Saturday 14/06/2014 Issue 442 السبت 16 ,شعبان 1435 العدد

محمد عبدالرزاق القشعمي

الفن الروائي وبداياته في المملكة .. وحِدة النقد (3)

14/06/2014

التوأمان ومرهم التناسي للأنصاري وفكرة السباعي نموذجاً

هذا وقد قسَم – حسن الحازمي - فترة تطور الرواية إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى : وتبدأ بصدور رواية (التوأمان) عام 1349هـ وتنتهي مع نهاية 1377هـ وهي تمثل مرحلة الرواية التاريخية.

المرحلة الثانية : وتبدأ بصدور رواية (ثمن التضحية) عام 1378هـ التي تمثل البداية الفنية للرواية السعودية وتنتهي بنهاية عام 1399هـ.

المرحلة الثالثة : تبدأ مع مطلع عام 1400هـ والتي لم تتميز عن المرحلة الثانية إلا بغزارة الإنتاج وظهور الأسماء الجديدة.

وقال سحمي الهاجري: « وتأخر ظهور أول كتاب قصصي إلى عام 1349هـ 1930م حينما نشر عبدالقدوس الأنصاري روايته (التوأمان) التي تعتبر المحاولة الأولى في ميدان الفن القصصي الحديث، وكانت المحاولة الثانية في مجال الرواية بعنوان: (الانتقام الطبعي) لمحمد نور عبدالله الجوهري «.

ويذكر أن الرواية قد سبقت القصة القصيرة التي لم تظهر إلا بعد صدور صحيفة (صوت الحجاز) التي أفسحت صفحاتها للأقلام الشابة، ونشرت المقالة بأسلوب قصصي، ونشرت عشر قصص قصيرة، أولها قصة (الابن العاق) لعزيز ضياء بتاريخ 4/5/1351هـ أما بعد صدور مجلة (المنهل) نهاية عام 1355هـ 1936م فقد ازداد نشر القصص، إذ لا يخلو عدد منها من قصة أو أكثر.

النقد

1-العواد ونقده القاسي للأنصاري:

بعد صدور رواية (التوأمان) للأنصاري، وإفساح جريدة (صوت الحجاز) لهذا الجنس الأدبي الجديد؛ فقد نشر بها قصة قصيرة بعنوان: (مرهم التناسي) والتي تصدى لها محمد حسن عواد بالنقد الشديد والذي نصح من خلاله الشيخ الأنصاري بالانصراف لبحوثه اللغوية وترك الرواية فروحه الأدبية ليست روح روائي ولا كاتب فنان، فنجده يمهد لنقده لها بقوله: «.. وأُذكِّر القراء بما كنت كتبته ماضياً عن عبدالقدوس هذا من عاطر الثناء بمناسبة أبحاثه وملاحظاته اللغوية التي نشرها في أعداد هذه الجريدة. أما الآن فأقف معه موقف الناقد الفني الصريح بمناسبة نشره هذه الرواية – كما سماها – فإن الفن غير العلم أيها الكاتب المحترم، وإنه لا فن البتة في هذه القصة التي نشرتها على الأسماع والأبصار، ولا روح فيها ولا ذوق ولا خيال، وسيأتيك البيان المفصل. واعلم قبل كل شيء أنه لا ضير عليك ألا يَعُدّكْ الأدباء الفنيون أديباً فنياً أو روائياً أو قاصاً على الأخص، فليس ذلك من شأنك، وأن لك لشأناً في الأدب غير هذا، فإذا عدوته إلى سواه فأنت جد مسف.

الرواية يجب أن تقوم على موضوع اجتماعي قوي أو على مذهب فلسفي جدير بالتنويه، أو على الدعوى إلى خلق أو عقيدة تحدث ملء الفراغ ودوياً في قيعان النفس، وأن تُعطي درساً جيداً له من الفكر والواقع عماد مدعم، أما أن تُكتب قصة هي أشد الكلام شبهاً بحكايات (جحا) أو نوادر عجائز البيوت في الضعف والفتور تقصد بها الموعظة القصيرة، وتُرمى على علاتها يتخللها الجفاف والضعف فذلك شيء يرفضه الفن والأدب «.

إلى أن قال: «ولقد ذكرنا الشيخ عبدالقدوس هذا بروايته (التوأمان) التي نشرها على حِدة فلم تصادف رواجاً في الطبقات الأدبية الممتازة، وعند الشباب المثقف، لأنها خالية من كل مقومات الفن الروائي الجيد الذي يجتذب النفوس ويُلقِّح العُقول، على ما فيها من ثقل الوطأة وضعف الفكر وتفاهة الموضوع وفقدان الاستقصاء وبتر الفكرة وحشو اللفظ ورداءة المعنى، وكان في عزمنا أن ننقدها حين ظهورها، ولكنا تركناها تموت بنفسها وبفعل الحياة القوية التي لا تقبل إلا القوي وهكذا كان. فما راعنا من كاتبها إلا وهو يرزأ الأدب مرة ثانية بقصة ناضبة يحدثنا فيها عن (حقيبة) تكتظ بالحزن والهموم علقها صاحبها في نياط قلبه، ودار بها في الأسواق كأنما هي حقيبة حلاق أو جرة بائع عرق سوس، أو بردعة بعير ينوء بها حملاً ثم (مرهم التناسي) المستخرج من (صيدلية الآمال) فيا لهذه الغثاثة والإسفاف في التعبير إلى حيث تنصفع الآداب العالية، وتهان كرامة الفن القويم..»

وبعد أن نصح الشيخ الأنصاري بالابتعاد عن هذا الفن، والعودة إلى بحوثه اللغوية ليُقدر جهده، فقد اختتم موضوعه بتعداد مناحي العجز في هذه الاقصوصة – كما يقول – وذكر عشرة مآخذ عليها منها: انعدام الجو الفني، وقصر النظر، وبعدها عن حقائق علم النفس، وانتقالها المفاجئ من رجل محزون إلى رجل ممراح دون تمهيد، وخلوها من الخيال، والبلى والبرود والتفاهة في موضوعها، وسوء الأسلوب وضعفه وركاكته، وفقدان الانسجام.. إلخ

وبعد أن انتقده البعض على قسوته وتجنيه على الشيخ الانصاري، عاد ليرد عليهم بـ (صوت الحجاز) تحت عنوان: (الرد على زوبعة مضحكة) قال فيها: « لقد طال سكوتنا على هذه الفئة من المبتدئين في مزاولة الأدب، فظنت أننا نسكت عنها عن رضى لما تنتجه أقلامها الضعيفة، وبلغ الغرور في الادعاء عند بعض أفرادها إلى حد الظن بنا أننا إنما نس كت عنها خشية من تلك الأقلام التي لا تعرف غير الأدب السقيم وعرفاناً بها، وطال بهم الظن في المسألة حتى تناولنا بالنقد قصتين لفقهما أحدهم من نزلاء المدينة طُبعت إحداهما ككتاب بعنوان (التوأمان) ونشرت الأخرى في أحد أعداد هذه الجريدة بعنوان (مرهم التناسي) فصوبنا معول الهدم إلى هذه فدكت أركانها ومسسنا بمبضع الجراحة هاتيك واعدين بمعاودة الكشف عن سخافة موضوعها وضعف أسلوبها وخطأ تفكيرها وفساد فنها في فرصة تسنح لنا فكلتا القصتين إنما يمثل أدب الصبيان، فقاموا وقعدوا وصرخوا وفرحوا في مستقر نفوسهم، إذ وهموا أنه لو لم تكن القصتان ذواتي شأن في علم الأدب لما تقدمنا إلى نقدهما.. « وقال: «.. وهمسة نتطوع بها في آذان النشء الكريم من إخواننا شباب المدينة المنورة النابت، وهي ألا ينخدعوا في وطنيتهم الحجازية العربية التي يجب ألا ترضى لنفسها التدهور إلى مجار تجري فيها مثل هذه المنتوجات العميقة من الأدب، التي انما صلتها بتمبكتو ألصق منها بهذا الدم العربي الحر... « واختتم مقاله بقوله: «.. وها نحن أولاء نعيد الوعد بأننا لا نزال عازمين على نقد قصة التوأمين وغيرها، ونقد كل ما يستجد بعدها من ألفاق تنشر باسم الأدب، رغم ما رمى به الدهر تلك القصة من الانزواء والموت، تقريعاً للسخفاء الذين أودى بهم الوهم أنها شيء له معنى في عالم الأدب الصحيح، وأن النقد الصارم لبالمرصاد لا سيما لمن يخيفه النقد «.

ويعلق منصور الحازمي بقوله: مرهم التناسي – هي قصة رجل دائم الحزن ينصحه صديقه بأن يستعمل (مرهم التناسي) كي يستطيع أن ينسى وأن يبتسم. وما أن نشرها الأنصاري إلا وتصدى لها العواد في العدد (81) من صوت الحجاز عام 1352هـ/1933م قائلاً: «.. إن الأنصاري قد أقحم نفسه في فن لا يحسنه، وكان الأولى به ألا يتجاوز اختصاصه وهو اللغة والنحو.. ويمضي العواد في نقده اللاذع للأنصاري موضحاً له أصول الفن القصصي ومبيناً عيوب قصته الحالية (مرهم التناسي) ويقول العواد أن هذه القصة تحمل نفس العيوب التي وجدها في قصته الأولى (التوأمان) والتي كان قد نشرها قبل حوالي عامين..».

أما الأنصاري فيرد على العواد بمقالة عنيفة بعنوان: (تأملة جوفاء ونقد متهافت) وجعل نقده للعواد في ست نقاط هي:

1- مهزلة ادعائه أنه ناقد فني.

2- مهزلته إزاء رواية (التوأمان).

3- مهزلة في بردعة بعير.

4- مهزلة في التعداد.

5- مهزلة المهازل.

6- كلمة الختام.

- الرياض