Saturday 13/09/2014 Issue 445 السبت 18 ,ذو القعدة 1435 العدد
13/09/2014

إبراهيم الحسين .. متَّكئًـا في فم الوردة

أشعر بالأسف على أنني لم أعرف شاعرا جميلا ومدهشا ومن أهم شعراء بلدي هو زارع الورد وجانيه وعاصره، الشاعر إبراهيم الحسين إلا في مطلع هذه السنة 2014، وهو قصور لا يخص الشاعر بكل تأكيد، بل هو من جهتي، ومن جهة المؤسسات التي يفترض بها أن تعتني بالأدب والأدباء، وتعرّف أبناء هذا الوطن بشعرائهم الذي يجدون حفاوة وشهرة تتجاوز بمسافات مؤسفة جدا تلك التي يلقونها في بلادهم وبين أهليهم!.

ولكم كان ملفتًا ومبهراً وهو يمطرنا الشاعر السعودي البهيّ إبراهيم الحسين بالورود الملونة بسحر العشق القديم، والعابقةِ بضوع القصيدة الأخّاذ، بلا هوادة، وذلك عبر تواصله الإلكتروني في صفحته على فيسبوك، والتي يعود لها الفضل في تعرفي على «زارع الورد».

حيث يحشدنا الشاعر بالورد ويحاصرنا بفكرته العاطرة المتفتحة المبللة بندى الخلود والحياة، ما استطاع إلى ذلك شعرًا ناصعًا وطازجاً لم يحدث من قبل..

وفي ذلك الفضاء السرمدي، يظل هذا الشاعر الجميل مستغرقا في فلسفة الوردة، ومباهيًا أنه في البدء كانت الوردة، ومن ثمَّ، حيث هو متكئٌ في فمها، فم الوردة، يغنِّي هذا الشاعر البديع، من نافذتها الحمراء، نافذة الوردة، تلك التي تُشغل القلب وتشعله، وتشاغله!.

لا صفة تتسع للجمال وزهو الجمال، في أن يُطلُّ علينا زارع الورد مائلا مثل ورداته إذ تميل على الخاطر فتواسيه وتداعبه وفي أحايين كثيرة : تجعله الحائر في فتنته التي لا ينتبه لها العالم كما تستحق.

ويظل يميل بكلماته المتوردة بكل مشاتل الأرض وحدائقها، حتى كأنه بستاني الوجود، يجني القلوب مع الورود.

وإذ تقتفي كلمته كأنما أنت وجدت الفكرة الأصلية للوردة، من هناك، من أعماق جذرها الأول حتى وجناتها الرطبة النديّة برحمات السماء.

يضوع هذا الشاعر بالورد وألوانه في بستان سريّ للورود، بستان منذور للنشوة، مثل لحظة الحبِّ حين تشعُّ العيون والقلوب، والحواسّ، وتصبح مضيئة، تومض كالقناديل.

كما ذهب الكاتب الصحافي، الأديب: ناصر عراق إلى القول لحبيبته -ذات عشق- : لقد خلق الله الورد ليحتمل العالم رقّتك!.. فمن المناسب أن أضيف إلى رقّة حبيبة «عراق»، قصيدة الشاعر ابراهيم الحسين، والتي هي ذريعته الفاتنة لإيقاظ حاسة العشق فيمن يعبر بصوته المفعم بالورد، ودهشته المتراكمة في الكلام، والصمت. في الخريف والربيع والشتاء والصيف.. في حفلة التأبين والرحيل والميلاد، في زوايا صالة البيت وغرفة النوم ووسط الكتب التي لا تلفت انتباه الضيوف..

وقد اختار ليبشّرنا (الشاعر إبراهيم الحسين) أن يكون زارع الورد الذي ليس في يده سوى لطافة الوردة وجمالها، ولباقتها ورقتها، وفلسفة ألوانها، وصلوات تفتّحها وصباحاتها.

هكذا هو يفعل كل يوم، كل وردة، على طريقته المثلى، يحفّز مهجتك بمشهد الوردة الحمراء تماما مثل ذاكرة العشق، أو الصفراء تماما مثل ابتهاج النهار، أو البيضاء تماما، مثل قلوب الطيبين..

هكذا، يخبرك زارع الورد، كم أنت غافل عن الورد الكثير الذي يحيط بكَ في كل مساحات هذا العالم المضطرب، فيما أنت موغلٌ في العمى اليومي الموازي لاضطراب العالم، والذي لا يمكن إدراكه.

فما أجمله -من زارع للورد، وما أروعه من فيلسوف مستغرق في دهشة الوردة، وكم هو مذهل إذ يذهب بعيداً بعيداً في إلهام الورد، كما لم يحدث من قبل، حيث يقول بصوت ملئه الحب والشعر والحياة، طارقا أبواب كل القلوب الغافلة، بكفين من ماء الوردِ الذي هو ماء القصيدة في هذه المرحلة الساحرة من شعر «ابراهيم الحسين» :

« مرّوا إلى الأغنيةِ هناك

ولكم في الوردِ أذرعٌ وأصابع

ولكم فيهِ أفواهٌ وعيون

ولكم فيهِ ما يكتبُهُ القمرُ على طريقتِه..

ولكم ما يفيضُ من دهشةِ الشجر،

ولكم في الوردِ ما يهوّمُ في حنينِهِ من الفراشات،

ولكم ما يتّسعُ ويمتدُّ من النظرات لكي تمرّوا..

ولكم ما لكم فيه لكي تخضرّوا إن شئتم وتمرّوا،

فمرّوا من الأخضرِ أو البرتقالي،

مرّوا من الأحمرِ أو البنفسجي فهو الشفيفُ والليّن يمدُّ رهافتَهُ أحياناً للذين يودّونَ أن يعبروا إلى وردِهم..

فمرّوا مما أردتم إلى الوردِ،

مرّوا إلى ما يتفتّحُ فيهِ

ويصعدُ إليكم من الكلمات..

مرّوا إلى الأغنيةِ هناك،

خفافاً وعراةً ونَضِرين..

مرّوا، لو مرّةً وأنقذوا حقولَكم؛

أغيثوها..

بما تبقّى لكم في الورد».

وقبل أن أُنهي هذه العجالة المختزلة لشعور انطباعي مُعجب وشغوفٌ بتجربةٍ متفردةٍ، وجدتها تستحق الاحترام، قبل الحديث عن جدارتها بالشمس، وبالإعجابِ والتأمّل..

أشير إلى إصدارات الشاعر إبراهيم الحسين، حيث صدر له منذ بزوغ نجمهِ شاعراً في 1989 - حتى اللحظة، خمس إصدارات شعرية، جاءت فيما يُصطلح على تسميته بقصيدة النثر، هي: «خشب يتمسح بالمارة»، «انزلاق كعوبهم»، «رغوة تباغت ريش الأوراق»، «خرجت من الأرض الضيقة»، وأحدثها صدوراً : «على حافة لوحة في المنعطف الموسيقي».

وأمام تأخري الكبير جدا في معرفة هذا الشاعر الاسثنائي، قلت إن عزائي الوحيد أن مجيئيي وافق هذه المرحلة المدهشةِ في تجربته، والتي استحالت فيها القصيدة إلى عطر لا يمكن الإمساك به، وفي الوقت ذاته، لا يمكن الإفلات من ضوعه المتشبث بكل شيء يعبر من خلاله، فإليهِ السلام، حيثما هو، متكئ في فم الوردة، .. إليهِ محبة تقدير وافرة بقدر ما يهبنا من ضوع الدهشة ليشغلنا عن العمى اليومي الذي لا خلاص منه سوى الوردة/ القصيدة.

- الرياض