Saturday 05/04/2014 Issue 433 السبت 5 ,جمادى الثانية 1435 العدد

سطوة المصطلح

المواجهة العسكرية والمؤسساتية

تناولنا في الحلقة السابقة المواجهة الاقتصادية بين الرأسمال والمنتجين، وكانت المحصلة أن الاقتصاد الرأسمالي كان قويا وواعدا في بداية عصر النهضة وما تبعة ولكنه يعاني من أزمة مستمرة تتوج بمآزق متتالية كان آخرها نهاية القرن العشرين وهو مستمر ومتفاقم، ويبدو أن لا مخرج منه إلا بتغيير النظام الرأسمالي نفسه، وان التجربة الصينية خير نموذج لنظام لا رأسمالي ولا اشتراكي يفوق كل الأنظمة الاقتصادية السابقة قدرة وآفاقا .

نتناول هنا المواجهة العسكرية والمؤسساتية التي زاولتها الرأسمالية منذ عصر النهضة حتى عصرنا هذا، فما هي إذا مجريات هذه المواجهة ومحصلتها؟

ابتدأت المواجهة العنيفة أو العسكرية بين الرأسمال والحراك الجماهيري منذ كمونه باريس (منتصف مارس 1871) التي استولى خلالها العمال على السلطة السياسية وانتخبوا تسعين عضوا لمجلس باريس البلدي (بالفرنسية commune كوميون) وأعلنوا حكمهم على كامل فرنسا ولكن الجيش الذي اتضح انه موال للحكومة الساقطة وليس (للوطن كله) كما كان يشاع، فالتفت القوات المسلحة حول باريس وقمعت بوحشية ذلك الحراك فيما سمي الأسبوع الدامي، حيث تم القضاء عليه في 21مايو1871.

لم يدم هذا الحراك سوى 74 يوما لكنه سلط الضوء على مؤشرات غاية في الأهمية :

1 - مدى الزخم الذي يمتلكه الحراك الجماهيري .

2 - أن السلطة بكل مكوناتها هي أداة قمعية بيد الطبقة الحاكمة.

3 - أن الصراع بين المنتج والمالك لا يمكن حسمه بالقوة.

أما محصلة هذا الحراك العظيم كان لصالح الجماهير، حيث أنشأ الرأسمال مضطرا مؤسسات المجتمع المدني التي اصبحت الأداة الموازية للسلطة القمعية وتطورت وانبرت للدفاع عن حقوق المنتجين. وعلى الرغم من تآمر الرأسمال عليها استطاعت تحقيق مكاسب عديدة كتحديد ساعات العمل والراحة والضمان الاجتماعي والصحي وحقوق المرأة والطفل وغيرها. كما أن الصراع ازداد احتداما بسبب تآمر الرأسمال على المؤسسات الجديدة وإنجازاتها، ولكن خطر انهيار النظام الرأسمالي بقي قائما واشتد الاحتقان الداخلي في أوروبا ضد الرأسمال.

لقد أدرك الرأسمال خطورة المرحلة، ولكنه لم يتوقف عن التآمر والعنف، كما أن تطور وسائل النقل وصناعة السلاح وفر له الفرصة لغزو العالم وتقسيمه وتقاسمه للحصول على المواد الخام من جهة، والخروج من أزمته الداخلية من جهة أخرى.

تصدير الأزمة للخارج لم ينقذ الرأسمال منها، حيث انبثقت أول تجربة اشتراكية طويلة الأمد في اكبر واغنى دول أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى، التي أصبحت سدا منيعا في وجه الحرب وأجبرت الرأسمال على الإقرار بحق الأمم في تقرير مصيرها وأجهض الحراك الجماهيري مرة أخرى العنف ووضع شروطا جديدة للصراع، كما أن تدويل الصراع أدى إلى نشوء ما يسمى (العملية الثورية العالمية) المكونة من ثلاثة عناصر هي: الدولة الاشتراكية الوليدة وحركة الشغيلة في الدول الصناعية وحركة التحرر الوطني في الدول النامية، أي اتسع الحراك ليشمل العالم كله وتوزعت موازين القوى على شكل تكتلات دولية (العولمة).

كانت محصلة الحرب الأهلية في روسيا هي هزيمة الجيش الأبيض، المدعوم من الدول الأوروبية أمام الجيش الأحمر الذي تكون من العمال والفلاحين، مما آثار رعب الدول الأخرى خوفا من انتقال العدوى، حيث أطاح الحراك الجماهيري هناك بالقيصرية والبرجوازية المحلية تباعا، وهيأ الأرضية لمواجهة جديدة.

اندلعت الحرب العالمية الثانية بهدف رئيس هو الإطاحة بالتجربة الروسية وخنق الحراك المتصاعد، وهدف آخر يأتي بالمرتبة الثانية هو إعادة تقسيم العالم ونهب ثرواته بحصص جديدة، لكن انتصار الاتحاد السوفييتي السابق في الحرب أنهى أحلام الرأسمال في إيقاف الصراع عند نقطة معينة، أي إيقاف التاريخ، فاضطر إلى المهادنة والقبول بالتعايش وأنشئت مؤسسة الأمم المتحدة لتنظيم هذا التعايش.

قد نتفق أو نختلف على إيجابية أو سلبية نشاط مؤسسة دولية كالأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها، ولكن وجود مثل هذه المنظمة ضروري للحفاظ على العنصر البشري بعد تطوير وانتشار أسلحة الدمار الشامل ونشوء ترسانات عسكرية تهدد بفناء الأرض اكثر من مرة.

على الرغم من أن المستفيد الأول من الأمم المتحدة هو حلف الأطلسي، الذي هيمن على إدارتها ونصب أمناء عامين موالين له، إلا أن القرارات المتخذة تحكمها التوازنات الدولية والإقليمية، ولذلك تكتسب أهمية كبيرة ومصيرية في كثير من الأحيان. أما الصراع الدولي فقد استمر على الرغم من وجود آلية ناظمة كالمؤسسة الدولية، حيث انتشار بؤر التوتر في كل الأصقاع والحرب الجاسوسية المستعرة، إضافة إلى قوات التدخل السريع التي استحدثت بدعة جديدة بعد انهيار اليسار (من ليس معي فهو ضدي).

الإخفاق الرأسمالي في الحروب المتتالية خير دليل على افقه العسكري المسدود وسوف لن ينجح في لوي عنق التاريخ من خلال حربه القذرة الدائرة حالياً (الحرب العالمية الثالثة على الأرض العربية) التي تتخذ من بدعة التكفير أداة لها وهدفها واحد هو الانتقام والتدمير، ليس من أجل فرق تسد وحسب، بل فرق وافتن واقتل واحرق والتهم لحم أخيك كي تجهز عليه وعلى إنجازاته حتى لو كانت زهيدة واعبد المال وبع اهلك في سوق النخاسين.

محصلة هذا الصراع الدامي واضحة وهي كالتالي:

1 - أقطاب عالمية وإقليمية بدأت تبرز، أولها وأهمها مجموعة بركس (برازيليا وروسيا والصين وجنوب إفريقيا).

2 - أقطاب إقليمية تبرز أيضا، كإيران وفنزويلا وسورية المنتصرة والعراق الحر المستقل ولبنان المتحرر من الضغوط والغني بثرواته وبيئته وكوريا الشمالية أو الموحدة وغيرها.

3 - أفل نجم الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها وخاصة مجلس الأمن الدولي الذي اصبح أداة لإحقاق الحق وليس عصا أمريكية مسلطة على رقاب الشعوب، وبذلك تكون المؤسسات الدولية على المحك، أما أن تكون متوازنة وتخدم الهدف الذي أنشئت من اجله أو تلغى وينشأ مكانها مؤسسات بديلة بشروط جديدة.

4 - ستفشل كل المحاولات المحمومة لإبقاء الوضع كما هو ويتخلق الآن نظام عالمي جديد، بفضل التطورات الميدانية في سورية وخاصة يبرود وقطع الإمدادات عن قطعان التكفير وتسقط الورقة الأخيرة من يد المرتزقة وتنتهي مؤامرة الرأسمال ولن يستطيع السطو لا على المفاهيم ولا المصطلحات.

عادل العلي - الرياض