Saturday 10/05/2014 Issue 437 السبت 11 ,رجب 1435 العدد
10/05/2014

أين هو موضع المولد بمكة؟

أين هو موضع المولد بمكة؟

مكة (م. ك. ة) هذه حروفها، والتاء فيها مربوطة معجمة.

وأصل مكة من المك، مكه يمكه مكاً.

وهنا (الهاء) فيها مُهملة، ويمكه على هذا الشكل (الياء مفتوحة) والميم مضمومة والكاف كذلك.

فإن أنت واصلت الكلام فالضم محلها وإن أنت سكت على (الهاء) فالسكون لازم لها.

وأصل المك الجذب والشرب بقوة ومك الماء يمكه بقوة مع صوت خفيف، فمكة على هذا إنما هي اسم علم على موضع كريم ومن بركتها وفضلها أنها تمك الذنوب لمن تاب صدقاً عن كل ذنب وندم عليه وعزم على ألا يقارفه مرة أخرى أبداً(1).

إلا الكبائر فإنها ليست كذلك حتى يعيد الحق لصاحبه كالسرقة والغيبة والنميمة والبهيان والكسب الحاصل بحيلة أو دهاء أو قوة(2).

وما عدا ذلك فالتوبة كافية مع شروطها، ومكة تعني كذلك البك ومن أسمائها بكة ومكَّ وبكَّ معناهما واحد وإن جاء اللفظ مختلفاً.

ومكة لها أسماء أخرى لعظم شأنها فمن ذلك:

1- أم القرى.

2- معاد.

3- البيت .. على سبيل العموم.

4- الحرم .. على سبيل العموم.

ولا يحسن هنا الخلط بين المسجد الحرام والبيت الحرام، ولهذا فالله جل وعلا عمم الخطاب فقال سبحانه وتعالى: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} (97) سورة المائدة. وهذا الخطاب فيه خصوص جاء بعده عموم وهما متلازمان فما بين الميلين (حرم).

ولذلك من عظم مكة أن من نوى فقط سيئة ولو لم يفعلها كتبت عليه، كذلك ما لم ينزع ويقلع قال سبحانه: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج.

والإرادة هنا إنما هي القصد والنية، ولهذا عزم النية على الذنب إنما يكون من المعاني لا من الذوات، فناسب هذا ما جاء من قوله تعالى: {نُذِقْهُ}، فهذا من المعاني ذلك أن المذنب يذوق وبال الذنب معنوياً كالهم والقلق والتخوف لا الخوف وسوء المعيشة وكدرها ولو حاز مالاً كثيراً، وفي الآخرة ذلك أشد، وبهذا القول لعله يناسب ذكر أين ولد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ذلك أنني سمعت أخانا د. عبدالوهاب أبو سليمان قد جزم هكذا بتعيين مولده صلى الله عليه وسلم وتعيين المولد (البيت) (أو الدار) لا جرم يحتاج إلى تحرير مكيث جدَّ، مكيث لأسماء ولبعض الصحابة وهم عدول ثقاة لهم في هذا طويل فكيف بي أو بغيري أن نجزم بشيء سبق عدم الجزم به قطعاً (3).

وقد يأتي يوم ما يرى آخر ثم يرى آخر غير ما يراه هذا أو يراه ذلك عن موضع المولد فتكون المسألة هنا بقاطع ظني لا يغني عن الحق شيئاً، وليست مسألة التواتر عن موضع المولد بمسألة يقال إنها: متواترة فهذا جزم يحتاج إلى إجماع المؤرخين وكتاب السير بحال لا يعرف بعضهم بعضاً لكن كيف وقد اختلف الصحابة في هذا؟ وإني لأربى بالدكتور عبدالوهاب أن يجزم قاطعاً بأن هذا الموضع (مكتبة الحرم الآن) هو موضع المولد فضلاً أن يكون هذا متواتراً عند الأقدمين(4).

وإنما التواتر يكون في (المتون) وها هو هامش السيرة لابن هشام م-1 من ص 157 حتى ص 161مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر الطبعة الثانية بتحقيق ثلاثة من كبار العلماء بمصر.

جاء هامش: 158 (ولادته بالشعب التي عند الصفاء).

وورد في رقم (4) من نفس الصفحة ما نصه: (اختلف في مولده) صلى الله عليه وسلم فذكر أنه ولد في ربيع الأول وهو المعروف، وقال الزبير: كان مولده في (رمضان)، وهذا القول موافق لقول من قال: إن أمه - صلى الله عليه وسلم - حملت به في أيام التشريق) إلخ.

وورد هناك : (وكانت ولادته صلى الله عليه وسلم (بالشعب)، وقيل (هكذا) بالدار التي عند: الصفاء.

ويعاد إلى : (الروض الأنف) وإلى: (الطبقات الكبرى) وكذا يعاد إلى : (ابن جرير الطبري).

ولست أظن بعد السبر والاعتبار أن مولده صلى الله عليه وسلم هو الموضع الذي ذهب إليه (أبو سليمان).

لكن لا ضير إذاً بنظره بطول تأمل ومكث وكثرة نظر ومراجعة لئلا يكون هذا مدعاة للاختلاف في كل حين ومن طبيعة الاختلاف نتائج قد تكون ليست بذاك.

لكن الإجماع الكلي بعد التأمل والمدارسة يعطي التحقيق قولاً جيداً لا يسع أحد بعده النظر فيه.

** ** **

الهامش:

(1) سورة الفرقان.

(2) سورة براءة.

(3) لا يجزم بشيء إلا بدليل مادي صحيح لم يقع فيه أو حوله: اختلاف.

(4) وقد صرح أخونا أبو سليمان كما جاء في (جريدة مكة يوم 18-6-1435هـ: أن من خالف وأنكر موضع المولد الآن الذي هو مكتبة الحرم فإنه لا علم عنده إذاً، فالزبير (لا علم عنده) ولستُ أعلم معنى التواتر المكاني ومن أين جاءت هذه الكلمة؟!!

فالتواتر أمر معروف وهو غير ما ذكره أبو سليمان - هداه الله - فالتواتر عند الحفاظ من كبار العلماء عبر القرون الطوال هو أن يروي الأثر سواءً كلاماً أو مكاناً أو تقريراً أو صفة جماعة عن جماعة تحيل العادة توطؤهم على الكذب، كيف وموضع المولد فيه خلاف كبير.

وليس أحسن حسب مقاييس البحث العلمي الجاد من جعل الباب مفتوحاً فيتم إيراد الأقوال حسب: الدليل.. والتعليل وحسب السَّند وأحوال الرواة ثم تتم الموازنة والجمع ودراسة الأدلة جيداً ثم بعد يكون: الاستنتاج فيقال هذا هو الراجح حسب فهمي.

أما القطع فهذه: صعبة جداً.

- الرياض