Saturday 10/05/2014 Issue 437 السبت 11 ,رجب 1435 العدد
10/05/2014

مراكن الغسيل الحزبي في التعليم العام

التعليم ثم التعليم ثم التعليم هو ما يبني الأمم، وعليه تقوم خطط التنمية في المجتمعات المتقدمة لإنتاج العقول البشرية القادرة على البناء. فماذا عن التعليم المؤدلج والمختطف (إلى الآن) لدينا؟ أمامي الآن كتاب الأدب العربي للصف الثالث الثانوي/ الفصل الدراسي الثاني (وهو لجميع الفروع التخصصية: شرعي - إداري - طبيعي - أدبي - علمي - تحفيظ قرآن)، وهي طبعة 1434 - 1435هـ (2013 - 2014م). وفي هذا الكتاب العجب العجاب؛ أولاً، هو ليس كتاباً للأدب العربي؛ بل هو مجموعة قصائد إسلامية، ثم استعراض للأدب (من وجهة نظر التيار الإسلامي). فهل من المعقول أن تكون خمسة من النماذج الستة للأدب السعودي المعاصر إسلامية، ويصبح أدباً سعودياً ممثلاً لحياة السعوديين ونبض مشاعرهم؟

ثانياً، يقول المؤلفون (المعماة أسماؤهم): «هذا وقد خصصنا هذا الكتاب لدراسة الأدب الحديث، بعد أن درست أيها الطالب وأيتها الطالبة في الصفين الأول والثاني الأدب الجاهلي، وأدب عصر صدر الإسلام، وأدب العصر الأموي، وأدب العصر العباسي، وأدب عصر الدول المتتابعة؛ لتكتمل بذلك حلقة دراسة الأدب العربي في شتى العصور، ولعلنا بعملنا هذا قد أسهمنا ولو بالقليل في خدمة لغتنا العربية الخالدة ...» الصحيح أنكم أسهمتم بهذا العمل كثيراً في خدمة تياركم الكامن، الذي يغزو الناشئة، ولا أحد يكترث ... تتوالى لجان تطوير المناهج والمراجعات التحديثية، ولا يتغير شيء. حقوق الطبع المحددة لسنة الإيداع تشير إلى 1419هـ، ورقم الإيداع 1984/19 (مما يعني أنه أودع في غمرة سيطرة الإخوان المسلمين على مناهج التعليم)؛ ومنذ ذلك الحين لا تتغير إلا سنة الطبع على الغلاف لمدة ثلاثين سنة (بين 1984 وسنة 2014م). وفيما يخص ادعائهم أنه خصص للأدب الحديث نجد الكتاب يبدأ بأدب الدعوة الإسلامية، ثم استعراض لذلك الأدب في صدر الإسلام والعصر الأموي والعصر العباسي وعصر الدول المتتابعة (بالرغم من أنهم في المقدمة قالوا بأن الطلاب أخذوها في الصفين الأول والثاني) ثم العصر الحديث، ليوحوا بأن ما يودون إقحامه مستمر في التاريخ الإسلامي. وقرابة ثمانين في المائة من محتويات الكتاب ترتبط بأدب الدعوة الإسلامية، فلماذا لا يكون هو عنوان الكتاب بدلاً من التقية بوضع عنوان: «الأدب العربي»؟ طبعاً بذلك سينكشفون، لأن أغلب مسؤولي التعليم - فيما أظن - لا يطلعون إلا على العناوين، فتبقى أجندتهم مخفية.

ثالثاً، هل ممثلو الأدب العربي من الشعراء المحدثين هم أحمد محرم ومحمود غنيم وإبراهيم فطاني وممثلو النثر الحديث هم محمد بن عبدالوهاب ومصطفى الرافعي؟ سألت متخصصين في الأدب العربي الحديث في جامعة الملك سعود عن أول عشرة أسماء ترد إلى ذهنك في الشعر أو النثر العربي الحديث، فلم يرد منها أي من هذه الأسماء الخمسة ضمن اختيارات المتخصصين؛ فمن أين أتي بأولئك المؤلفين المطموسة أسماؤهم؟ وهل هم متخصصون في الأدب أم في أشياء أخرى؟

رابعاً، في أغلب النصوص والأدباء المدرجة أسماؤهم كان الاختيار قائماً على من لهم جولات في الصراع والمعارك، ومن ضمن العبارات المتسخدمة لرفع مستوى العنف اللفظي في اتخاذ المواقف لدى الناشئة: «وكم تصدى الرافعي بقلمه لمعارك نقدية ... فأردى خصمه قتيلاً» (ص 42). وأهم الصحف في كتاب مطبوع سنة 1435هـ هي: القبلة وأم القرى، وأهم المجلات (أو هي المجلة الوحيدة) هي: المنهل. أما التناقض ومحاولة السيطرة على عقول الدارسين، فتتجلى في النص التالي عن الشاعر أحمد محرم: «من شعراء الاتجاه الإسلامي ... لكنه لم يبع قلمه لاتجاه سياسي أو حزب، بل ظل طليقاً لا سلطان لأحد عليه، لأنه كان ميالاً إلى الاتجاه الإسلامي» (ص 23).

- الرياض