Saturday 08/02/2014 Issue 427 السبت 8 ,ربيع الثاني 1435 العدد

سعد البواردي

استراحة داخل صومعة الفكر

08/02/2014

مطلع الفجر

إبراهيم أمين فوده

 260 صفحة من القطع الكبير

يعني حوله نهار.. يعني انحسار واندهار ظلمة الليل.. يعني ميلاد حياة ودعت السبات.. واستشرفت دنيا الموضوع دون عتمة.. ولأن الفجر بداية ضوء فإن في معناه الواسع الحلم الذي يراود الاحياء.. والسعي الذي يستحثهم بحافز العلم والعمل من أجل عالم أفضل.. له ديناميكية حركة.. وانجاز..

شاعرنا غودة في ديوان شعره رسم لنا بالكلمات صورته قائلاً:

هذه صورتي تعبر عني

بحديث بكاء ينساب مني

في اقاسيم جبهتي ورؤى

القلب وسمي وجهي ونظرة عيني

أترا من ملامح الفكر باد

وبريق يشع عن ذات نفسي

ومعان مشتقة من طباعه وضميره يسير أغوار ما يدور بحسه كلها يتمنى لو أنها عبرت عما يجيش في جنيئة صدره..

يدفعنا شاعرنا بشعره في معترك الحياة الساخن أمام مشهد مأساوي يعاني منه الفلسطينيون على أيد المفسدين في الأرض:

مهلاً فلسطين أنا معشر عرب

فينا المروءة دين والملا حسب

لسنا بغاة ولكن أن بغى أحد

على حمانا رددنا البيغي يضطرب

يستنهض همم أمته.. وقيادات أمته أن تتحرك:

يا قادة العرب هبوا نحو غايتنا

لا يهمنا الغرب بل حياته الرقب

أن المواعيد والآمال مضيعة

أصابنا الوهن جراهن والنصب

أصاب كبد الحقيقة.. جاءت المواعيد على غير ما يرتضي:

كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً

وما مواعيده الا الاباطيل

والنهاية للروعة كما ترى.. رغم أن الحياة كفاح ليس إلا:

موطني هذه الحياة كفاح

وطريق الكفاح وعر المسالك

والذي عاش بالحياة رضيه

هو من راض نفسه في المهالك

وددت لو أن أهل مفردة (ذليلاً) بدلاً من رضي لكان أنسب.. ويكشف لنا سوياً حتى تكون الحياة كفاهاً وراحا ومستراحا:

العليم العليم من تخذ العلم

سراجاً ينير درب المسالك

ومن جمال السريرة إلى جمال الصورة الناعسة الطرف:

نعاسة الطرف هل ازمعت هجرانا

قد طال عهد النوى واشتط امعانا

لكل سؤال علاقة استفهام تؤكده(؟)

في روضة من مجالي الأنس ناضرة

غناء طاب بها في الحب مثوانا

وطائر البان شاء في خمائلها

شعر الطبيعة غنانا فأشجانا

ويمضي في بوه ومناجاته دون أن يستقيم له صبه أكثر من أبيات شعر تنساب انفعامها من بين شفتيه:

والشعر في شفتي تنساب ناعمة

انغامه وتردي النفس أشجانا

لابد لمن أوصدت نافذة الحب في وجهه أن يبحث ولو على مجرد نظرة وهي تعبر الطريق غير آبهة بأحداً لعل وعسى!:

اغضت حياء وألوت من محياها

وأرسلت نظرات العطف عيناها

أنفاسها نفحات الورد واعدة

مر النسيم يندي الجو رياها

قد مر بين يديها من يسارقها

لحظة القلوب واصفاء لنجواها!

صبا يكابد فيها وهي خافية

صبابة هو في الأحشاء اخفاها

وشفت الدار حتى ليس يبلغها

فليت شعري هل يحظى بلقياها

انتهت عند أبيات شعر تائهة وتستريح كي تجند قواها باحثة عن عتب دون كل صبابة..

يا حبيبي ان افشت العين سري

لست أخسى ملامة أو رقابة

انني في هواك مضني أسير

ومعنى اذدى الغرام شبابه

فترفق به كفاء لما فيه

فقد حكمت قواه الصبابة

عاد إلى نفسه وإلى شعره مستعرضاً فروض حبه.. وحدود حبه.. ومتى؟ وأين؟ وأين هي الدوافع:

يا حب ما أنت الا وفي خاطرة

من الجمال تسبي ثم تختطف

ونظرة القلب تغويها بحاجتها

رشاقة الحسن والاسباب واللطف

فتطرق القلب خلوا ثم تسكنه

ما يستهين لها معنى ويرتجف

فتستقيم على وجدان املا

يراود النفس إذ يدنو وينعطف

هكذا اختصره فروضاً وواجبات.. سلبيات وايجابيات.. لأن معركة بين قلبين.. كل واحد منهما يستخدم سلاح نظراته أو خطواته. في عملية وجدانية مزدوجة بين التدخل والتداخل..

اليها يقول ربان الاستراحة انها الظبية النافرة:

يا ظبية جنحت للصد نافرة

مهلاً أغرك أن القلب يهواك؟!

وانني بت من حر الهوى سهوا

كما تقلب ظهر بين أشواك

اشكو شؤون النوى قد جرحت كبدي

ولا مجيب لصوت النائح الشاكي

يبدو أنها مستعصية على حبه وعلى قلبه.. وبعيدة المنال من حلمه.. لم يجد من مفردات لغة هيامه غير مفردة (لو) مجرد أمنية:

ما كان احلاك لو راويت من دلف

يحيا على رمق ما كان احلال

ولو وليت في قاموس التمني لا تعمر بيت:

حشد رحيب من قصائد الغزل لا تكاد تحصى.. كلها وجه. وهيام نصب في مجرى الحب.. نظرة فاراك تسبيحة الفن على كف وجدب (بر الحب) و(عتاب الحب) (كأس بكأس) (عيون الحب) (سهرة حب) (دلال الغواني) و(معك) وبين كل مقطوعة وأخرى طبق حب شهي غير ناضج لا يسد عواء جوع المتيمين نتوقف سوياً عند عزوف:

ناضر الوجه بعينيه حور

يسحر اللب ويستهوي البصر

أملح الغرة وضاء الرؤى

يفعم القب غراما إن نظر

ارسل النظرة تحوي ثرة

بمعاني الحب غصناً فأسر

ثم لما قادني الحب له

واطعت الحب فيما قد أمر

النهاية معروفة.. مجرد سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء:

صد عني وثوى اعطافه

وجفا الصب المعنى وهجر

على هذا الايقاع.. وهذا الرتم من معزوفة شاعرية الوصفية المليئة بالمعاناة المتكررة والمتشابهة يمضي بنا شاعرنا الراحل ابراهيم فودة دون أن يترك لنا مخرجاً نستريح بظله بحثاً عن عناوين متمردة تعرف الحب في أفقه الواسع والانساني بعد أن اتخمنا بالخطاب الوجداني في اطاره الضيق..

في محاولة أن نشهد من خلال مرآة شاعرنا مذاقاً جديداً يتجاوز حدود النظرة الأولى وما بعدها.. علنا نلقي وجه وعلى مائدته ذات المذاق الواحد ما يشبع نهمنا الشعري والشعوري.

لم يطل الانتظار أخذنا جميعاً معه في وقفة شعرية على شاطىء البحر الابيض المتوسط:

يا بحر موجك عارم متدفق

وبشطك الدنيا صراع محدق

يا بحر كم في طي موجك من لقى

تسمو النفوس لفهمه وتحلق

إلى وجدت الناس عندك هوماً

مهجاً تذوب وانفساً تتحركق

يا بحر هل في شاطئيك بقية

لجراح قلب بالضنا يتشقق

اني تلمست الدواء لموجع

وببعض معنى المرء قلبي يخفق

مشهد مختلف.. ومساحة رحبة.. وساحة تغمرها الأمواج.. وتعمرها التساؤلات وعنوانها حب جديد بمذاق جديد.

ومن شط بحره حيث يقف وبلمحة خاطفة وسريعة لمح طائر البان يحلق ويصفق بجناحيه.. فكانت التساؤلات الشاكية:

يا طائر البان ما اشجاك اشجاني

هيجت شجوي واستوفزت أحزاني

يبدو لي أن مفردة استنفرت انسب عن استوفزت:

أن أنت اشجتك من دنيا الهوى سرع

تقسو عليك فشرع الحب اشجاني

فأنت تهوى غصين البان عن شغف

وخصلة الريح تأبى هدأة البال

حظي وحظك من دينا الهوى محن

كأنما محن الأيام تهواني!

الحب هو هو ما برح يطارده ولكن بشكل غير مباشر. البحر والطير بعض وسائطه وأدواته.. ما أكثرها وأيسرها:

هاهو البدر هذه المرة في لقاء مع شاعرنا:

أيها البدر يا منير الدياجي

في عيون الورى بعين السماء

ايها البدر ما أخالك إلا

سيداً والنجوم شعب الضياء

هكذا تخيل مملكة الفضاء من حوله. البدر له زعامة المرئيات من حوله.. انه السيد المطاع ومن حوله النجوم.. الشعب ملتفة تومض في فلكها طاعة وانقياداً..

أيها البدر أنت فينا مشع

لجلال الإله باللآلئ

أيها البدر أنت في أغلب الحين

مزيج تلويني وبلائي

لكن اليوم قد أثرت همومي

وشجوني ولوعتي وعنائي

كثير هذا يا شاعرنا هذا اللوم.. البدر في فضائه يسبح ويدور في فلكه .. وأنت على كرتك الأرضية تتأوه.. وتندب .. القمر رمز أفق سماوي مشع بالنور ومن حوله النجوم السابحة في ضوئه .. وأنت أسير حزنك لا نجوم حولك .. كلها تناشدها دون صدى ولا رد نداء.

دع البدر لحاله فما أحس بشكوى أحد فينا..

على أوتاره يعزف ويغني دون شكوى:

جعلت من نسمات الطل سكاري

ومن غدائر ذات الدل أوتاري

ومن طيور الزماني لحن اغنيتي

إلى القلوب وقلبي كان مزماري

ورحت بالحب عزافاً على وتري

حلو الأغاني من لحني واشعاري

هكذا نريدك جميعاً ولو لبعض الوقت.. الحياة لحظة فرح ولحظة ترح..

رسم لنادينا الحياة بريشته في أبيات ثلاثة ملؤها الصدق.. والعمق..

تأملت في دنيا الحياة فلم أجد

سوى زخرف بال وصاحبه تا

فهان علي العيش فيها ولم تعد

تعمر في قلبي مني وأماني

وما قيمة الأشياء إن لم تكن لها

حقائق تبقى بعدها ومعاني

بهذا الفهم الواعي أختصر لنا الحياة كمرحلة نجتازها.. نملأ فراغها بأجمل الأعمال.. وبأرقى الصفات.. وبأنقى الممارسات.. دونها تظل مواتاً لا روح فيها.. ولا ريح زكية فيها..

شاعرنا وهو المتيم بالجمال فسر لنا سوياً ماذا يعني:

ليس الجمال بحسن الشكل في صور

إن الجمال بحسن الخلق والخلق

فإن يكن خاوياً في ذات جوهره

ما كان الا كثوب ناعم لمحمد

تبين من خلفه أسواء صاحبه

فليس يحجب ما فيه من الخرق

وقد يغطي جمال الخلق منقصة

في الخلق لولاه ما غابت عن الحدث

وعن القناعة التي لا تغني يقول:

لعمرك ما قاد الفتى لذاله

ولا لاحتمال الضيم الا طماعته

فمن تهن الدنيا حطاما ولذة

عليه تسامت للسماوات هامة

مجرد اضافة.. القناعة لا تعني الخمول والكسل.. وانما الجد والعمل.. ولكن في حدود طموح عقلاني لا يكسر مجاديف السعي فيرهق النفس.. أو يزهق النفس.

أخيراً فسر لنا شاعرنا إبراهيم فوده مذهبه في الحب، ذلك الشاغل له ولنا جميعاً في أدبياته الشعرية..

الألي في الحب مفهوم سواء

هو معنى الحب في شرع السماء

لست من يعشق قد أهينا

مثل غرس البان يختال الثناء

انما أعشق اخلاقاً وما

يرفع الإنسان عن أهل السماء

أعشق الطاهر قلباً ودما

ومن الخزي وما يزري براء

انما أصحب من قد صانه

كرم الممتد عن سوء الخفاء

فإذا أخطأ أو زل عنا

وتغاضيت وعفاها الإخاء

ميزة الحب كما نفهم

بين قلبينا عطاء ونماء

نعشق الحق سنا ومني

وتروي النفس من هذا السناء

نحو وجه الحب عن جوهره

فإذا أمتنا فللحب البقاء

هكذا بدأ شاعرنا صوت هيام وغرام لا يتوقف.. وهكذا ودعنا تعريفاً بمذهب حبه الذي بح من أجله صوته.. وجف في سبيله قلمه.. انه الحب الحقيقي الذي يخدش ولا يجرح.

- الرياض ص. ب 231185 - الرمز 11321 ـ فاكس 2053338