Saturday 03/05/2014 Issue 436 السبت 4 ,رجب 1435 العدد
03/05/2014

وأضرمتَ في السراب طموحاً!

العنوان سطرٌ مقتطع من قصيدة للشاعرة نويّر بنت مطلق العتيبي، في ديوانها (الأصوات تأتي من الأعلى) وكنتُ قد تناولت باكورة دواوينها (وهيأتها للموت) ضمن مقالة انطباعية حول (ثلاثة إصدارات أنثوية) لثلاث شاعرات شابات؛ منشورة هنا في الجزيرة الثقافية بتاريخ 25 مارس 2013 وقد حاولتُ في مقالتي تلك الاحتفاء بجديد رأيتُ فيه ما يعجبني، فقط، لا أكثر.. فأنا لستُ ناقداً، ويُلبسني غير ثوبي من يأخذ أياً من مقالاتي على أنها تحمل سماتٍ نقدية. وقد استأتُ مرات عديدة بتلك الصفة التي يطلقها عليّ بعضُ من تناولتُ نتاجاتهم ببعض الاحتفاء الانطباعي؛ كما فعل المترجم الفلسطيني المبدع مازن معروف حين نقل مقالتي عن العمل الروائي الذي ترجمه عن السيرة الذاتية للأديب الأمريكي مايرون أولبرغ (يدا أبي) ببراعة أدبية وقدّم له بعرض موجز كان غاية في الإتقان والتلخيص الشموليّ الرفيع– وكان عنوان المقالة (يدا أبي والعرض الموجز) منشورة هنا بتاريخ 14 يونيو 2012 - إلى مواقع إلكترونية واضعاً لاسمي – بحسن نية منه - صفة (الناقد) وأنا منها بريء.. فمن يتابع مقالاتي يجدني أحرص دائماً – حين تكون المقالة عن عمل أدبي أردتُ الاحتفاء به – أن أؤكد على أن كل ما قلته وأقوله مجرد انطباعات بعيدة كل البعد عن التنظير والنقد وما يتبعهما من تحليلات ومقاربات..

وقد ظلم المثقفون معنى الانطباع باجترارهم تعريفات قديمة تحصر الانطباع في لوحة للطبيعة رسمها الفنان الفرنسي كلود مونيه في القرن التاسع عشر وأطلق عليها اسم (الانطباعية) فتشكلت حولها مدرسة تقارب الرسم بالطبيعة تأثراً بها حدَّ التطابق، ولحقت بها مدارس أخرى في مجالات مختلفة من الفنون، حتى بدا الفنُّ الانطباعيُّ تصويراً طباعياً يخلو من الإبداع وبدا النقدُ التنظيريُّ إبداعاً يحتوي الفنون..!

تكررت المقولات المتناقلة للتعريف نفسه وتضاءلت المعاني المعرفية الواسعة بطبيعتها وتراكم الاجترار فوق بعضه حتى لم يعد للمسمى ما ينسجم مع معطياته على الواقع سوى الاجترار والنسخ من دون ناسخ يجيد استيعاب المعاني قبل اجترارها(!). بينما تعريفي الخاص للانطباعية، كما أفهمها، بكل بساطة: هي الصورة الأبقى عندي من بين الصور الكثيرة التي خرجتُ بها بعد المطالعة؛ ذلك لأنها (انطبعت) على نحو أو آخر في الذاكرة، وستحضرني، كلما استحضرتُ العمل الذي طالعته؛ وبالتالي يكون كلامي عن العمل نابعاً من ذلك الانطباع، مهما يطل الكلامُ أو يقصر.!

أمّا (النقد) فهو الفراغ الذي امتلأ ضجيجاً ولستُ من محترفيه أبداً، وإن كنتُ أستأنس به أحياناً – حين يكون محوره يعنيني - غير أنني لا أتردد في ترديد مقولة بنجامين فرانكلين (1706 – 1790) المطبوعة صورته على أعلى ورقة نقدية لا تزال تحرّك العالم: (أيُّ أحمق من الممكن جداً أن يصبح ناقداً، فالحمقى وحدهم من يمتهنون هذه الحرفة)!

فما دخل كل ذلك بما أردتُ قوله الآن؟ ربما هو تمهيدٌ ضروريّ لم أجد بداً من سياقته كي أبرر من بعده بأن ليس عندي ما أقوله سوى رأي انطباعيّّ حول مقطع أعجبني:

(الأحلام أغنيةٌ

عزفتُ مقطوعتها الأولى

على غفلةٍ مني..

فأكملتَ أنتَ الأسطورةَ،

وأضرمتَ في السرابِ طموحاً)

وهو من قصيدة بعنوان (مفاتيح الجنة) استوقفتني طويلاً وأنا أتصفح الدواوين الثلاثة التي وجدتها مؤخراً في صندوق بريدي (أغنيك وجعاً، منتصف الغواية، الأصوات تأتي من الأعلى) وقد ترك هذا المقطع عندي الانطباع الأعلى؛ بخاصة عبارة (أضرمتَ في السراب طموحاً) رأيتها صورة استثنائية متحركة تنبض إبداعاً، وتحمل مفتاحاً مميزاً لموهبةٍ كبيرة.

- الرياض ffnff69@hotmail.com