Saturday 14/06/2014 Issue 442 السبت 16 ,شعبان 1435 العدد

علاء الأسواني : بروفايل غير تبجيلي (2-4)

الناقد الهندي بانكاج ميشرا يسلخ الأسواني بقسوة في «نيويورك تايمز»

نواصل ترجمتنا لبروفايل الناقد الهندي بانكاج ميشرا عن الروائي العالمي د. علاء الأسواني:

حديث معقد

تطرق للجدل حول سلمان رشدي والرسوم الكاريكاتورية الدنماركية عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، موضحاً لماذا يتصادم في كثير من الأحيان نطاق الفن والأدب من جهة مع نطاق الدين من جهة أخرى، بينما يُنظر لهما كنطاقين منفصلين في الغرب. لقد كان حديثه وجدله «معقدًا»، حيث لم أستطع فهم سوى بعضه من الترجمة الفورية من المترجم الموجود معي. ولكن الشابين الملتحيين استغرقا بجدية في كتابة الملاحظات، وكانا أول من رفعا أيديهما للتعليق بعد جلوس الأسواني المجهد من الحديث الحماسي على كرسيه مفسحاً المجال للأسئلة، وكان السؤال الأول عن رشدي: «لماذا حصلت رواية سلمان رشدي آيات شيطانية...» ثم صمت السائل قليلا وأكمل: «... التي أساءت إلى الإسلام على الكثير من الأهمية في الغرب؟»

وفي تلك اللحظة بالضبط رن موبايل الأسواني. نظر إلى شاشة الموبايل بسرعة ثم استأذن ليخرج من الغرفة. الحضور المتشوقون للإجابة استرخوا على الكراسي لوهلة أثناء غيابه وسحبوا موبايلاتهم وانهمكوا في عمل مكالمات. عاد الأسواني إلى كرسيه، وحبات من العرق متراكمة على جبهته، وهو يحاول أن يهم بالإجابة ويتأرجح إلى الأمام والخلف مرة أخرى ويحرك يديه قائلاً: «سلمان رشدي...» ثم تمهل لوهلة وأضاف: «... كاتب جيد» وصمت قليلا وأكمل «أنا لم أقرأ آيات شيطانية، ولكن مهما كان محتواها، فإنه لا يبرر فتوى الخميني ضده، لأن الإسلام لا يعطي أحداً الحق في القتل». ثم واصل مشددًا على أهمية الرحمة في الإسلام من خلال سرد قصة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، حيث قفز ذات يوم حفيده على ظهره عندما كان في الصلاة. وأشار بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان عطوفا ورحيما على الضعفاء، حيث مدد صلاته حتى لا يزعج حفيده. وفي الواقع، فإنه غالباً ما يقطع خطبته إذا سمع بكاء طفل، كما منع قطع الأشجار في الحرب. ثم تساءل الأسواني «كيف يمكن لأي شخص...» وصمت لوهلة ثم أضاف «استخدام اسم النبي نفسه ليقتل؟ يمكنكم بوضوح أن تلاحظوا أن هذا تفسير متعسف جداً للإسلام».

الشابان الملتحيان كتبا كلامه بسرعة في دفاترهما. الأسواني كان للتو يسخن نفسه، ليبدأ الحديث الجدي. واصل الأسواني قائلاً: «الإسلام في مصر والمناطق الحضرية الأخرى، مثل بغداد ودمشق اتسم بالتسامح والتعددية. ولكن المأساة بالنسبة لمصر هو أنها الآن تتعامل مع نسخ جاهلة وغير متسامحة للإسلام قادمة من أماكن أخرى. كل الانتصارات التي تلت ثورتي 1919 و1952 خسرناها، خاصة معركة حقوق وتحرير المرأة».

الإسلام هو الحل: شعار خطير جداً

ثم قال الأسواني، وهو ينظر مباشرة في عيون الشابين الملتحيين: الإخوان المسلمون يقولون: «الإسلام هو الحل» حتى إذا اختلفت معهم يقولون لك : أنت تعارض الإسلام. إنه أمر خطير للغاية، خطير جداً. وكرر بصوت مرتفع: «في السياسة، هناك حلول سياسية للمشاكل، فما معنى قولهم: «الإسلام هو الحل»؟

بحلول نهاية خطبة الأسواني، كانت حركات الأسواني غاضبة ومنفعلة. لاحقاً، أحاط به معجبوه في الممر، ليوقع على كتبه ويتقبل كتب مهداة له لم يطلبها. بدا أكثر هدوءًا، ولكن بعض حماسه المتقد والحاد خلال الدقائق السابقة عاد عندما لمحني. وعندما تفرق الجمهور قال لي: هل رأيت أولئك الشباب المشوشين؟ هذه هي المشكلة الكبرى في مصر اليوم. هناك الدكتاتورية، ومن ثم لدينا جماعة الإخوان المسلمين. تفكير الشعب منحصر في هذين الخيارين. الشباب في وقتي لم يكونوا مشوشين. نحن اليساريون كنا نعرف أين نقف. هؤلاء الشباب لا يفقهون شيئًا، ولهذا أجدني مضطراً لشرح كل شيء لهم».

دور الشارح والمفسر يتقمصه بسهولة علاء الأسواني، فهو شخص اجتماعي واسع الاطلاع وما يزال في بداية الخمسين. استضاف الأسواني هذا الصالون لأكثر من 10 سنوات، وهو مفتوح بشكل ديمقراطي للجميع. يقول الأسواني: «يجب علي أن أتواصل مع الناس العاديين» ويضيف: «أحد مساوئ الشهرة هو فقدان التواصل مع الناس العاديين، وهذا أمر غير صحي». يكتب الأسواني منذ عام 1993 عموداً شهرياً عن القضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة في جريدة «العربي» الناصرية الأسبوعية، وهو أيضا عضو في حركة «كفاية»، وهي حركة معارضة أعضاؤها من أحزاب سياسية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات غير حكومية أخرى، تنظم دائما مظاهرات واحتجاجات في شوارع القاهرة ضد نظام مبارك.

الكاتب لا يمكن أن يكون محايداً

بعد سنوات من الركود السياسي والفكري، بزغت حركة معارضة جديدة من الطبقة المتوسطة في القاهرة كرد فعل على قمع الدولة المتزايد. الأسواني هو العضو الأكثر شهرة في المجتمع المدني الصغير والنشط في القاهرة، والذي يشمل إسلاميين معتدلين، وكذلك مدونين شباباً وتكنوقراط والعديد من مستخدمي «الفيس بوك» و«يوتيوب» والرسائل النصية، لنشر أخبار انتهاكات حقوق الإنسان وكذلك تنظيم الحملات السياسية.

قال لي الأسواني: «الكاتب لا يمكن أن يكون محايداً»، وأضاف: «ويجب أن يكون دائما أكثر من كاتب..» ثم أضاف: «لأنه مواطن يحمل مسؤولية نحو المجتمع الذي يعيش فيه». ويؤكد الأسواني أنه يعتقد أن مسؤوليته الشخصية ليست في المستوى الذي يتطلبه 80 مليون فقير مصري يواجهون بطالة قاسية وتضخماً كبيراً وما يتطلبه تآمر السياسيين مع رجال الأعمال لبيع القطاع العام وأراضي الشعب. قال لي: «نحن نعيش في أسوأ مرحلة من مراحل تاريخنا» وأضاف: «التفاوت بين الطبقات وعدم المساواة لم يكن مطلقا بمثل هذا الوضع المخيف حاليا، والحكومة المصرية فشلت في كل المجالات: الصحة والتعليم والديمقراطية وكل شيء».

الأسوانى: الشهرة العالمية تحميني

الصحافيون المصريون، الأكثر اعتدالاً من آراء الأسواني، تسببوا في تشجيع نظام مبارك على القمع. في سبتمبر الماضي، أدين ثلاثة صحفيين لنشر أنباء «كاذبة» حول الحكومة، وحكم عليهم بالسجن لمدة سنة بعد أن كتبوا مقالات تنتقد الرئيس مبارك وابنه وخليفته المفترض جمال. الأسواني يعترف بسهولة أنه محمي بواسطة الشهرة العالمية التي اكتسبها بعد النجاح الباهر الذي حققته روايته «عمارة يعقوبيان» التي صدرت في عام 2002.

لا توجد أرقام مبيعات موثوق بها في عالم النشر العربي، حيث تعتبر كمية النسخ المطبوعة سرية والكُتاب نادراً ما يتلقون عوائد من الناشرين. همفري ديفيز مترجم رواية الأسواني، والذي يعيش في القاهرة، يقول إن «عمارة يعقوبيان» باعت مئات الآلاف من النسخ - وهو رقم خارق في بلد تبلغ نسبة الأمية فيه 50%. كما نشرت «عمارة يعقوبيان» في أكثر من اثنتي عشرة لغة أجنبية وحتى أنه بحسب الأسواني نشرت ترجمة مقرصنة بالعبرية في إسرائيل، وهي دولة مقاطعة رسمياً من قبل اتحاد الكتاب العرب. وتم اقتباسها في فيلم عرض في عام 2006 وحقق نجاحاً باهراً وشارك فيه أشهر ممثلي السينما العربية. رواية الأسواني الثانية «شيكاغو» باعت أيضاً بصورة رائعة، رغم نشرها مسلسلة في جريدة الدستور.

هوس الأسواني لفهم وشرح التعفن المادي والمعنوي لمصر المعاصرة هو ما دفعه لكتابة «عمارة يعقوبيان»، والتي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية في عام 2006.

عمارة يعقوبيان:

أسلوب خطابي فظ ومباشر!

قلة من الروائيين العرب الذين نشرت ترجمات لرواياتهم في الخارج، يمكنهم تجنب المقارنات مع نجيب محفوظ، ورواية «عمارة يعقوبيان» تعيد إلى الأذهان ليس لدرجة واضحة مدينة ما قبل 1952 كما في «ثلاثية القاهرة» الشهيرة لمحفوظ، بل هي أقرب لبورتريه عبقري الرواية لـ «مصر عبد الناصر» في رواية «ميرامار» التي تدور أحداثها في بنسيون متنوع النزلاء في الإسكندرية. لكن الأسواني لا يملك شيئاً مطلقاً من مهارة أسلوب محفوظ المخاتل بحذر؛ فرواية «عمارة يعقوبيان» مكتوبة بأسلوب خطابي فظ ومباشر لتصور مجتمع لا يوجد فيه توزيع عادل للدخل وتسوده وحشية تشوه جميع العلاقات الإنسانية. واحدة من أهم شخصيات الرواية هي امرأة شابة تضطر لتحمل الكثير من التحرش الجنسي في العمل من أجل الحفاظ على وظيفتها وإطعام أسرتها. ابن بواب المبنى الذي يعاني نفسياً من وضع أسرته المتدني يتحول إلى الإسلام الراديكالي بعد تعرضه للتعذيب من قبل الشرطة. وفي الوقت نفسه، يقوم صحفي مصري شاذ ومرموق في صحيفة محلية ناطقة بالفرنسية بإغواء جنسي لجندي متزوج وفقير، ليقوم في النهاية بقتل الصحفي الذي جعله ينحرف جنسيا في واحد من أكثر مشاهد الرواية رعبا.

الأسواني يزدري بعنف فساد ونفاق الأقوياء، مثل السياسي/ رجل الأعمال المتظاهر بالورع، رغم كونه يتاجر في المخدرات، والذي يقرأ سورة «الفاتحة» قبل إبرام الصفقات الفاسدة، والذي يخطف زوجته الثانية ويخدرها من أجل إجهاض طفلهما. ويتسيد المشهد الكلي من يسميه الأسواني «بالرجل الكبير» أو الديكتاتور الخفي، وهنا يخضع الأسواني للرقابة المصرية لمرة وحيدة - وللرمزية - من حيث يمثل «الرجل الكبير» بصوت بلا جسد يتردد صداه في قصر كبير بشكل مهول.

عمارة يعقوبيان:

اختلاف بين الرواية والفيلم

ومن اللافت للنظر بشكل استثنائي، عدم وجود دور «الرجل الكبير» في سيناريو الفيلم الذي كان نصه بخلاف هذه الجزئية وفيا للرواية. وعندما قابلت الأسواني في لندن في الخريف الماضي، قال لي إنه لم يدع لحضور العرض الأول للفيلم في القاهرة. وعندما تكلم معي ذات ليلة بحرية في وقت متأخر ليلا، أكد لي أن الإشاعة والنميمة المتداولة في صالونات القاهرة تؤكد بأن الذين شاركوا في إنتاج الفيلم كانوا مقربين من جمال مبارك الذي يجري إعداده ليرث السلطة. واشتبه الأسواني بأن السلطات دعمت الفيلم الذي يعتبر أغلى فيلم مصري في التاريخ، لأنهم رأوا تصويره الصارم والشجاع للفساد على أنه شيء يمكن أن يمهد للجمهور ظهور «الرجل الكبير» المقبل - الذي سوف يكتسح كل شيء بما في ذلك الحرس القديم الفاسد. قال لي الأسواني: «لا أعرف إذا كان هذا صحيحا» ثم أضاف بتمهل: «ولكن على أية حال، لقد ابتعدت شخصيا عن إنتاج الفيلم بمسافة كافية».

كنا نقف خارج مطعم أرستقراطي فاخر في حي سوهو اللندني، الأسواني يدخن بشراهة سيجارة وراء أخرى بدون توقف. يتحدث بطلاقة الإنجليزية والفرنسية وتعلم الإسبانية مؤخرا من أجل التفاهم مع كتاب أميركا اللاتينية.

** ** **

نواصل الأسبوع المقبل بحول الله

ترجمة وتقديم: د. حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com