Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد

أبيض غامق

صُحْبَة

(1)

الإنسان الموضة: لأن أكثر الجميع يبحث عن كينونة ذاتية مفقودة، فهو يبحث معهم. ولأن أكثر الجميع يدّعي وصلاً بكل شيء، ويحب القهوة الفيروزية، والقرمزية، والبنفسجية فهو يحبها معهم ويدّعي! لأن الجميع يقرأ ويكتب ويتفلسف مباهاة، وتزجية للوقت (الذي لا أدري من أين يحصلون عليه) فهو الذي يقرأ ويكتب معهم ويتفلسف ويعبث. ولأن الجميع يتشاتمون فهو يَشْتم معهم ويُشْتَم وحده! كان يجب عليه ألاّ يكون إنسان موضة، بل إنسان طراز يخصه وحده ويتفرد به وإن كان حماقة بيِّنة!!

(2)

«بدأتُ أفكر ككل الناس في أمور لا تعنيني « نيتشه

هل فعلاً نصل إلى نقطة كهذه في ضعف ما أو قوة ما؟! متى يمكنني أن أفكر في أمور لا تعنيني ككل الناس؟! وإن! لِمَ يفكر الناس هكذا في أمور لا تعنيهم؟! ولِمَ»(كل) عند نيتشه؟! أم أن هؤلاء الناس يعتقدون بيقين أن هذا يجب أن يكون من شأنهم؟! ومن حسن الحظ أن نيتشه لم يعرف أننا نستخدم إلى هذه النبضة عبارة للحض على الحياة أو فعل مليح وترك قبيح ومحاولة الكمالية حينما نقول: «مثل الناس» !!

صرف كل هذه الطاقة في الآخرين وعليهم من أجل أشياء لا تعنينا، يكلف خسائر روحية طائلة! الوقت الذي نعوم فيه لم يوجد لكل هذا العبث والتفكير كالناس.

(3)

(Sketch) أو المُسَوَّدة الأولى، أو التخطيط الأولي. حسناً، هل ثمة مسودة تخص فرحنا؟! أو الحياة التي نحب؟! هل يجب أن نرسم هذا التخطيط دون أن تتسلل إليه رتابة متطفلة أو ممحاة بجدوى فضول، أو أن يكون القَدر قد قال مسبقاً: «لا»؟! هل يمكن أن أرسم شيئاً صغيراً كهذا ولا تتطفل عليه نَظَّارات الآخرين قبل أعيونهم، ثم أحتفظ به في دعاء صادق؟! أستطيع بثقة باسقة أن أقول ( نعم )! فقد آمنت بالقَدر عميقاً، ولم أؤمن بالبشر أبداً. ولأن صناعة الأشياء التي تخصنا إما بالقَدر وإما بالدعاء الذي سيغير شكل هذا القَدر بعد إعداد هذا الـ(Sketch)!

(4)

تلزمنا صحبة مع غير هذا العالم بالفعل، كما قال أدونيس مرة: « تلزمكَ صُحْبة مع غير هذا العالم «بدون أي شكل لقائمة مهام طويلة.. مع الرمال النحاسية هذه الأيام.. مع عُشبة برية طارئة تفي للصحراء بوعد المطر.. مع طفل في الثانية بِعَدّ أسنانه الجديدة ومشاركته دهشة الفرح بها.. مع المطبخ بشراء أكواب شاي جديدة وأطقم صحون صينية (سادة) لا تحمل توقيع رسام إيطالي.. مع انغماس في كتاب لا يذكرنا بالعالم. ككتاب يعلمنا «فن وضع طلاء الأظافر» أو آخر ما استجدّ من غير الضروريات .. مع الطير حين لا يهاجر وحده.. مع حلزونة تتدحرج لسعيها في فيلم وثائقي.. مع قبعة لندنية لا تخصني.. مع..مع..مع مصحف صغير عَطِر في يدي .. وآخر في أذني!

- نورة المطلق - الرياض