقافة الانتماء ويعلي قيم الحوار ويجعل المجتمع رقيباً على ذاته وليس عبر أدوات قسرية.

وأخيراً!

وأخيراً أظن أننا نحتاج أن نتواضع كثيراً ونرى لمَ وحده مجتمعنا يبدو مختلفاً عن المجتمعات القريبة والمشابهة لنا في المكان والحضور والجغرافيا؟

ولم يحيا أبناؤه في تجانس وداخل حدود بلادهم ودون الهاجس بأسلمة الكون بينما تتوالد لدينا قوائم الإرهاب؟

ثم هل فعلاً انحسرت ثقافة التطرف منذ أن بدأنا بما يسمى الحرب على الإرهاب أم أننا نخاف طرح مثل هذه الأسئلة.

هل نحن صادقون وجادون لمواجهة الذات؟

وأظن أن هذا هو أول الطريق نحو مجتمع ينبذ العنف والتطرف والقتل والإهاب بكل تصنيفاته

فهل نحن جادون؟

أم هي عاداتنا دائماً في وضع العربة أمام الحصان.

عمرو العامري - جدة