Saturday 06/09/2014 Issue 444 السبت 11 ,ذو القعدة 1435 العدد

معالي الشيخ العلامة: محمد العبودي ...

معاجم الأسر ومؤلفات أخر (1-2)

توطئة:

هو مؤرِّخٌ، رحَّالةٌ بل عميد الرحالين بلا منازع، نسَّابة، لُغوي، أديبٌ، جُغرافي، فَلَكِي، ذو إلمام واسع بكتب التراث، واطِّلاع جيِّد على مسائل الفقه، هو بحَقٍّ (جامعة العلوم والمعرفة)، فإن هناك جامعات في مبانٍ، وأخرى في معانٍ = أشخاص، وثالثة في كتب من أفراد أو مؤسسات..

معالي الشيخ لازم القلم، من بدايات عمره، في جِدٍّ ومُثابَرَةٍ، وهاهي الثمار تتدَلى، ينوء عنقودها بالعصبة أولي القوة، فأين الطاعمون لا الطامعون ولا الجاحدون؟

مؤلفاته جاوزت مئتي عنوان، وبالحساب الدقيق أكثر من خمسمئة كتاب إذا حُسِبت بعدد الصفحات، ف « معجم أسر بريدة» مثلاً يقع في (16) ألف صفحة، و « معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة» (7000) صفحة، وقد ذكرتُ هذا القيد؛ لمعرفة الحجم الحقيقي، ولأن من الناس من ألهـاهم التكاثر بعناوين، الواحد منها في (30) صفحة!

نسأل الله أن يبارك في علم الشيخ، وعمره، وعمله ـ، فهو أكثر مؤلِّفٍ في أزمنتنا المتأخرة، بل لا أبعد إن قلت: إنه يزيد على مؤلفات المشاهير الأولين حجماً ؛ وغالب مؤلفاته اختطها مبدعاً في مبناها ومعناها، ولم يُنسج على منوالها.

وهو من القِلَّة الذين يُقال فيهم: مَن لم يعرف مؤلفاتهم ويقرأ فيها؛ فليس بمثقف!وذلك لظهور شأنهم، وبروزهم على أهل زمانهم.

أعلمُ أنه كُتب عن الشيخ الكثير، بدءاً من مؤلَّفَين، مروراً باحتفاء مكتوبٍ في « المجلة الثقافية»، ومَنطوقٍ في «الثلوثية» لبلوغ مؤلفاته المئـتين؛ لكني أود الحديث هنا عن زوايا، أظن أنه لم يُتحدَّث عنها، وفي الإشارة إليها دلالة على كنوزٍ غفل عنها الكثير، وبيان حقيقة بعض المؤلفات؛ درءاً لِعَتب مَن غابتْ عنه حقيقتُها...

تاريخ المدن على الأُسَر، أعني معاجم أسر القصيم: «معجم أسر بريدة» طبعة تجريبية في (23) مجلداً، و « عنيزة» (17) مجلداً، و « البكيرية» و « الرس»، و « رياض الخبراء»، و « شمال القصيم» و « شرق القصيم»....إلخ تأتي بِدْعَاً في التأليف، حاوية لمعارف من فنون مختلفة، ومن شأن التأليف الأولي ـ الذي لم يسبق إليه ـ أن يكون عليه ملحوظات لاتُنقص قيمته، وأخطاء تنغمر في حسناته المتوالية، وإنك واجد هذا الأمر في سائر المؤلفات الجديدة الأولية في سائر العلوم.

وأمرٌ آخر: إن تعدد العلوم والمعارف في كتاب واحد قد يحول بين مؤلِّفه وبلوغه الغاية في إحكام ترتيبه، وتحرير بعض ما يحتاج إلى تحرير، وقد أشار الجاحظ إلى نحو هذا الملحظ في كتابه « الحيوان» (4/ 208 ـ 209).

وإني لا أعلم كتاباً في تراثنا العظيم نظير « معاجم الأسر» للعبودي؛ فإن الأولين ـ وغالبهم من أهل الحديث ـ كتبوا وأحسنوا عن تاريخ البلدان بذكر أحداثها على السنوات، مثل: « إتحاف الورى بأخبار أم القرى» لابن فهد (ت 885هـ) ط. في (5) مجلدات، و « وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى»للسمهودي (ت911هـ ) في (4) مجلدات، و« تاريخ حلب» لابن العديم، و« تاريخ بيهق»، و« تاريخ تونس المسمى ب « الحلل السندسية» للسراج (ت 1149هـ)، وغيرها.

وأخرى بتراجمعلمائها وأعلامها، مثل: علماء مكة « العقد الثمين» للفاسي (ت 832هـ ) في (8) مجلدات، و علماء المدينة المسمى ب « التحفة اللطيفة» للسخاوي (ت 902هـ) في (6) مجلدات، و« تاريخ بغداد» للخطيب (ت 463هـ) في (17) مجلداً، و« تاريخ دمشق» لابن عساكر (ت571هـ) في (80) مجلداً، و« تاريخ أصبهان» و « مصر»، و« نيسابور»، و« الرقة»، و « داريا»، و « جرجان»، و « الموصل»، و « أربيل»، و« الأندلس»، و « واسط»، وغيرها.

وللمتأخرين كتب في بعض البلدان تشمل التاريخ الحديث مع بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها، فهناك مؤلفات عن: نجد، والأحساء، والشام، وبغداد، والبصرة، والزبير، والكويت، واليمن، وغيرها كثير، إضافة إلى أغلب المدن في المملكة العربية السعودية.

ومؤلفات العلامة العبودي عن مدن القصيم مختلفة تماماً عما سبق؛ لأنها تاريخ للمدينة على الأسر، وليس على الحوادث، أوالعلماء والأعلام.

ومنهجه الإجمالي: يبدأ معالي الشيخ بذكر اسم الأسرة، وإن تيسر شئ عن نسبها ـ إن وُجد ـ، ثم يذكر أول تاريخها، مدعوماً بالوثائق القديمة النادرة، وغالبها تتضمن رموزاً ومصطلحات تخفى على كثيرين؛ لانقراضها.

ثم يذكرُ ـ رعاه الله ـ ما يعرفه عن كبار الأسرة، ويترجم لمشاهيرها من العلماء والوجهاء، وغيرهم، وقد تضمن الكتابُ تراجم لا توجد في غيره ؛ ومنهجه في كثير من التراجم فريد: يعرض الترجمة كاملة من أكثر من مصدر، ويتعقب بعضها بتعقبات علمية دقيقة ج داً، ولم يكن ينسب الترجمة له وحده، وهذا من أمانته، وكمال إفادته، ولا يترفع ـ كبعض أهل زماننا ـ عن النقل من أي أحد تكلم عن هذا العالم أو ذاك الوجيه، فينقل من الكتب، و الصحف، والمجلات، وما يُكتب له، ومن بركة العلم «عزو الفائدة إلى صاحبها».

ثم يذكر الشيخ وثائق تلك الأسرة ـ وكم فيها من الفقه كالوصية والوقف، والحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية؟! ـ يوضِّحُها، ويُبَيِّن كلماتها الغامضة، وسياقاتها التاريخية التي لا يمكن معرفتها إلا بمعرفة واسعة لتاريخ الأولين وألفاظهم وعاداتهم، وهذا العلم يكاد ينحصر في معالي الشيخ ـ حفظه الله، وأطال في عمره على طاعته ـ، ومن جميل ما يُذكر ويُشكر ويُفرح به: أن علم الشيخ بهذا الأمر قد دونه في مؤلفات مفردة: « معجم المال والاقتصاد»، و« معجم النخلة»، و« معجم الأصدقاء والأقارب»، و« معجم وجه الأرض»، و « معجم الملابس»، و« معجم الحيوان»، و« معجم البيوت»، زيادة على شرحه لتلك الوثائق في معاجم الأسر، فما أعظم أثره على الناس!

ثم يذكر ما كتبه له أحد المهتمين من أفراد تلك الأسرة، يعرض فيها أخباراً وأسماء لأعلامها السابقين والمعاصرين، وبه ينتهي الحديث عن الأسرة.

ولقد أحسنَ ـ أحسن الله إليه ـ حينما ذكر أن « معجم أسر بريدة» طبعةٌ تجريبية؛ ليُعذر، ويخرج من العتب، ويعطي الفرصة الأخيرة لمن أراد إمداده عن أسرته، ويرجع إليه بعد تجربته التالية، وأظنه استفاد من ذلك...

يا « بريدة» اطمئني، لم تكوني ضحية، بل تجريبية، وقد نظر الشيخُ إليك مرتين، له الأولى وليست عليه، وله الثانية أيضاً!!

تأتي تلك المعاجم العجيبة بعد مؤلفه القديم « المعجم الجغرافي لمنطقة القصيم» في (5) مجلدات. وكأن أهل القصيم يقولون: ماترك الشيخ لمن بعده شيئاً!

إذن معاجمه الأسرية، فيها:

1. تاريخ المدينة.

2. تاريخ الأُسَر في تلك المدينة ـ وهذا لم يُسبق إليه فيما أعلم ـ.

3. أجزاء دقيقة من جغرافيتها، ربما لم يتحدث عنها في معجمه الجغرافي.

4. تراجم لعلمائها، وأعلامها ـ ومنها ما لا يوجد في غيره ـ.

5. تعقبات علمية لعدد من الكتب في التاريخ والتراجم أو مما نشـر في الصحف والمجلات عن تراجم بعض الأعلام.

6. فوائد كثيرة في الحياة العلمية لتلك المدينة.

7. أنساب.

8. نماذج كثيرة جداً من الوصايا والأوقاف، أقترح دراستها في رسالة دكتوراة في « المعهد العالي للقضاء».

9. النساخ والشهود في تلك المدينة.

10. الحياة الاقتصادية.

11. الحياة الاجتماعية.

12. الحياة الصحية.

13. وثائق لا يعرفها كثير من الناس، حتى من أفراد تلك الأسرة.

14. شرح للمفردات الغريبة في الوثائق.

15. بيان مصطلحات وعبارات اندثرت، وللشيخ « معجم الكلمات التي انقرضت» مطبوع في مجلدين كبيرين.

إلى غير ذلك من العلوم، فمعاجم الشيخ وكتبه الأخرى منجم كبير، لدراسات جامعية (ماجستير ودكتوراة، وبحوث ترقية)، وقد بدأت الرسائل في عدد من كتب الشيخ في الرحلات، والمعاجم.

والعجيب أن غالب من تحدثتُ معه عن هذه المعاجم الأسريةيظن أنها في الأنساب فحسب، ومنهم من سمع دون علم وجود ملحوظات، فزهد فيها كلِّها، وهو لم يرها! وهذا ليس من منهج طالب العلم، أو الباحث أياً كان.

وهنا نقاط سريعة، لئلا يطول الحديث:

1. من العجب أن يطلب الشيخ من غالب الأسر إمداده بالمعلومات والتراجم، وكثير منهم لم يفعل؛ ثم يأتي بعضهم عاتباً بعد طباعة الكتاب؛ لوجود ملحوظات، أو كان الحديث عن أسرته قليلاً!

2. في وقتٍ يعتب بعضهم لوجود ملحوظات أو حديث لا يعجبه، أو لا يرى قيمة لهذا العلم ؛ يَطلب بعض أهل المناطق الأخرى من معالي الشيخ أن يكتب عنها كما كتب عن منطقته « القصيم»!

وسمعتُ من بعضهم الأماني والغِبطة، وهناك عدد من المهتمين من خارج منطقة القصيم، بل خارج السعودية تمنوا اقتناء« معجم أسر بريدة» والاستفادة منه ـ ذكرتُ العنوان السابق لأنه هو المطبوع وقت كتابة المقال ـ

وسيعلم الذين عتبوا، أونقموا، أي منقلب سينقلبون.

وزماناً قيل: « من جهل شيئاً عاداه»، و « أزهد الناس بالعالم أهلُه» وأزيدُ: وأسرتُه، وأهلُ مدينته.

3. كشفت الوثائق التي أوردها الشيخ لبعض الأسر وجودَ أفراد قدماء، لا يعرفهم المهتمون في تلك الأسرة، وقد تدل الوثيقة على وصية أو وقف، أو غير ذلك.

4. من عادة الشيخ التفصيل الدقيق في تسجيل ما يلاحظه، أو يريد بيانه في بعض مؤلفاته، والشيخ لا يتكلف في حديثه وكتابه ؛ وأمر ثالث: يظهر لي أن عنده ردة فعل من غموض بعض المعلومات التاريخية النجدية، والجغرافية، وتمنى لو أنَّالسابقين بيَّنوا ذلك بياناً شافياً ـ خاصة والمؤلفات قليلة جداً، وقد أشار لهذه الأمنية في أكثر من مجلس ـ؛ فكانت هذه الأمور الثلاثة ـ في نظري ـ سبباً في ذكر تفاصيل التفاصيل أحياناً ـ وهي مفيدة للغاية ـ، لكن بعض أفراد تلك الأسرة تحسس وا من هذه المعلومات، وظنوا الظنونا... ونحن نجد في بعض كتب التاريخ نماذج من هذا القبيل، من ذلك ما سيأتي ذكره في نهاية هذا المقال.

وللحديث بقية في الجزء الثاني.

- إبراهيم بن عبدالله المديهش