Saturday 08/02/2014 Issue 427 السبت 8 ,ربيع الثاني 1435 العدد
08/02/2014

حجر طاحون أخضر

لم تعد الكتب المتخصصة تهم أحداً أو تجلب متعة أو فائدة لأحد، فمن يرد معلومة أو تحليلاً أو دراسة في أي جانب يجدها بسهولة مع وسائل التقنية الحديثة، ولم تعد ثمة جدوى من اقتناء كتاب وتخصيص مكان جديد له بين الكتب القديمة التي تملأ الأرفف كشكل من أشكال الديكور التراثي الذي يدل على أننا نمتلك قاعدة من الثقافة! لذا، فحين يصدر كتابٌ من النوع البانوراميّ المقارب للأحداث والشخصيات والعلامات الفارقة والمؤثرة في المجتمع والعالم، يجد صدى وترحيباً في كل مكان، وهذا النوع أو التصنيف من الكتب والمؤلفات الفكرية كان رائجاً في فترة مضت حدَّ الابتذال، ولكنه إذ يأتي الآن بأسلوب عصريّ ولغة أدبية راقية وأفكار خصبة حول الواقع والأثر، وحول ما كان وما سيكون، فلا بد لي أن أحتفي به وإن كنتُ لا أعرف مؤلفه شخصياً.. حديثي هنا حول كتاب صدر مؤخراً عن (مؤسسة الكتب خان للنشر والتوزيع بالقاهرة) عنوانه (حجر طاحون أخضر) للأديب المصري عاطف سليمان، جاء في حدود 164صفحة من القطع المتوسط تتوزع فيها المقالات والنصوص التي تشكل قطعاً أدبية حيناً، وأحياناً قراءات ثقافية للوقائع والأحداث بتعمق فكريّ يتكامل مع اللغة الأدبية العذبة. يتجول بك الكتابُ في عوالم شخصيات ملأت حياتنا المعاصرة إبداعاً وفكراً وفناً، كشعراء ورسامين وموسيقيين ومطربين وأدباء وفلاسفة من مختلف البلدان العربية، وينحو بك كذلك في نواح متعرجة من الأزمات والنكبات والنكسات التي تحيط بنا من كل الجوانب، ولا يزعم المؤلف أنه يجد تفسيراً أو تبريراً لها، ولا أنه يجد لنفسه موقفاً ثابتاً منها، بقدر ما هو يتأمّلها ويقارب بينها وبين ما جرى في أماكن وأزمنة أخرى. يقول عاطف سليمان في مقالة من كتابه موقعة بتاريخ 2003 أي قبل صدور الكتاب بأكثر من عشر سنوات، حول ما يدور بيننا ومن حولنا في هذه اللحظات: (الحروب الأهلية ليست نزوات، والبلاد التي عاشت حروباً أهلية تدمرت بقسوة في معظم الأحوال، وبجلافة ووضاعة في أحوال أخرى.. فحين تتحارب جماعات فإن أفراد أيّ جماعة يعيشون فيما بينهم حالات من التآزر ومن التكافل ومن المحبة والاطمئنان – ويا للتناقض – تعوضهم عن الويلات التي يلاقونها ممن هم ضدهم؛ الشيء الذي يبقيهم – وهذا هو المهم – في الحالة الإنسانية المشبعة بالعاطفة مهما حدث من تماد في وحشية الاصطراع)! هذا الكتاب، حجر طاحون أخضر، وصفته جريدة الدستور الأردنية بأنه (يفتح صندوق الدنيبين يديك)، ويقول عاطف سليمان عن تسمية كتابه، بحسب جريدة اليوم السابع المصرية: (لذكرى حجر طاحون في البيت، صنفره جدي بيديه، وصيّره مائدة كتابة وتدوين ذات محبرة تتبادل الموضع مع وتد الطاحون، وأباحها لمن يريد أو يحتاج في غير الأوقات التي يدور فيها الحجر).. وهو، برأيي، حجرٌ لا يُرمى ولا يُقذف به على أحد، إنما هو يحاول بهدوء أن يطحن بعض المتناقضات الشائكة التي تعترض الأفكار الصلدة الناجمة عن الطبيعة الكونية المتحققة باستمرار، نحو الأساس الذي يقارب المبادئ التي تختلف علينا كلما اختلفنا عليها، ليجعلها ناعمة وسهلة في التدقيق والتأمل؛ وهو بالنهاية أخضر يحاول نشر اخضراره الصغير على المساحات الشاسعة من السواد المحيط به من كل النواحي.

- الرياض ffnff69@hotmail.com