Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

مختارات من كتاب مترجم صدر للتو:

«التشيع في سوريا ليس خرافة!» 1-4

تقديم:

صدر من إعداد وترجمة وتحقيق كاتب هذه السطور كتاب «التشيع في سوريا ليس خرافة!» (مدارك للنشر ، دبي ، 139 صفحة) وهو عبارة عن بحث ميداني قام به البروفيسور خالد سنداوي هو باحث وأكاديمي فلسطيني مرموق متخصص في الأدب العربي والدراسات الإسلاميةّ بصورة عامة، أما التخصص الدقيق فهو «أدب الشيعة» والذي يعتبر من التخصصات النادرة في العالم. وهو من مواليد قرية الجـشّ الفلسطينية في منطقة الجليل الأعلى عام 1965. ويعدّ السنداوي حالياً من دارسي الإسلام الشيعي البارزين والنادرين على الصعيدين العربي والعالمي من حيث عقيدة الشيعة وفكرهم وأدبهم. أصدر عشرة كتب آخرها وأهمها «معجم مصطلحات الشيعة»، كما ألف ما يزيد على 60 مقالة علمية في تخصصه نشرها في مجلات علمية محكّمة. وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1999 عن أطروحته: «مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي». وقد كتب البروفيسور السنداوي هذا البحث الذي نترجمه في هذا الكتاب بناء على جولة ميدانية قام بها بنفسه داخل سوريا كما سيلاحظ القراء حيث زار سوريا في أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 أي قبل الحرب الأهلية بسنوات حيث تجول في المحافظات التي دخلها التشيع وتحدث مع أعيانها ورصد أساليب وحكايات التشيع ليكتب هذا البحث النادر والفريد من نوعه من قلب الحدث.

تمهيد

لم يكن في سوريا قط نسبة كبيرة من السكان الشيعة، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هناك زيادة في حالات التحول إلى المذهب الشيعي (أي التشيع) ضمن السكان السوريين السنة، والإسماعيليين والعلويين. وقد أدى القرب الجغرافي لسوريا مع إيران دائماً إلى درجة معينة من النفوذ الإيراني في سوريا، والذي زاد كثيراً مع وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، بعد وفاة والده حافظ. تشجيع الحكومة السورية للنشاط التبشيري الإيراني قد يكون السبب الرئيس للزيادة في التشيع، ولكنه ليس السبب الوحيد؛ فمن العوامل الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار كما سنشرح لاحقا:

(أ) وجود سكان شيعة «أصليين» ومزارات شيعية تاريخية في أنحاء مختلفة من سوريا.

(ب) طبيعة طقوس التعبد الشيعي.

(ج) قوة وسائل الإعلام الشيعية.

(د) الانتصار «المُتوهم» لحزب الله في حرب لبنان عام 2006.

(هـ) التودد الاستراتيجي لبعض السوريين النافذين.

(و) الإغراءات الاقتصادية والتعليمية للفقراء.

(ز) هيمنة الطائفة العلوية السياسية.

ليس من السهل الحصول على إحصاءات دقيقة حول تعداد مختلف الطوائف الدينية في سوريا بسبب حساسية النظام العلوي تجاه المسائل التي من هذا النوع. تقرير الحريات الدينية الدولية لعام 2006، الذي تنشره وزارة الخارجية الأميركية، أشار إلى أن الأقليات الإسلامية العلوية والاسماعيلية والشيعية وغيرها يشكلون 13 في المئة من سكان سوريا، أي حوالى 2.2 مليون شخص من مجموع السكان البالغ عددهم 18 مليون نسمة.

ويشير تقرير آخر بعنوان «الطوائف الدينية والمذاهب والمجموعات العرقية» الذي نشر في عام 2005، من قبل «مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية» في القاهرة، إلى أن الشيعة يشكلون 1 في المئة من سكان سوريا، بينما يشكل العلويون 8-9 في المئة. وتزعم مواقع شيعية على الإنترنت أن الشيعة السوريين يشكلون 2 في المئة من سكان ذلك البلد.

إضافة إلى الشيعة الأصليين، تستضيف سوريا أيضاً جالية من المهاجرين الإيرانيين الشيعة الذين يقيمون بصورة رئيسة في دمشق، فضلاً على عدد كبير من الشيعة العراقيين الذين وصلوا خلال السبعينيات والثمانينيات بسبب السياسات القمعية للنظام العراقي السابق. وزاد عدد السكان من الشيعة العراقيين كذلك في أعقاب غزو العراق عام 2003.

وبشكل عام ليس هناك تمييز اجتماعي ضد الشيعة في سوريا؛ فهم مجموعة مندمجة اجتماعياً ويتزاوجون بسهولة مع الطوائف المسلمة الأخرى. العدد الصغير للشيعة في سوريا قد يفسر - جزئياً - لماذا لم يصنعوا «خصوصية طائفية» مثل التي شهدتها دول أخرى في المنطقة. الشيعة يعيشون في معظم المحافظات السورية، مع وجود أعلى نسبة في طرطوس، وهي المحافظة التي يوجد فيها 44 في المئة من السكان الشيعة في البلاد. وقد وصل بعض الشيعة إلى مناصب رفيعة في سوريا، بينهم مهدي دخل الله، وزير الإعلام الأسبق، وصائب نحاس، وهو رجل أعمال بارز. الأسر الشيعية الأكثر شهرة في البلاد تشمل: آل نظام، آل مرتضى، آل بيضون، وآل روماني.

شيعة سورية لا يتبعون مرجعاً واحداً للتقليد. البعض يتبعون آية الله علي السيستاني في النجف- العراق. وآخرون يتبعون آية الله علي خامنئي، وهو أعلى سلطة دينية في إيران، وآخرون كانوا يتبعون السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.

العامل العلوي

ما الذي يفسر المعاملة التفضيلية نسبياً للشيعة في سوريا؟ لقد كان وضعهم الإيجابي موجوداً حتى قبل مجيء حكومة بشار الأسد، وا لتي اتخذت موقفاً أكثر إيجابية تجاه إيران والتشيع علناً. منذ عام 1963، حكمت سوريا من قبل النظام البعثي الذي تهيمن عليه الطائفة العلوية، والتي لديها صلات مع التشيع. حزب البعث الحاكم كان يدرك دائماً موقفه غير الآمن، لكونه في الجوهر يمثل طائفة صغيرة تنتمي للأقلية العلوية ولذلك حاول الحفاظ على التوازن عبر «ادعاء» الانتماء إلى المذهب الشيعي الإثني عشري المعترف به، ولكن من دون فقدان الهوية العلوية العرقية والثقافية، وكذلك عقائد وممارسات مذهبهم «السرية». ولذلك فقد قام الحزب باتخاذ سياسات تهدف إلى إضفاء الشرعية على العقيدة العلوية، التي أدت دوراً مهماً في صياغة السياسات السورية تجاه الشيعة.

وكانت أحد أهم نتائج الهيمنة السياسية للعلويين هي الأهمية التي توليها سورية لعلاقاتها مع الشيعة في لبنان وإيران. وكانت هذه العلاقات من وقت إلى آخر تتعزز بفضل العلاقات الشخصية مع زعماء لبنان الشيعة. كان هذا ينطبق بشكل خاص على السيد موسى الصدر في بداية السبعينيات. كما قدمت سوريا تنازلات خاصة لقادة المعارضة الإيرانية قبل ثورة الخميني.

وكان القانون في ظل نظام سياسي قائم على الحزب الواحد في سوريا يحظر إنشاء الأحزاب السياسية التي لها أيديولوجية تتعارض مع حزب البعث الحاكم. وأصر النظام الاستبدادي في سوريا على إبقاء الدين بعيداً عن السياسة كما تبين للإخوان المسلمين في 2 فبراير 1982، عندما تمردوا على الحكومة السورية. اعتقلت الحكومة السورية 20,000 سجيناً سياسياً من جماعة الإخوان المسلمين وقتلت منهم 10.000 شخص، ووضعت منهم على القائمة السوداء 600.000 شخص. هذه الإجراءات تساعد على تفسير سبب عدم تأسيس الشيعة أية منظمات سياسية خاصة بهم، ومحافظتهم على مسافة ما بعيداً عن السياسة وتقييد عملهم في المسائل الدينية. تمت المحافظة على الحقوق الدينية الشيعية، وعلى الرغم من الأيديولوجية العلمانية للنظام، إلا أنه يسعى إلى ضمان ولاء المؤسسات الدينية المختلفة في البلاد، وربما للتعويض عن النقص العام للتأييد الشعبي الحقيقي له.

نتائج مسح استطلاعي أوروبي

أجريت دراسة ميدانية رائدة ممولة من الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من عام 2006، ونتج منها بيانات مفيدة عن المشهد الديني السوري. لقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن المحافظات ذات الأغلبية العلوية كانت تضم أعلى نسبة مئوية للمتحولين إلى المذهب الشيعي (أي المتشيعين) مقارنة بالمحافظات الأخرى.

ووفقاً لهذه الدراسة، فإن توزيع المتحولين إلى المذهب الشيعي (المتشيعين) بين «العلويين» في مختلف المحافظات هو على النحو التالي:

- طرطوس 44 في المئة، (44 في المئة من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية هم في طرطوس).

- اللاذقية 26 في المئة، (26 في المئة من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية هم في اللاذقية).

- حمص 14 في المئة، (14 في المئة من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية هم في حمص).

- حماة ودمشق: 16 في المئة.

- المجموع = 100 في المئة.

وأما النسب المئوية للمتحولين إلى المذهب الشيعي بين «السنة» في مختلف المحافظات فهي على النحو التالي:

- حلب 46 في المئة، (46 في المئة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في حلب).

- دمشق 23 في المئة، (23 في المئة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في دمشق).

- حمص 22 في المئة، (22 في المئة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في حمص).

- حماة 5 في المئة، (5 في المئة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في حماة).

- إدلب 4 في المئة. (4 في المئة من «مجموع» المتشيعين من أهل السنة هم في إدلب).

- المجموع = 100 في المئة.

أما نسب المتحولين (المتشيعين) في محافظات دير الزور والرقة والقنيطرة فهي صغيرة جداً لدرجة يمكن اعتبارها صفراً.

أما بين «الإسماعيليين»، فإن نسب المتحولين في مختلف المحافظات على النحو التالي:

- حماة: 51 في المئة، (51 في المئة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في حماة).

- طرطوس: 43 في المئة، (43 في المئة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في طرطوس).

- حلب: 3 في المئة، (3 في المئة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في حلب).

- دمشق: 2 في المئة، (2 في المئة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في دمشق).

- إدلب: 1 في المئة. (1 في المئة من «مجموع» المتشيعين الإسماعيليين هم في إدلب).

- المجموع = 100 في المئة.

وبالإجمال فإن معدل التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي منخفض ، وربما لا تكون هذه النسبة القليلة مستغربة، فنحو 7 في المئة من المسلمين السنة الذين تحولوا في منطقة دمشق ينتمون إلى أسر سورية كانت في الأصل شيعية ولكنهم أصبحوا سنة مع مرور الزمن، مثل عائلات: آل عطار، آل قصاب، آل حسن، آل لحام، آل بختيار، آل اختيار. وفي حلب، 88 في المئة من السنة المتشيعين كانوا من مثل هذه العا ئلات ذات الأصل الشيعي.

...................................................يتبع

ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com