Saturday 15/03/2014 Issue 432 السبت 14 ,جمادى الاولى 1435 العدد

صرخات المنظرين .. والأدائية (2-2)

انطلقت صرخات المنظرين ما بعد الحداثيين من أمثال إيهاب حسن وليندا هتشيون ووليم غاس المفعمة بالضجر: دعونا نقول فقط انتهت ما بعد الحداثة حتى لو أن إستراتيجياتها الاستطرادية ونقدها الأيديلوجي مازالا على قيد الحياة، وهو ما قاد الناقدة والمترجمة أماني أبو رحمة للسعي إلى تأسيس مشروعها في تتبع وترجمة مجموعة من الكتب المهتمة بنظرية «بعد ما بعد الحداثة».

والجيد بالنسبة للبعض أنه بموت نظرية «ما بعد الحداثة»، وولادة نظرية «الأدائية: بعد ما بعد الحداثة»، يعود شريحة واسعة من المتلقين ممن تزعجهم القوالب التجريبة، والأسلوب التهويمي الفوضوي والمعقد المتبع في الفنون والآداب لينعموا من جديد بأعمال وأفلام ونصوص تظهر بروح وثوب جديد هي نفسها ما ألفناه من نصوص كلاسيكية غير أنها تحضر بعد أن تطهرت من قوالب ما بعد الحداثة التي كانت تطوقها بسمات محددة مثل تعددية الدلالات.

ما يعيد للواجهة النصوص التي تعنى بالشكل التقليدي والنظام والترتيب عوضا عن اللانظام والفوضى والتشويش على عمليات التلقي التي توظف في أدب ما بعد الحداثة. وقد تخلت نصوص بعد ما بعد الحداثة عن تعقيدات تقنيات ما بعد الحداثة في سبيل تحقيق الوضوح وتجنب الغموض بحسب المترجمة.

كما تفيد أبو رحمة من خلال مشروع ترجمتها أن أدب «بعد ما بعد الحداثة»، يظهر اهتماماً متزايداً بالترابط المنطقي للأحداث في القصة وبناء الحبكة التقليدية. وفيه عودة للاهتمام بالشخصية بوصفها ذاتاً تجريبية وليست مجرد كائن من ورق أو تركيب خيالي. والسعي لخلق نوع من التعاطف والتواصل بين القارئ والشخصية المتخيلة وما تتعرض له من أزمات أو تتخذه من مواقف وتجاوز تقانات التغريب وكسر الألفة والتي كثيراً ما تم توظيفها في أدب «ما بعد الحداثة». والتأكيد، على إمكانيات القص والوحدات السردية الكبرى على تمثيل العالم الخارجي وتجاوز مفهوم اللا إحالة للأنساق التمثيلية في أدب ما بعد الحداثة.

ومن المعروف أن عدداً غير قليل من منظري ما بعد الحداثة في الغرب درجوا منذ نحو عقدين من الزمن على ترديد خبر احتضار ما بعد الحداثة وإرهاصات موتها، ومن ثم جاء الإعلان في التسعينيات من القرن الماضي عن موتها وتلاشي تطبيقاتها الفنية والأدبية والمعمارية لتحل محلها تطبيقات جديدة تستند إلى نماذج فكرية إنسانية مغايرة.وولادة نظرية»بعد ما بعد الحداثة»، أو ما يسمى «الأدائية.

وقد تضمن مشروع أبو رحمة ترجمة كتاب أبرز منظري هذه النظرية ومتبنيها، راؤول ايشلمان «موت ما بعد الحداثة: مقالات في الأدائية وتطبيقات في السرد والسينما والفن»، وأحصت ما يقرب من 13 مصطلحا للنظرية الجديدة منها: « ما بعد الألفية»، لإريك غانس «، و»الحداثة الآلية»، لروبرت صاموئيل اللذان انتقدا لاقتصار اهتمامهما بالجانب السياسي دون الجانب الأدبي أو الفني ، مثلما اهتمت»الحداثة الفائقة»، للفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفتسكي بالثقافة الاستهلاكية والتي قادت لنشوء الارتباك والقلق بين الأفراد اللذويين المشتركين في المتع وألقت بظلال التشاؤم على الحياة المعاصرة وهي نظرية كما هو واضح مفيدة لعلماء الاجتماع أو الفلاسفة».

وتعد نظرية «الأدائية»، لراؤول ايشلمان، أبرز مانجم عن إعلان موت ما بعد الحداثة والتي تعرف كذلك بـ»نهاية ما بعد الحداثة». وتركز الحداثة الزائفة أو الرقمية»، لآلان كيربي على جانب التكنولوجيا ومن وجهة نظره فإن الحداثة الزائفة أو الحداثة الرقمية هي شكل جديد من أشكال النصية التي تأتي عن طريق حوسبة النصوص. ويقدم كيربي تحليلاً مقنعاً جداً عن اشتغال الميديا المحوسبة وتأثيرها على طريقة تواصلنا. ولكنه بالرغم من ذلك يعاني من مشكلات في شرح كيف تؤثر الرقمنة على الأعمال الأدبية والفنية والسينمائية الجادة، لسبب واحد هو أن أغلب الأعمال الأدبية والفنون التي تختلف بشكل حاد عن ما بعد الحداثة هي بكل بساطة غير مرقمنة. فالأفلام الأكثر أهمية وكذلك الروايات والفن وما إلى ذلك لاتزال تعمل وفقا للقواعد القديمة، إذ يخلق المؤلف الواحد عملاً منفصلاً لا يستطيع القراء المشاركة فيه مباشرة. في حين أنه من الصحيح أن الأدوات الرقمية مثل كاندل تمكننا من الوصول الفوري إلى رواية ما، إلا أن مضمون الرواية أو الطريقة التي نفسرها بها لا تتغير بسبب متاحية الوصول هذه بحسب أبو رحمة. التي تلخص الفكرة بأن الحداثة الرقمية لكيربي مفيدة بوصفها نظرية لثقافة البوب والاتصالات، ولكنها لا تفسر التغيرات في الثقافة العالية بطريقة مقنعة.

واعتبرت بأن، أفضل هذه النظريات هي «الحداثة المتذبذبة»، وهو مصطلح ابتدعه روبن فان آخر وفيرمولين تيم. يسمح هذا المجاز «التذبذب» لآخر وفيرمولين بالتفكير بما بعد الحداثة بوصفها نوعاً من التوليف بين الحداثة وما بعد الحداثة التي يمكن تطبيقها على أية حالة تقريباً أو عمل فني.

وتشيد بـ»الأدائية»، التي هي في الأساس محاولة لل مفاضلة بين «بعد ما بعد الحداثة»، و»ما بعد الحداثة»، بمقدار ما يمكن من الدقة والتحديد من خلال تحديد التقنيات الخاصة بالحقبة الجديدة. وهي خلافاً لمعظم النظريات المذكورة, تركز على الأعمال الأدبية والفنية والسينمائية والمعمارية المحددة (المتماسكة) والأدائية , بتعريف آخر، كما تقول، هي نظرية في تطور الجماليات وليست نظرية ثقافية بالمفهوم الأوسع. وبذلك يمكن أن نتحدث عن الأدائية في العمارة , والفن، والدراما، والفلسفة.

شمس علي - الدمام