Saturday 06/12/2014 Issue 454 السبت 14 ,صفر 1436 العدد
06/12/2014

الحد الإرهابي في الإعلام المرئي!

لماذا تسعى البلدان لإنشاء المدن الإعلامية؟!

لأن ثمة جانباً أمنياً يترتب على عشوائية الإعلام فيتم جمع الفضائيات في مدينة إعلامية واحدة، فالصحن الفضائي الذي يبث ويستقبل الصورة والصوت بإمكانه أن يستقبل حديث المرسلات الأمنية من الوزارات الأمنية والوزارات الدفاعية للدولة. لهذا السبب فإن البلدان الحريصة على أوطانها تعمل على إبعاد المؤسسات الفضائية الإعلامية بعيداً عن مراكز المدن ومؤسساتها الأمنية والدفاعية. فالصحن الذي يستقبل الصورة والصوت من مسافات فضائية بعيدة بعشرات الآلاف من أميال الأثير قادرة أن تستقبل مكالمات سرية مجاورة لها.

الشخص الذي يستعمل سماعة الأذن لتقوية السمع يستطيع أن يستمع للمكالمات التي يتم تداولها عبر أجهزة الأمن والشرطة لو اقترب منها على مسافة ليست قليلة، لأن في سماعة الأذن جهاز استقبال صغير جداً، فكيف بالصحون الفضائية العملاقة التي تستقبل الصورة والصوت عبر الأثير؟!

هذا في جانب. في جانب آخر، فإن طبيعة البرامج التي تقدمها القنوات الفضائية، وقسم غير قليل منها مستورد ومنتج ضمن مزاج الغرب وطبيعة حياته الاجتماعية يقدّم لنا متجاوزاً الخطوط الحمر في حياتنا، سيما ونحن لا نملك وسائل الصيانة والحماية التي يملكها الغرب في مجابهة أي خلل اجتماعي تسببه الصورة والصوت وتأثيرهما الفيزيائي على المتلقي، إضافة إلى التأثير السيكولوجي لهما.

في فضائنا العربي والإسلامي ما يقرب من 315 قناة فضائية منها 14 قناة غربية معربة ويقع العراق في المرتبة الأولى في عدد الفضائيات التي يبلغ تعدادها 55 فضائية وتأتي مصر في الدرجة الثانية، حيث عدد الفضائيات فيها 46 فضائية فيما تأتي المملكة العربية السعودية في الصف الثالث في عدد الفضائيات البالغة 37 فضائية. ويتوزع العدد المتبقي بين بلدان المشرق والمغرب العربي. هذه أهم الفضائيات التي تبث عبر الأقمار الاصطناعية العربية والدولية.

تشكل القنوات ذات الاتجاه الديني الغالبية بين الفضائيات وتتنوّع القنوات الأخرى بين الإخبارية والمنوعات ويكاد عدد الفضائيات ذات الاتجاه الثقافي والتسلوي أن يعد على أصابع اليد الواحدة.

لو تفحصنا طبيعة البرامج التي تقدّمها الفضائيات لوجدنا أن كمية البرامج الجريمية الاتجاه وأفلام الرعب وبرامج الدراما العربية الجديدة نجدها وبدراسة واعية مستفيضة تعمم الجريمة وتعمم الخروقات الاجتماعية في مجتمعات محافظة تدفع بها وسائل الإعلام كي تسير في ركب الخروج من رحم التاريخ والتطور الطبيعي للمجتمع بمعنى تعميم القسرية في جعل المجتمع العربي الإسلامي مجتمعا هجينا يتيه بين ماضيه وحلم التطور الشكلي للمجتمعات.

وإذا ما أنتبهنا مليا لبعض الفضائيات فإننا نرى بعض البرامج تقدّم دروساً تعليمية لصناعة المتفجرات والقنابل الموقوتة وتفخيخ السيارات والبيوت. وقد ظهر خلال الشهر الماضي أكتوبر على شاشة الفضائية العراقية شاب اعتقلته الأجهزة الأمنية وكان قد توصل وعبر الدروس التي تقدّمها الفضائيات منسجمة مع تخصصه في الكهرباء إلى تطوير سيارة تمكّن من إعادة تركيب مكوناتها لتصبح في مقدمتها ومؤخرتها بنادق أوتوماتيك كاتمة للصوت مرتبطة بمنبه السيارة وتمكن الشاب البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً من ربطها بشاشة إلى جانبه يشاهد فيها ضحاياه حين يتساقطون. يسير في سيارته في مناطق شعبية ويطلق الرصاصة مع كل كبسة منبه للسيارة ويرى ضحيته على الشاشة يتهاوى دون أن يتمكّن أحد من معرفة القاتل، ليتقاضى مقابل عدد الضحايا أجوره بما يطلق عليه الورقة أي مائة دولار. لقد عرضت السيارة وتفاصيلها وطبيعة البنادق الكاتمة والشاشة المرتبطة بها، وكان يتحدث ببرود أعصاب غريب وكأنه يتلو درساً أمام التلاميذ!

أثارت تلك المقابلة شديد استغرابي وكأنني أمام فيلم من أفلام الخيال العلمي أو أفلام الكرتون المرعبة التي تقدمها الفضائيات العربية في آخر الليل!

لأننا نعيش بدون قوانين إعلام. ولأننا نعيش بدون دراسات إعلامية. ولأننا ندرس الإعلام في كليات متخصصة دون أن نستقي من طبيعة المجتمع ومن طبيعة ملفات الجريمة دروساً حقيقة نتوقف أمامها كي نكتشف الجانب السلبي من العملية الإعلامية، فإن شكل الجريمة المتأتية من القنوات الفضائية سوف يأخذ أشكالاً مثيرة لم تكن على البال وإلا كيف تحركت مخيلة ذلك الشاب الذي يقتل الناس في المناطق المزدحمة ما يثير الدهشة من تساقط الناس قتلى دون أن يروا قاتلاً بعينه؟!

إذا لم نتمكن من قوانين إعلامية ذات مضامين وطنية عالية المستوى وتوفر هوامش من الحرية المسؤولة فإن العشوائية في تأسيس الإعلام وبشكل خاص الإعلام الفضائي سوف يفضي إلى نتائج من الصعب التكهن بحجم مخاطرها على المجتمع!

- هولندا k.h.sununu@gmail.com