Saturday 15/03/2014 Issue 432 السبت 14 ,جمادى الاولى 1435 العدد

(المشيّخة) على أرجوحة العقل..!

يمكن القول بأن السلوك الإنساني مرتبط بجملة من الخبرات المكتسبة من السياق الاجتماعي والثقافي في البيئة التي نشأ فيها الفرد, فقد أكد دولار وميللر على أنه لا يمكن فهم السلوك الإنساني إلا بفهم السياق الثقافي الذي حدث فيه هذا السلوك (1). لذلك تجد أن المجتمعات المهتمة بالعلم والعلماء يحرص أفرادها على الحصول على شهادات علمية عالية في مجالات مختلفة من مجالات العلم والعكس صحيح.

ولأن مجتمعنا في سياقه الثقافي هو مجتمع متدين بفطرته, وبذرته خيّرة فقد أثر ذلك بشكل كبير في سلوك أفراد المجتمع بين متدين حقيقي وآخر مدعي وبين تائه بينهما لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, ففي مجتمعنا ظل لقب (الشيخ) هو اللقب الوحيد الذي لا يحاسب عليه القانون ولا يستلزم الحصول عليه تقديم المسوغات العلمية أو المبررات المنطقية عدا إعفاء اللحية وتقصير الثوب وهذا ما يفسر وصول الأمر حد إطلاق اللقب على فتية من طلاب العلم..!

وفي فترة التسعينيات الميلادية كان المجتمع تقريباً يقدس كل (شيخ) حتى اعتلى شأن ذلك اللقب السهل فأصبح دليلاً كافياً للنزاهة والعصمة من الأخطاء وهذا ما جعل معيار الخطأ والصواب يختل نوعاً ما, فظلت تلك الأخطاء التي تتوافق مع الطبيعة الإنسانية الكاملة حكراً على كل (حليق) حسب توجهات فئة كبيرة من أولئك (المشائخ) كما وصفوا أنفسهم آنذاك, بينما الملتحي هو شخص كامل لا يفترض أن يبدر منه الخطأ وتوجيهه حول أخطائه من قبل عامة الناس أو من العلماء والأكاديميين أو انتقاده يعد إثماً وسبباً كافياً (لعلمنة) الشخص أو إخراجه من الملة وتكفيره, وهذا ما حدا بالكثير من (الجهلاء) للسعي الحثيث وراء ذلك اللقب بغية اكتساب الوجاهة وربما لتحقيق مزيد من المآرب الأخرى المجهولة لدينا.

وهذا التوجه الخاطئ على مدار السنين جعل كل من يصف نفسه بالشيخ يتجرأ على الفتوى فيفتي هذا وذاك دون علم كافٍ أو دراسة مستفيضة ودون مراعاة لمسؤوليته عن كل من عمل بفتواه أمام الله سبحانه وتعالى.

ولأن تلك المرحلة التي سيطروا فيها على الفكر العام كانت خالية من وسائل التواصل الاجتماعي وكان الانفتاح الإعلامي فيها أقل بكثير مما هو عليه الآن فإن ما كان مقبولاً في ذلك الزمن لم يعد من السهل قبوله في هذه المرحلة التي أصبح فيها الفرد في المجتمع السعودي قادراً على تثقيف نفسه وقراءة المئات من الكتب والتناقش والتحاور عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مع المفكرين وكافة شرائح الشعب بل والتواصل مع العلماء والأكاديميين للحصول على رأي في أي قضية أو رأي أو توجه عام.

فالعقل الذي ظل في فترة طويلة خاملاً وغير آبه بوظيفته في التفكير والتحليل والاستنتاج بدأ يعود لطبيعته التي تجعل - أي فكرة أو فتوى تتنافى مع الطبيعة الإنسانية ومع ما جاء به الدين الإسلامي ويتناقض مع الوسطية - هذه الطبيعة العقلية تجعل كل ذلك يتأرجح بين القبول والرفض فيبدأ العقل بطرح تلك الأسئلة الكبيرة وتحليل القراءات والفتاوى وكمية المعلومات المتوفرة حتى يصل لقناعته الكاملة إما بالقبول أو الرفض دون تأثير من هذا وذاك, وهذا ما يجعل الإنسان الذي تفتح عقله وبدأ يرفض فكره إطلاق كلمة شيخ على أي شخص دون معايير ثابتة وبشكل تلقائي مستفز يرفض أيضاً نوعية الخطاب الديني (الترهيبي) المبالغ فيه دون ترغيب, فالدين الإسلامي واضح بسماحته وصلاحيته لكل زمان ومكان وهو ما يتجلى في الكتاب والسنة النبوية.

وربما أن هذا السبب هو الذي جعل كثيراً منهم يتوجه لتدعيم تلك (المشيّخة) بإضافة حرف الدال قبل الاسم من تلك الجامعات الوهمية وذلك ليثبت أحقيته بلقبه القديم كونه يملك خلفية علمية تؤهله ليتصدر ساحة الإفتاء, غير أنهم تناسوا أن مثل تلك الكذبات أصبح من الصعوبة بمكان تمريرها على العقل في هذا الزمن المنفتح.

والحمد لله أن تلك الجامعات الوهمية لم تأتِ قبل زمن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وإلا لكان لحكاية حرف الدال قصة طويلة أخرى كقصة شيخ لم يكن في الحقيقة شيخا..!

(1) كتاب نظريات الشخصية (البناء /الديناميات/ النمو/ طرق البحث/ التقويم) صفحة 388 لـ أ.د جابر عبد الحميد جابر.

عادل مبارك الدوسري - الرياض aaa-am26@hotmail.com **** تويتر: @AaaAm26