Saturday 07/06/2014 Issue 441 السبت 9 ,شعبان 1435 العدد

يوسف المحيميد لمجموعة النقد بجامعة الملك عبد العزيز:

لست معنيًا بفئة أو طائفة ولا أوجه خطابي لأحد

في بداية حوارنا مع الكاتب القصصي الأستاذ يوسف المحيميد نرحب به ونشكره على تلبيته دعوة مجموعة (النقد الأدبي الحديث) بجامعة الملك عبد العزيز وإتاحته الفرصة لإجراء هذا الحوار.

يوسف المحيميد كاتب فذ يأسر قارئه وإن خالفه فكرياً لقدرته على امتاعه بسردٍ فتان متجدد.

بدأ بكتابة القصة القصيرة وأصدر مجموعته الأولى (ظهيرة لا مشاة لها) 1989م، ثم (رجفة أثوابهم البيض) 1993م، و(النوافذ تعوي تباعاً) 2000م، و(أخي يفتش عن رامبو) 2005م، وهي موضوع حوارنا هذا، هذه المجموعات الأربعة جُمِعت في كتاب واحد بعنوان (الأشجار لم تعد تسمعني) 2011م.

له في الرواية:(لغط موتى) 2000م، (فخاخ الرائحة) 2003م، (القارورة) 2004م، (نزهة الدلفين) 2006م، (الحمام لا يطير في بريدة) 2009م، (رحلة الفتى النجدي) رواية للناشئة. كما كتب أيضاً في أدب الرحلات (النخيل والقرميد - من البصرة إلى نورج)2004م، وفي اليوميات (حجر أحمر في مانهاتن).

لجين البوق

* تنفتح المجموعة على الثقافة الغربية ورموزها التي لا تعرفها إلا النُّخبة المثقفة في عالمنا العربي، فهل تكتب لهذه الفئة خاصّة منذ البداية؟ أم أنّك تعتقد أنها هي الوحيدة القارئة في عالم لا يقرأ؟

- في البداية يسعدني أن أبدي شعوري بالامتنان للأستاذة أحلام حادي وطالبات النقد الأدبي بجامعة الملك عبد العزيز اللاتي قدّمن أسئلة لفتت انتباهي وأثارتني.

- لا أوجه خطابي السردي عادةً لأحد بعينه، خاصّة على مستوى المضمون؛ فمعظم القصص في هذه المجموعة تتحدث عن شخصيات تعيش عالمًا يشبه الواقع، وبالتالي فإنها تحمل نفسًا حكائيًّا. لكلِّ شخصية حكايتها الخاصة، والحكاية -في السرد خاصة- إذا كانت مكتوبة بأسلوب شفّاف ومشرق تكون متاحة لجميع القرّاء حتى لو كان فيها ثمة إسقاطات على شخصيّات غربية مشهورة؛ قد لا يحتاج القارئ أحيانًا إلى معرفة تاريخ هذه الشخصيات وتفاصيل حياتها، فهو يفهم أن ذكرها كشخصيات مأزومة يعني أن تعبِّر عن بطل القصة ذاته.

من الإيجابيات في اعتقادي أنه حين تُذكر هذه الرموز الثقافية «الشخصيات»، فهي إما أن تكون معروفة للقارئ العربي، وبالتالي يستطيع أن يتماهى معها من خلال السرد أو الحدث، أو لا تكون معروفة، وبالتالي تحرّضه ليبحث عنها، ويتعرّف عليها، ويقرأ التجربة الأدبية من جديد.

* نعم، لاحظنا بقراءتنا سيرتك الذاتيّة ومذكّراتك تماثلاً يبلغ حدّ التطابق التام بينها وبين الأحداث والشخصيّات القصصية، وعزّزت قصة «يوسف» ملاحظتنا، حتى تساءلنا بفضول- هل تعرّضت حقًّا لحادثة الكي بالنار شأن بطل «لا مكان لعاشق في هذه المدينة»!-، وسؤالنا: إلى أي حد تنعكس حياتك في مرآتك السردية؟

- حتى لو كان ثمة تماثل - ولا أسميه تطابقًا- بين بعض جوانب القصص القصيرة والسيرة الذاتية، فإن مسألته تكون ملتبسة عادة ومتداخلة إلى درجة ألاّ نميِّز بين السيرة والإبداع؛ فلا نعرف أحيانًا هل القصص جزء من سيرة، أم السيرة هي مجرد قصة مختلقة، وهذا الالتباس- في نظري- لعبة جميلة، وهكذا هي المسألة في قصة يوسف مثلاً؛ فصحيح أن فيها «بعضي»، ولكنها ليست بالضرورة أنا.

أما حادثة الكي بالنار، فهي طبعًا لا تخصني إطلاقًا (يضحك)، لم أتعرض في صغري لمثل ذلك، ولكن معظم أبناء الجيل الذي سبقني في منطقة نجد بالذات قد تعرض لمثل ذلك، وبالتالي، فإن القصة القصيرة أو الرواية تُعدُّ دائمًا جزءًا من سيرة ذاتية، أو سيرة غيرية، أو مزيجًا منهما أحياناً، وجانبًا متخيّلاً في أحيان أخرى، وكل هذا النسيج هو مصنع لشخصيّات جديدة، وأحداث جديدة.

* أنت قلت: إن بعض شخصياتك تمتُّ إليك بصلة, هكذا فهمت من إجابتك السابقة.

- دعيني استطرد قليلاً حينما سُئل نجيب محفوظ قبل رحيله: لماذا لم تكتب سيرتك الذاتية؟ أجاب: أن سيرتي الذاتية هي عبارة عن شظايا قد تكون متوفرة في هذه الرواية أو تلك.

لا يوجد أحد إطلاقًا لا يكتب شيئاً من حياته أو من معارفه, وبالتالي ما في قصصي القصيرة أو رواياتي, قد يكون أجزاءً صغيرة من سيرتي الذاتية, أو من سير غيرية لأصدقاء وصديقات أسمع منهم جميعاً, أو نسيجًا من هذا وذاك, وقد تكون أيضًا فيها جوانب متخيلة, ففي رواية «فخاخ الرائحة –مثلاً- حينما أتحدث عن شخصية توفيق الرجل السوداني, أنا لم أعرف رجلا سودانيًا بهذه التفاصيل, ولا كيف كان يتم الرق في مطلع القرن الماضي, وبالتالي هذه التفاصيل ليست سيرة ذاتية أو غيرية؛ وبالتالي قد تكون تجربة قرائية, ربما أكون قرأت بعض التفاصيل عن الرقّ كيف يتم آنذاك, وكيف يتم ترحيل هؤلاء من ميناء «سواكن» أو «مصوع» إلى جدة فالرياض, والكتابة تأتي هكذا من هذا المزيج.

* توحي اللوازم الإيقاعية المترددة في المجموعة «أنت ما تفرِّق بين الجمرة والتمرة» مثلاً بذهانية الشخصية والرواي معًا، فهل تعكس هذه الظاهرة الأسلوبية حالة ذهنية تستحوذ على «لا وعي» المحيميد نفسه؟

- جميل هذا السؤال. دائمًا أقول لعله من الأجمل في كثير من هذه اللوازم الإيقاعية الاجتماعية أنها تحمل في داخلها حشدًا من القراءات المتعددة ومن احتمالات الحكي والسرد، والقدرة على خلق العديد من الحكايات المُتَخيّلة، هكذا تعرض لي، وأفكِّر في استلهامها في بعض القصص؛ خاصة أن لكل الثقافات المختلفة مثل هذه اللوازم التي تمثل رسائل للانتقاد أو للتوجيه أو ماشابه ذلك؛ فاصطياد هذه الثيمة الصغيرة أو اللازمة التي كانت تُقال، وصناعة نصٍّ كامل منها أجده يحقِّق لي نوعًا من الرضا عن ذاتي الإبداعية.

عندما يلتقط أحد الروائيين- باولو كويللو البرازيلي مثلاً- حادثة صغيرة جدًّا في ألف ليلة وليلة، ويبني عليها رواية كاملة- هي رواية الخيميائي-؛ فإنه يريد بذلك أن يصل إلى هذا النوع من التحدي، يريد أن يمرِّر ما يريد من رسائل من خلال هذا النص الطويل الذي بُنِي على لازمة أو حكاية صغيرة لا تتجاوز سطرًا أو سطرين.

* نحن نتفق معك في نقدك بعض المؤسسات المجتمعية: الأسرة، والمدرسة، والمستشفيات الخاصة، ولكننا نلاحظ هيمنة الرؤية الأحادية الراصدة للخلل والسلبيات فحسب. هل تغييب الإيجابيات مقصود للتركيز على السلبيات وإصلاحها؟ أم أن تلك الرؤية الأحادية تمثل رؤيتك الواقعيّة لفساد عام؟

- لا طبعًا. أنا أدرك دائمًا أن القصة ليست مقالاً صحفيًّا يتناول السلبيات أو الإيجابيات؛ فهي- في النهاية - عمل يطرح أشخاصًا مأزومين، وأماكن غريبة غامضة، ومن الصعب أن تتبنى هذه القصص شخصًا لا تعترضه أزمة ما، أيًّا كانت هذه الأزمة، وأيًّا كان حجمها، ولو كانت في منتهى الصِّغر كأن يحاول رجلٌ مقعد مثلاً التقاط نظّارته الطبية التي سقطت على الأرض.

كذلك الأمر بالنسبة لسيدة تحلم بأن تمتلك حق فتح نافذتها، كي تطلّ على الشارع بحرِّية ودون خوف. هذه أزمة، حتى لو كانت صغيرة وعابرة، أو لا تُشكِّل شيئًا بالنسبة للبعض إلا أنها - بالنسبة للشخصية المحورية- أزمة كبيرة. وتأجيج الأزمة عبر النص الإبداعي هو ما أبحث عنه؛ فقد لا يكون المكان على قدرٍ كبير من السوء أو الرداءة- كما ذكر السؤال-، لكنه أزمة الإنسان الخاصة لأي سبب كان، تجعله يرى كل ما حوله بشكل سوداويّ، وتجعله لا يرى سوى العالم القبيح، المتآمر، الفاسد، وبالتالي فإن هذه الرؤية هي انعكاس لأزمة الشخصية، وكما قلت لك: الشخصية تشعر بأزمة ما- أيًّا كانت هذه الأزمة-، وسواء كانت أزمة كبيرة، وضخمة جدًّا ، وعالية الصوت والإيقاع، أو كانت أزمة صغيرة وبسيطة فهي تبقى – في نظر الشخصية - أزمتها في هذا العالم.

* نعم، يعني أن تركيزك على صورة السوداويّة في بعض الجوانب كان موظفاً فنياً؛ للدلالة على استحواذ الأزمة على شخصية من الشخصيات؟

- بالضبط .

* لكن يا أستاذ يوسف، عندما تعالج أنت قضيّة معينة، فلأنك تشعر- ولو قليلاً- أن هذه القضية تحتاج إلى أن تُناقَش، و قد لاحظنا في مجموعة «أخي يُفتِّش عن رامبو» أن أفراد المؤسسات التربوية كالوالدين في تعاملهما مع أطفالهما، والمدرسين ورجال الدين مع الطلاب، وأصحاب المستشفيات الخاصة في تعاملهم غير الإنساني مع المرضى يمثِّلون نماذج تربوية خاطئة.. ألا ترى أن الرؤية النقدية الشاملة هي المقنعة والمقبولة- بمعنى أن تشمل القصص الجانب الإيجابي، والسلبي- أيضًا- ؟، أم أن القصة القصيرة لا تحتمل تعدد الأصوات الحوارية في السرد؟

- هذا صحيح من جانب أن القصة القصيرة لا تحتمل تعدد الأصوات، أو تعدد الشخصيّات، وتعدُّد المواقف، كما أن النصّ الإبداعي ليس مقالاً صحفيًّا من جانب أو بحثًا أكاديميًّا يُفتِرض فيه الحياد- من جانب آخر- ؛ فالقصّة القصيرة أو الرواية لا يُفتَرض فيها الحياد. أنتِ مثلاً عندما أسألك عن شيء ما داخل الجامعة، فلا بدّ أن يكون لك منه موقفٌ ما، ليس بالضّرورة أن يكون عقلانيًّا وعلميًّا، بل هو موقف عاطفي، فالأدب والإبداع هو وليد أزمة، فلا يأتي- من وجهة نظري- أدب دون أن تكون فيه أزمة، وبالتالي فإنه من الصعب أن توجد شخصية ترى أن هذا العالم كله جميل ومورق ورائع لنصنع من رؤيتها تلك نصًّا.

لا يمكننا محاكمة النص الإبداعي كما نحاكم البحث الأكاديمي أو الدراسة الاجتماعية؛ فهو لا يقوم على عيَّنات مجتمع وأدوات قياس وبحث، هو مجرد نص إبداعي فحسب، يُعبّر عن ذوات شخصيّات موجودة في النص، ولأن القصة القصيرة لا تحتمل هذا التنوع في الشخصيات والاختلاف تأتي نصوصها بهذا الشكل.

سارة العتيبي

* يستحضر شَبَهْ أبطالك بك إلى حدٍ كبير في أذهاننا مقولة شليجل: «كل فنان نرجسيّ مفتون بذاته» فهل يعبّر إبداعك جماليًا عن هذه النرجسية؟

- إلى حدٍ ما صحيح, في بعض الأشياء التي قمتم باصطيادها بذكاء -وأنا سعيد بذلك, والمقارنة بين سيرتي الذاتية المكتوبة في موقعي الإلكتروني وبين هذه القصص صحيحة. دعينا نسميها الأدب الذاتي, أنا –شخصيًّا- مفتون بهذا الأدب, ودائمًا ما أستحضر تجربة الروائية الألمانية كريستا فولف التي كتبت أدبًا ذاتيًا محضًا, والأدب الذاتي المحض ليس بالضرورة هو شخص الكاتب, حينما أكتب أدبًا ذاتيًا محضًا حميمًا قريبًا إلى قلبي ليس بالضرورة أنه هو يوسف بتفاصيله كاملة, قد يكون «بعضي» موجود هنا لكنه ليس كاملاً, وبالتالي الأدب الذاتي هو الذي يكون دائماً قريبًا من الشخصية المحورية، وليس بالضرورة شخصية الكاتب.

* في المجموعة كأنما تفتش عن الحرية في مجتمع يخنقها, وتتردد «الأسوار العالية» رمزًا للمعوقات والعزلة الخانقة للشخصيات. ولكن ألا تجد فرقًا بين الحرية المشروعة والحرية المنفلتة؟ ألا يعد الخلط بينهما عائقًا في إقناع القارئ بالحرية الضائعة؟ وهل تطمح بالكتابة إلى هدم الأسوار والعيش في كون مفتوح؟

- أنا شخصيًا أرى أنه ليس هناك حرية منفلتة, إلا إذا كان المقصود بهذا السؤال هو التعدي على حريات الآخرين, ولكن هناك حرية مشروعة وحرية غير مشروعة, الأولى هي أن تمارس حقك الذي يكفله لك النظام, أو أي دستور مدني كحرية التعبير –مثلًا- , والثانية هي الحرية غير المشروعة تتعدى ذلك إلى المساس بحرية الآخرين, فهنا يجب أن تتوقف الحرية, لذلك لا يعني تمتعك بحرية التعبير -مثلًا- أن تتجاوز وتتهجم ضد الآخرين بحجة حقك في حرية التعبير. في نظري أن الكتابة هي (طريق) الحرية, كل الكتاب في العالم هم مناضلون بحثًا عن الحرية, ولا أعتقد أنا -شخصيًا- أن ثمة كتابة حقيقية واعية لا تنشد حرية الإنسان وكرامته, فالكتابة وسيلة مهذبة وراقية لفضح الديكتاتوريات وأنظمة القمع والاستبداد في العالم, لذلك لا يمكن أن نضع نماذج للحرية التي نقبلها أو تقبلها الأنظمة ونماذج لا تقبلها؛ لأننا سنختلف كثيرًا حول ذلك, فالحرية هي الحرية التي تكفل الحق للإنسان بشريطة أن لا يعتدي على حريات الآخرين.

حنين الصحفي

* صرحت في لقاء صحفي أن الرواية لا ينبغي أن تكون «محتشمة»و»مهادنة»و»مؤدبة».هل ترمي بتصريحك استفزاز مجتمعك المحافظ أم فئة معينة تراها متشددة؟

- لا والله أبداً أبداً أنا دائما في حواراتي وفي كل ما أكتب لا أحاول أن الفت الانتباه بالإثارة أو الاستفزاز, بل أن ألفت الانتباه بالنص الذي أكتبه وبجودته, لذلك لست معنيا بفئة أو طائفة , فكما أنني لا أكتب لأكسب رضى أحد فإنني أيضا لا أبحث عن استفزاز أحد. الكتابة بالنسبة لي كالموسيقى مرات تعلو بصخب وإثارة ثم تنخفض بهدوء ونعومة, أحيانا تأتي حادة شرسة كما لو كانت مكتوبة بحد السكين وأحيانا رقيقة بريشة ناعمة، بمعنى أنني لست كاتباً مجاملاً كي أبحث عن رضى أحد، ولا أريد أن أستثير فئة فأتحدث عنها بشكل سلبي، لست كاتباً عدوانياً يبحث عن خصومة، ومجتمعنا – بالمناسبة - وإن بدا محافظاً فهو ليس ملائكياً أو نقيا،ً هو مثل المجتمعات الأخرى التي قد ترتكب الخطيئة، الأعمال الأدبية لابد أن تكون كاشفة وحقيقية صادمة أحيانا حتى نستطيع أن نرى المرأة جيداً.

* هل منحتك تجربة ترجمة روايتيك «فخاخ الرائحة» و»القارورة» لبعض اللغات الأوربية حساً مضاعفاً بالمسؤولية الإبداعية وطموحاً أكثر إلحاحاً لتحقيق مقومات ترتقي بإبداعك للعالمية؟

- ليس بالضرورة أن تمنحني الترجمة حساً بالمسؤولية عما أكتب، فقد كان إحساسي بها مبكراً تجاه القارئ العربي بالدرجة الأولى ومن ثم القارئ الآخر، وإن كان وصول النص للقارئ الآخر يتم عبر وسيط «المترجم»، ففي نظري أن وصول الإبداع إلى العالمية يتحقق بِصِدْقِهِ ومحلِّيَتِه، وبعده الإنساني، والكتابة المحترفة. فأكثر الأعمال التي جذبت اهتمام العالم كانت رواية (فخاخ الرائحة) للجانب الإنساني فيها الذي انتقل حتى في ترجماتها للغات المختلفة، ونحن عندما نقرأ الآداب الأخرى كالأدب الأوربي الحديث أو القديم أو الياباني، أو أدب أمريكا اللاتينية، تبقي الروايات التي تحمل هماً إنسانياً، أما الأعمال التي لا تحمل هذا الهم أو البعد الإنساني فلن تبقى حتى لو استمتعنا بها لحظة قراءتها.

* نعم ولكن ألا يواجهك ضغط اشد الآن عند كتابة رواية جديدة، فأنت الآن لا تكتب لمجتمعك أو للعالم العربي فقط بل للعالم؟

- صحيح، بالتأكيد هو همُّ أن يصل العمل للعالمية، ولكنه ليس هدفاً، ليس هدفي مثلاً أن تحصل روايتي التي اشتغل عليها الآن على عشرات الترجمات، ما يهمني هو أن يكون العمل بالدرجة الأولى مرضياً لي ولذائقتي النقدية، وحينما أصل إلى هذه القناعة الكبيرة جداً أثق أن هذا النص يصل إلى العالم. ليس ادعاء ولكني أثق غالباً بذائقتي النقدية لأني تربيت على القراءة ونقد الذات منذ مراحل مبكرة، وأدركت أن ما أكتبه ليس بالضرورة متميزاً دائماً حتى بعد كل هذه التجارب، فمثلاً لي رواية كتبتها قبل ثلاث سنوات وحينما انتصفت في الكتابة توقفت، لسبب بسيط هو أني لم أشعر أنها ترضي داخلي أو تشعرني بالامتلاء، لم أكن أجلس على طاولة الكتابة وأنا ممتلئ بالشغف والحب والسعادة، بل كنتُ أدفع نفسي، كان هذا مقياساً مهماً «الكتابة بشغف وحب».

آمنة آل جلال

* ما هو أجود ما كتبت وتعده مفخرة لك؟ وما هو دون مطامحك ويمثل مرحلة في الكتابة الإبداعية تجاوزتها؟

- أعتقد أنه من الصعب أن أقول بأن هذا النص هو أفضل ما كتبت، أو أن هذا لم يكن يرقى بذائقتي، هناك بالتأكيد نصوص بدأت فيها مثلا إلتماعة مختلفة عما كتبته من قبل، وهناك نصوص أعتقد أنها أقل من ذلك، دعيني أتحدث قبل ذلك عن كينونتي، لنعرف أي المراحل العمرية أقرب إلى ذاتي، فمثلا أجدني أحببت كل ما قد مررت به وعشته بكل ما فيه من نجاحات وخيبات، أحببت طفولتي، صباي، شبابي، وبالتالي كل ما كتبت ونشرت منذ منتصف الثمانينات الميلادية أحبه وأتذكره بحنين، كما حياتي، صحيح ثمة نصوص قصصية أشعر فيها بلمعة مضيئة مختلفة، كقصة (غبار العتبة)، (أحلام ثقيلة)، (الرجل الذي أكله الحزن)، (يوسف)، ولكن لكل قصة كتبتها ذاكرة خاصة أتذكرها بتفاصيلها أي بما يحيط الكتابة كقصة (وحشة) مثلا تذكرني بالقاهرة، وهكذا لكل نص ذاكرته الخاصة.

* عبر رحلتك الفكرية والأدبية الطويلة الثَّرَّة بالإنتاج هل ثمة شيء تتمنى لو أن بوسعك التراجع عنه؟

- لا، كل ما كتبته كان يمثلني آنذاك، يعني لا أستطيع أو ليس لي الحق أن أحاكم نصاً كتبته في التسعينات بمقايسي النقدية الآن.

* هو ربما لم يكن نصا أدبياً وإنما فكرةً ما؟

- عادة أنا لا أحاول الفصل بين الأفكار وبين النص أو بين المضمون والأسلوب، يعني النص كتب بما يحمله من فكرة، وهي ليست فكرتي وإنما فكرة هذه الكائنات التي توجد في قصصي، فهي التي ترى وتشم وتحس وتتذكر وبالتالي أنا لا أستطيع أن ألوم هذه الشخصية، أو الأسلوب الذي كتب به النص، فهو مرتبط بمرحلة زمنية وبالوعي الذي كنت أمتلئ به آنذاك.

* نشكرك أستاذ يوسف لرحابة صدرك، واقتطاع وقتٍ لأجل إجراء هذه المقابلة معنا.

- أنا بدوري أشكركن كثيرًا على هذه الأسئلة الذكية فعلاً والمبشرة؛ أشعر بسعادة لأن هذه الأسئلة جاءت من طالبات لايزلن على مقاعد الدراسة، ولكن لا أستغرب ذلك طالما أن الأستاذة أحلام هي من تتابع تطوير ذائقتكن النقدية.