Saturday 10/05/2014 Issue 437 السبت 11 ,رجب 1435 العدد
10/05/2014

الإجماع الأدبي

(لم يكن من الممكن لنجيب محفوظ الحصول على جائزة نوبل إلا بعد رحيل توفيق الحكيم) عبارة قالها الدكتور مصطفى الفقي –المستشار وسكرتير المعلومات للرئيس المصري السابق حسني مبارك- في معرض حديثه وذكرياته المتنوعة والصريحة، ضمن برنامجه التلفزيوني (سنوات الفرص الضائعة) الذي يبث على حلقات أسبوعية حالياً..

وفي حوار إذاعي نادر -استمعتُ إليه مؤخراً من خلال موقع (يوتيوب)- جمع بين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، ويعتبر اللقاء الإعلامي الوحيد الذي جمع بينهما، قبل وفاة الأول بسنوات قليلة وقبل فوز الثاني بنوبل طبعاً، قال نجيب محفوظ باعتزاز كبير إنه يعتبر نفسه قد تكوّن أدبياً في (أهل الكهف) وخرج إلى الإبداع الروائيّ من عباءة (عودة الروح) لتوفيق الحكيم، وأكّد أن تلك الروايتين هما اللتان جعلتا منه أديباً.. فمن من الأدباء اليوم -بخاصة عندنا- من الممكن أن يصرّح بمثل هذا ويعترف لصالح من ينافسه فعلاً؟!

كان اللقاء يبث من مكتبة نجيب محفوظ، في بيته، وكان حضور توفيق الحكيم حدثاً استثنائياً بالنسبة للمضيف لم يستطع معه التحدث بانطلاق إلا بعد مغادرة الزائر الكبير؛ وحين أحرجت المذيعة نجيب محفوظ بسؤال عن أقرب أعماله إلى نفسه، طالبة منه أن يحددها كما حدد أقرب أعمال توفيق الحكيم إلى نفسه بأنها (أهل الكهف) و (عودة الروح) وأكّدت عليه أن ليس من المعقول أن يحدد أعمال غيره القريبة إلى نفسه ولا يحدد الأقرب إلى نفسه من أعماله هو(!) تلعثم طويلاً، ثم تحدث عن قصص له لن تنشر قبل سنة 1983 وصرّح بأن أكثر الأعمال التي تعب فيها هي رواياته (الثلاثية) و(ملحمة الحرافيش) وكأنه لا يريد أن يتحدث عن أعماله هو بحماسة وإسهاب الأديب المتفاني في أدبه، مع أن البرنامج كان يصادف يوم مولده هو، بقدر ما يريد التحدث عن أعمال توفيق الحكيم بتلك الحماسة والإسهاب. فأيُّ إيثار كان لدى هؤلاء العمالقة ونفتقده اليوم؟!

والسؤال الكبير الذي تبادر إلى مخيلتي وأنا أستمع إلى تلك المقابلة الإذاعية الرامزة لأبعاد ثقافية وأدبية ووطنية كبرى: ما الذي جعل أديباً بحجم توفيق الحكيم في آخر زمانه، وكان يجسّد أعلى قمة أدبية في وطنه مصر على الإطلاق، يأتي إلى منزل أديب من جيل تلامذته ليتكلم عنه ويحتفي مع المحتفين به في مقابلة إذاعية جماهيرية نقلتها وسائل الإعلام كافة في ذلك الوقت؟ الجواب الواضح الذي لا يتطلب حسن النوايا لإقراره: إنه جاء ليدعم الأديب الذي أجمعت البلاد -دولة وشعباً- على الدفع به للقمة، فلا بد للقمم أن تنتخب قمتها متجاوزة كل المنافسات التي تهبط بالجميع في أغلب الأحيان..

نحن اليوم -محلياً- نحسبُ أننا نضيّق على أنفسنا حين نضع بعضنا في الحسبان، ونتلطع دائماً إلى كون العالم كله يقرأ ما نكتب بسبب سهولة الوصول إليه عبر وسائل التقنية الحديثة، ونعرف جيداً أن (العالم) منشغل بأشياء كثيرة ليس من بينها ما نكتبه من أدبٍ شعراً كان أو نثراً.. ومع ذلك نكابر، ونتعالى على بعضنا، وإن سألتَ أحدنا عن رأيه في أديب مجايل له تجده يحكّم العلاقة الشخصية أولاً، ثم المصلحية، وقد لا يصل أبداً إلى تحكيم القيمة الأدبية التي قد يعرفها أو لا يعرفها ولكنه لن يعترف بها في كل الأحوال. لماذا؟ وأين الخلل؟ أقول: المزاج الأدبيّ العام يفرض ذلك برفضه الإجماع على غير ما ذكرت من علاقات شخصية ومصالح انتفاعية. ذلك هو الواقع -كما أراه- للأسف.

ختاماً أقول عن واقعنا الأدبيّ الراهن: بين محلية نحسبها ضيقة وعالمية نعرفها فضفاضة، نظل نراوغ القمة، ونبدد أنفسنا من سفح إلى سفح، ونكرر الأسف.

- بيروت ffnff69@hotmail.com