Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد

ذكريات ومواقف مع الأديب الكبير الشيخ عبدالله بن خميس

–1–

تعود معرفتي بالأديب الكبير الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- إلى الفترة المبكرة من حياتي، إذ حضرت له بعض المحاضرات التي كان يلقيها في الأندية الرياضية عندما كانت الأندية كالهلال والنصر والوحدة تعنى بالثقافة والأدب وتدعو كبار الأدباء والمثقفين لإلقاء المحاضرات.

ثم تابعت ما كان ينشره من افتتاحيات في جريدة (الجزيرة) التي جمعها في كتابه «فواتح الجزيرة « وما كان يقدمه في إذاعة الرياض وبخاصة برنامجه الشهير «من القائل؟»، ثم قرأت مجموعة من كتبه وبخاصة كتابه «المجاز بين اليمامة والحجاز».

وأذكر مواقف مباشرة بيني وبين الشيخ ابن خميس.

–2–

في عام (1402هـ) ظناً لا يقيناً نظمت كلية اللغة العربية بالرياض ندوة عن (الشعر الشعبي والفصيح) ودعت للاشتراك فيها الشيخ عبدالله بن خميس والدكتور أحمد الضبيب والدكتور محمد بن سعد بن حسين وطلب مني إدارة الندوة، ساد الجو شيء من عدم الرضا عن ابن خميس؛ لأنه يتبنى الشعر العامي يجمعه ويؤلف عنه كتاباً ضخماً (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) الصادر عام 1378هـ كان عليّ أن أدير الندوة بشيء من الحكمة والهدوء.

لم يكن ابن خميس غريباً على (المعاهد والكليات) حسب الاسم القديم لجامعة الإمام، فقد تولى إدارة المعهد العلمي في الأحساء (1375هـ) في بداية حياته العلمية، بل أهم من ذلك أنه كان مديراً للكليتين (الشريعة واللغة)عام 1377هـ.

وجاء شيخنا ابن خميس إلى الندوة بصوته المجلجل وأسلوبه المميز في إلقاء الشعر وأبان عن سبب اهتمامه بالشعر الشعبي كما يسميه والعامي كما أراه، وذكر من تلك الأسباب أنه يكاد أن يكون المصدر الوحيد لمعرفة تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها وأحوال مجتمعاتها خلال عدة قرون عندما طغت العامية وانحسرت الفصحى.

ودافع عن موقفه بشجاعة وأوضح أنه لا يدعو إلى الشعر العامي في عصر العلم والفصاحة، لكنه يدعو إلى المحافظة عليه بوصفه مصدراً مهماً لمعرفة كثير من أمور جزيرة العرب وأحوالها.

خرج ابن خميس من تلك الندوة منتصراً أو لنقل قادراً على إيضاح موقفه، وخرج المتحفزون للهجوم عليه بأسئلتهم في الندوة وقد تغيّر موقفهم وخرجت من إدارة الندوة بغير الوجه الذي دخلت به.

خلاصة رأي ابن خميس في هذا الموضوع نجده في قوله: الشعر الذي ينشر حالياً على صفحات الجرائد أو نستمع إليه من أي مكان لا يسر ولا يبشر بمستقبل ولا يرتبط مع الشعر الشعبي برابطة قوية أو متينة تجعلنا نعتز به ونعتبره شعراً سليماً..

ويقول أيضاً: أنا لا أطالب بإحياء هذا الشعر وباتباعه وسلوكه ونظمه والسير فيه لكن أنا لا أطالب بهدمه كما طالب به بعض من كتب.

-3-

وفي عام (1403هـ) كنت مديراً لمركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، واقترحت على مجلس المركز العمل على إصدار موسوعة أدبية ضخمة بعنوان (الأدب في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور إلى العصر الحديث) وأعددت مذكرة إيضاحية لأهداف الموسوعة وأقسامها وأسلوب تنفيذها وأرسلت المذكرة إلى عدد كبير من أدبائنا ومفكرينا منهم: حمد الجاسر وعبدالله ابن خميس وأحمد عبدالغفور عطار وضياء الدين رجب وحسن القرشي رحمهم الله، وجاءت إجاباتهم داعمة ومؤيدة لهذا المشروع الكبير.

كتبت للشيخ ابن خميس بتاريخ 23-8-1403هـ وجاء الرد مفصلاً بتاريخ 22-10-1403هـ وقال: «اطلعت على مشروع الموسوعة الأدبية للجزيرة العربية الذي ينوي مركزكم الموقر إصدارها خدمة للعلم وأداء لحق البلاد العربية وإسهاماً في مجالات البحوث النافعة المفيدة وإنني لمغتبط بالفكرة ومؤمن بجدواها ومنفعتها فهي من المشروعات النافعة المفيدة التي تخلد مدى الدهر وتبقى جميل الأثر لمن فكر فيها قبل ولمن يسعى لإخراجها إلى حيز الوجود وإن مثل هذه المشروعات لهي من الركائز الخالدة والقواعد المفيدة والآثار الجيدة النافعة التي تنفع الحاضر وتحقق لأجيال المستقبل ثقافة واسعة عن تاريخ هذه الأمة ومجدها وأدبها وثقافتها وفكرها إنني أبارك هذا المشروع وأضع يدي في أيدي من يعملون له وأشدها بكل احترام وتقدير وتأييد..».

ثم أورد مجموعة من الاقتراحات والأفكار النافعة، وقد كتبت له خطاباً بتاريخ 20-11-1403هـ أشكره على ملحوظاته واقتراحاته بشأن الموسوعة وختمته: «أنتهز هذه الفرصة لأقدم لأستاذنا الجليل التهنئة بجائزة الدولة التقديرية في الأدب.. ولقد كان مركز البحوث من الجهات العلمية التي رشحتكم لنيل الجائزة وأنتم أهل لها وتكريم الدولة رعاها الله لكم إنما هو تكريم للأدب وإعلاء لشأن الأدباء..».

ظل الشيخ يتابع الموضوع ويسأل عمّا تمّ فيه لكن المشروع لم ينفذ لأسباب يطول شرحها.

المهم هو حرص الشيخ ومتابعته لكل عمل أدبي أو تاريخي أو جغرافي يخدم جزيرة العرب ويربط أجيالها الحاضرة بماضيهم التليد ومجدهم الأصيل وتاريخهم المجيد.

-4 -

وفي عام (1425هـ) أنهت الأخت هيا السمهري رسالتها لنيل الماجستير من قسم الأدب بكلية اللغة العربية تحت عنوان (عبدالله بن خميس ناثراً) وكنت المشرف على الرسالة وأبدت لي رغبتها في حضور الشيخ عبدالله لجلسة المناقشة إن مكنته ظروفه الصحية من ذلك فرحبت بذلك.

وفي الساعة الثامنة من صباح يوم المناقشة حضر شيخنا مبكراً بصحبة الأستاذ عبدالرحمن الراشد واستقبلته مرحباً.

قلت له: المناقشة قد تطول ولا تثريب عليك إن انصرفت قبل نهايتها.

قال: سأبقى -بعون الله- إلى النهاية.

ثم داعبته قائلاً: أستاذنا الجليل هذه جلسة مناقشة حول كتاباتك النثرية وطبيعة المناقشات أن يذكر فيها الإيجابيات والسلبيات، ولكل كاتب وأديب إيجابياته وسلبياته وقد تسمع ما لا ترضى عنه.

فردّ عليّ بهدوء: نحن ننتقد وننتقد ومن مارس نقد الآخرين فعليه أن يقبل انتقادهم له فليقل أعضاء اللجنة ما يشاؤون.

خفف ذلك الجواب من حرج الزملاء أعضاء اللجنة واستمرت المناقشة إلى قبيل الظهر وهو منصت لكل ما دار من مناقشات.

تذكرت ما قاله في مقدمة كتابه (من جهاد قلم): «يجب أن تتسع صدورنا للنقد أن نتلقاه بروح رياضية مرنة وألا نعده عيباً في المنقود ولا في صاحبه ما التزم قواعد النقد وتمسك بأسلوبه».

ويقول أيضاً: «لا ضير أن يكون هناك مجال للنقد في بلادنا تذكر وتصوب وتصحح وتوجه، فإنتاج بلا نقد في أي مجال من المجالات يعتبر فجاً خداجاً تنقصه الدقة والتحقيق والتمحيص».

د.محمد بن عبدالرحمن الربيِّع - المستشار بدارة الملك عبدالعزيز - عضو اللجنة العلمية للقاء العلمي عن ابن خميس - الرياض