Saturday 04/01/2014 Issue 424 السبت 3 ,ربيع الاول 1435 العدد
04/01/2014

تدحرجت من تحت إلى فوق

هل قابلك عند المصعد من يضغط زر النزول، وهو يريد الصعود، أو العكس، أو يضغط كليهما؟ فإذا نبهته إلى أنه من الأسهل والأسرع له أن يضغط ما يناسب رغبته منهما فقط، أجاب بإجابات البلاهة المعتادة: كله واحد! أو: يالله زي بعضه! فربما صعد مع الآخرين أدواراً متعددة وهو يريد النزول، أو هبط مع آخرين وهو يريد الصعود؛ خلافاً لما يوحي به استعجاله في الحصول على المصعد، أو طلبه لأكثر من مصعد ليكسب الأول والأسرع منهما، ثم يصبح: كله واحد!!

وعندما قرأت تحليلاً فقهياً لما يراه أحد فقهاء عصرنا الحكمة من تحريم لحم الخنزير، عرفت أن هذه العُصيّة من تلك العصا. وأورد فيما يأتي تحليله بنصه، لكي لا يقال بأنه اجتُزئ، أو وُضع في غير سياقه: «حرم الخنزير في الإسلام لحكمة بالغة، فإن فائدة تحريمه تعود على المحافظة على الصحة البدنية وعلى سلامة النفس، أما سلامة النفس فمن حيث إن الخنزير حيوان خسيس جداً، ومن طبيعته عدم العفة وعدم الغيرة، ومن شأن الطعام أن يؤثر على نفسية الإنسان. وأما المحافظة على الصحة البدنية فتتجلى فيما اكتشف مؤخراً من المضار العظيمة التي تنشأ عن أكل لحم الخنزير، فإن الخنزير من طبعه أن يأكل القاذورات، وتتكون من هذه القاذورات في جسمه حشرة من الحشرات إذا أصابت آكل لحمه كانت سماً قتالاً، وهي تسمى الدودة الوحيدة، وينشأ عنها كثير من الأمراض، منها ما يكون في الرأس ومنها ما يكون في المعدة، فمن ذلك أن المعدة تصاب بسوء الهضم ولا يشتهي صاحبها الطعام، وأحياناً ينقلب الأمر بعكس ذلك فيكون لا يشبع من الطعام، وكذلك يصاب بالإسهال والقيء وعلل أخرى متنوعة ذات صلة بالبطن، وأما آلام الرأس الناشئة عن تأثير هذه الحشرة فهي متنوعة أيضاً، منها الدوار وسوء الفكر واضطراب الحال وتترتب على ذلك نوبات الصرع وتشنج الأعصاب، كما أن هناك أيضاً ما يسمى (بدودة الشعر الحلزونية) التي تؤدي إلى الهلاك – والعياذ بالله – سببها أكل لحم الخنزير، ومضار الخنزير من غير ما ذكرته كثيرة ومتنوعة».

أرجوكم تأملوا فيما قاله هذا الفقيه الذي ألمّ بعلوم النفس والطب والأعصاب والتغذية والأوبئة، وحلل القضية من واقع العلم وما نعرفه من شؤون الحياة؛ وإلا ما كنا ناقشناه، لو بقي في إطار التحريم المستند إلى نصوص دينية واضحة، ولا أحد يجادل فيها. ويكفي ما ذكره من المضار التي تتجاوز أضرار المخاطر النووية على البشرية، مع أنه يقول بأن ما ذكره أقل مما لم يذكره، فلماذا يخفي بقية علمه؟

وأقول إن الخنزير يؤكل في أغلب بلدان العالم: في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا، أكثر مما يستهلك في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية؛ فلو ثبت واحد من المليون من اتهاماته للحم الخنزير بتلك الأمراض المهلكة، خاصة ما ذكر من أن تلك الدودة تؤدي بآكل لحم الخنزير إلى الموت؛ وهم عندهم جيوش من العلماء والمختبرات أكثر مما لدى العرب، إلا إن كان علم هذا الفقيه ومختبراته تتفوق على ما عندهم. لكن بفرض أنه يعرف ما لم يتوصل إليه العالم بعد، يكفينا أن ننظر إلى النتيجة الأخيرة لتلك الدودة أنها تؤدي إلى الهلاك؛ فكيف لا يموتون ولحم الخنزير غذاؤهم الرئيسي في جميع الوجبات بأشكاله المتعددة؟

أعود إلى المنطق الذي بدأت به، وأقول مع الشاعر العباسي الذي أراد قلب منطق الطبيعة عندما رأى محبوبته المسماة «طوق» في نافذة علوية:

هزّني الشوق إلى طوق فتدحرجت من تحت إلى فوق.

- الرياض