Saturday 04/01/2014 Issue 424 السبت 3 ,ربيع الاول 1435 العدد
04/01/2014

محمد الحمادي في ديوانه «فاتنات»: توقيعات شعرية رشيقة تنهل من معاني الحياة

يستشرف الشاعر محمد الحمادي ومن خلال ديوانه الجديد «فاتنات» ألق الولع الجمالي والوجد الإنساني حينما تدب في حروف وكلمات هذه القصائد رعشة الحب، والبحث عن مخبوء جمالي تغطيه سُدَف الحياة المثقلة بتنويعات أشجانها الكثيرة والمترامية.

في مصافحة أولى لقارئ هذا الديوان يُلْمِح الشاعر حقيقة إلى أن ما عَنَّ له من شعر هو بمثابة برقيات قصيرة، أو ومضات مقتضبة، أو توقيعات رشيقة تنهل من معاني الحب والجمال، وقراءة الحياة قراءة فاحصة تحتم على الشاعر أن يتعاطى ما هو إيجابي ومحبب، بل إنه يعمد إلى استكناه المستقبل، واستمزاج لغة الأسئلة التي تقارب بين الحلم وقصيدته التي تنثال بحبور واضح، وبمخيال شعري جميل.

لغة الديوان عابقة بمعاني البحث عن الذات من خلال أسئلة يبعثها الشاعر الحمادي بعمق ودراية فائقة، حيث يلخص لنا فكرة النص ويبعثها على هيئة إضمامة عابقة بمعاني الحياة ومعبرة عن مكنون شاب يبحث عن إجابات معتبرة لأسئلة الحياة:

«ماذا لديك؟

هل بعض أسوار

المدينة في يديك؟

كوني معي

فأنا وهبت ملامح

الذكرى إليك!..»

فالشاعر الحمادي ينتقي من اللغة الإبداعية ما يقيم العلاقة بيننا، ويحفل بالخطاب الجمالي كعنصر مؤثر وواضح في كل إشراقة يرنو إليها في هذه القصائد القصيرة جداً حتى إنك تستطيع وبلا كلل أن تصل إلى فكرته الرئيسة بأقصر سبل التذوق والاستطراف حينما يجعل القصيدة جرعة دافئة في ليالي شتاء البوح السادر في فلوات مترامية.

أسلوب الشاعر في هذا الديوان ينحو إلى التعريف بالفكرة وجلب اهتمام القارئ إلى ما يرومه دون إطالة أو إطناب حتى تتأمل كل نص على حدة، وتخرج منه بفكرة موحدة لا بد لك وأن تكتشف من خلالها عمق الإحساس الإنساني لدى هذا الشاعر الذي يبحث للقارئ عن مفردة خطاب إنساني يصوغ جمال الأشياء بقوالب صغيرة.

حيثيات الفكرة الرئيسة لهذا الديوان «فاتنات» تناوش ما لدى الشاعر من رغبة لا تكل أو تمل من طرق أبواب الأمل بغية الوصول إلى هدف أسمى يتمثل في قيام معجزة تحقق الجمال وتبني من الأحلام قصورا وشرفات نطل منها بأمل:

«أنت امتزاج

في لهيب ملامحي

ورسم للجمال!!

قومي معي

فقصائدي تعبت

لنجمعها معا..

حتى نعود إلى الخيال»

تفاصيل الحياة في الديوان لا تتعدى أحلام إنسان يبحث عن ألق الجمال، ويصوغ من المفردة عالما شعريا يحقق معادلة الحب والأمل، لتتابع القصائد على هيئة ومضات معبئة بالوعد والحث عن علاقات حميمية تفضي إلى عالم إنساني أرحب لكي تتغلب الحياة على مصاعبها وتحدياتها، فليس أجمل من الشعر حينما يقاوم حالة القبح والعوار في العالم من حولنا.

فتأسيس النصوص في هذا الديوان تتم على حالة أو بيئة الشاعر الذي يعيش زمن المدن، وبرودة المشاعر، وقسوة الحياة المعاندة له، حتى إن الفصول تأخذ ملامحها من كل مشهد شعري يقارب الحياة في مواقف مختلفة إلا أن الشتاء وقسوة البرد تشبه ألم القصيدة حينما تواجه الجليد الحياتي .. فمتى تعم حالة الدفء وتترقرق الجداول عابرة بعد جليد أصم ومطبق؟! .. هذا سؤال يتواتر في جل قصائد هذا الديوان.. إلا أن فألا ما يسكن فكرة الشاعر وقريحته وهو يقارب لنا الأمل وأيام ربيع واعد:

«على جسد الأرض

أحلامه لم تزل

يلثم التراب

كلما نضج المستحيل

كان يبكي وحيدا

كما الزنبقات ..

يعتق سوسنة الحب»

تميل القصائد إلى وصف حالة الإنسان المعاصر، المنغمس في صراعات الذات والبحث عن هوية ممكنة تقيله من عِثَار الزمن وتحولات الحياة الصاخبة، فالشعر الذي يؤثث فيه الحمادي ديوانه يركن إلى لغة أو خطاب استنهاضي يعمق الروح التي تواظب على الأمل كمشروع أخير، أو ورقة يمكن أن يلعبها الإنسان في لحظات حرجة تسمى عالم اليوم .. فلا شيء غير الأمل يمكن أن نجتاز فيه مفاوز الحياة المعاصرة التي لا تقر بعوالم الشعر، ولا تعبأ ـ للأسف - بالشعراء.. لنتفاءل إذا ونقرأ ديوان «فاتنات» للحمادي.. محمد.

** ** **

إشارة:

- فاتنات (شعر)

- محمد مهدي الحمادي

- دار الكفاح للنشر والتوزيع (الطبعة الأولى) 1434هـ

- يقع الديوان في نحو (118صفحة) من القطع المتوسط