Saturday 06/12/2014 Issue 454 السبت 14 ,صفر 1436 العدد
06/12/2014

أسماء مهمة تكاد تختفي عن الساحة.. غيابها يُحدث فجوة لا يمكن ردمها (7)

سليمان با جبع امتطى صهوة اللوحة في مضمار المنافسة وحقق الفوز

نعود من جديد وبكل سعادة لتقليب صفحات تاريخ الفن التشكيلي السعودي، ونفتح صناديق كنوزها لنعيد للجيل الجديد أسماء كان لها دورها الكبير في تأسيس الحركة التشكيلية السعودية وحفروا بأناملهم وألوانهم وقدراتهم على استلهام جمال كل ما في الوطن في وقت ما زال المجتمع ينظر لهذا الفن على أنه ضرب من التسلية والترفيه، هؤلاء المبدعون الرواد أسسوا قاعة الفن التشكيلي وبنوا صرحه الحقيقي الذي نافس ووضع له مكاناً ومكانة في عالم المنافسة مع من سبقوهم من التجارب الخليجية أو العربية عامة وصولاً إلى العالم.

باجبع وصحوة اللوحة والخيل

حينما نستعيد إبداعات الفنان الخلوق سليمان باجبع نشعر بأصوات الخيل والبيداء وإيحاءات الليل والحب، فنان يعمل أكثر مما يتكلم ساهم في انطلاقة الفن التشكيلي على مستوى الوطن وحضر بشكل متميز بين أقرانه في محافظة جدة في بداية عطائه، واليوم يُعد أحد رواد هذا الفن وواضعي البصمة الأهم في مسيرة هذا الفن محلياً.

تحضر أعماله قبل حضوره الشخصي نجدها في كل مناسبة تشكيلية رسمية، فلفتَ الأنظار وأثار التساؤلات وحرك الساكن في أقلام بعضها أنصفه والبعض الآخر كعادته يسعى للإحباط، ورغم ذلك وبما عُرف عنه من الهدوء تجاوز المعوقات وتجاوب مع الرأي المنصف والنقد الهادف نتيجة ثقته بنفسه وبإبداعه، الفنان سليمان باجبع اشتهرت غالبية أعماله بالخيل والحرف وفي رسم الحياة الاجتماعية، ومع أنه لا يميل كثيراً لرسم الشخوص بشكلها المباشر فقد كان يلتقط إيحاءاتها أو رموزها، فكان بتلك الطريقة محايداً وموظفاً لها بقدرات عالية، امتطى صهوة اللوحة وجعلها أيضاً مضماراً لخيوله فدخل بها ساحات المنافسة فحقق النجاح والتميز وأصبح اسماً لا يمكن تجاوزه عند توثيق مسيرة الفن التشكيلي السعودي.

تأثير البيئة وأثر التجربة

ولادة الفنان السعودي سليمان باجبع في جدة عام 1954 ونشأته فيها منحته اكتساب صور بصرية مباشرة لكل ما يحيط به من حياة اجتماعية وتنوع أنماط البناء وما يتعلق بها من إضافات إن كانت زخارف أو أنماطاً هندسية واللباس، وهو حاصل على دبلوم التربية الفنية من الرياض عام 1996، وبكالوريوس التربية الفنية من جامعة أم القرى عام 1421هـ.

أقام خمسة معارض شخصية بدءاً من عام 1396 في الرياض وجدة والطائف، وشارك في معظم معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب منذ عام 1996، وعرضت أعماله في عدد من الدول والمدن العالمية، منها الولايات المتحدة الأمريكية والهند والمغرب والكويت، ونال الكثير من الجوائز التقديرية المحلية والدولية، منها جائزة المركز الأول بمعرض فناني المرسم جدة عام 1401، وجائزة المركز الثالث بمعرض الفن السعودي المعاصر عام 1402، وجائزة المركز الأول بالمعرض العام العاشر للمقتنيات عام 1408.

رؤية وتحليل يكشفان العلاقة

قليل من الفنانين يستطيع التعبير عن علاقته بإبداعاته فالبعض يتعامل مع منجزه الفني عبر بوابة الصدفة والبعض يترك الأمر للتلقائية في الأداء، وهنا يتوه أصحاب هذه التوجهات ويحتارون كيف يختارون العبارة أو الجملة المناسبة للتعبير عن ما قاموا بتنفيذه كعمل فني يفترض أن يحمل فكرة وبعد نظر، أما الفنان سليمان باجبع فالأمر يختلف عندما يتحدث عن علاقته بإبداعه إذ يقول عن معرضه الخامس الذي اختصر لنا فيه الكثير مما يمكن الحديث عنه، فيقول في أحد تصريحاته الصحفية خلال أقامته معرضه الخامس إنه قدم في معرضه رؤية شاملة بقدر الإمكان لدراسة التراث وتلخيصه برؤية تشكيلية حديثة؛ خصوصاً لوحاته التي تمثّل الخيل التي يرى الفنان باجبع أنها رمز جمالي يمثل الشموخ والفروسية، مشيراً إلى أن سبب تركيزه على الخيل نابع من عشقه لها، والذي كما يقول لازمه منذ سنواته الأولى، ويرى أن فراسة الخيل مصدر إلهام لكل فنان؛ حينما يجعل للوحته أو منحوتاته مرتكزاً على ثيمة أو رمز يستلهمه بحيث يشبعه دراسة ثم يتحول إلى موضوع آخر، ملفتاً إلى أن مثل هذا التوجه في اختيار موضوع نهج يتبعه أكثر الفنانين في العالم.. كما أشار الفنان سليمان باجبع في أحاديثه عن الجديد في معرضه الأخير إلى أنه جاء بمثابة دراسة ومعالجة لرؤية الموروث بالمنطقة الجنوبية من المملكة، مع ما أضافه من خامات وهي نقلة جديدة في مسيرته التشكيلية التي اعتمد فيها على اللوحة واللون، تمثّلت في أعمال تطبيقية من الطرق بالنحاس، إضافة إلى أعمال الجرافيك بمقاسات صغيرة.. أما جانب المزاوجة بين سبل التعبير فكانت في لوحاته التي استلهمها من قصائد المتنبي.

تنوع مواضيع بخلطة باجبع الخاصة

مهما اختلفت أو تعددت أو تنوعت مواضيع الفنان سليمان باجبع من استلهام للبيئة الثابتة كأنماط البناء والزخرفة أو الحياة الاجتماعية أو الخيل التي كاد أن يكون فنانها الأوحد في الساحة مع ما أبدع فيه بتوظيف الحرف العربي إلا أن كل هذا التنوع لا يمكن أن يغير روح وأداء الفنان باجبع وكيفية توظيفه لتلك العناصر من خطوط وألوان وبآلته بخاصة، وجد فيها الكثير من الجيل الجديد مصدر تأثر وصل إلى التقليد.

للفنان باجبع خصوصية في تشكيل عناصره وله مساحة من التجريب في بناء اللوحة الحروفية التي تارة يبرز فيها الجملة والعبارة بأدائه المعروف وأحياناً يحيل الحرف إلى عنصر جمالي يطوعه كما يشاء دون أن يخرج عن أسلوبه.

هذا النوع أو الفئة من الفنانين يستطيع الناقد أن يؤكد حقيقة قدراتهم وبحثهم في تجاربه من خلال تسلسل تطور تقنياتهم وكيفية الأخذ بها في تحقيق إنتاجهم دون التوقف أو الانتقال إلى أسلوب آخر إما لتأثر بفنان آخر أو عجز عن مواصلة البحث نتيجة خلل في مسيرتهم الفنية.

نختم بالقول إن في حضور الفنان سليمان باجبع ما يضفي جديداً ويمنح الساحة وهجاً يمر بمشوار يجمع ألوان الإبداع ويعيدنا إلى زمن الفن التشكيلي الجميل كمؤسس ورائد وبين إبداع لا يتوقف عند حدود أو يتأخر عن مسايرة سباق الفن محلياً وعربياً وعالمياً.. هو وعدد كبير ينتشر وينثر عبق أصالة إبداعنا في كل جزء من الوطن أسماء كانت وما زالت رموزاً يعتز بها تاريخ الفن التشكيلي السعودي.

- monif.art@msn.com