Saturday 15/11/2014 Issue 451 السبت 22 ,محرم 1436 العدد

مقال قصير .. عن الكلام الكثير

حضرت خطبة ذات يوم.. لخطيب أطال كثيراً وتأخر فعلا منبره وقال كلاماً كثيراً ينهانا فيه عن الكلام الكثير.

كتب الأديب الأمريكي مارك توين إلى صديقه رسالة طويلة .. قال في آخرها :

«يا صديقي.. اعتذر إليك عن طول الرسالة فليس لدي وقت كي أجعلها قصيرة».

وحينما كتب النبي سليمان عليه السلام رسالة في غاية الأهمية والحساسية في موقف تاريخي سجّله القرآن كانت رسالته التي حكتها ملكة سبأ حينما «قالت: يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم. إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين». بهذا الخطاب المختصر أنجز النبي الملك سليمان عليه السلام مهمته.

وثائق سياسية في التاريخ شكّلت منعطفاً عظيماً في تاريخ الإنسانية مثل وثيقة المدينة الذي كتبه المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام كوثيقة دستورية تعاقدية كان قرابة الثلاث صفحات تقريباً مؤداه أن المتعاقدين بالوثيقة أمة واحدة وأن «المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.» وأنه «من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.» وفي آخره «أن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله.» صفحات معدودة كانت درستوراً مدنياً مهماً في تاريخنا، ومع ذلك لم يكن يحتاج لتسويد الصفحات الطوال والتفاصيل الكثيرة لأن العمل الحضاري المدني والتعامل التعاقدي الحقيقي الصادق لايحتاج لكل ذلك.

وواحدة من أهم الوثائق الأمريكية التي صنعت تاريخ أمريكا المستقل تسمى وثيقة الاستقلال المحفوظة في متحف «فيلادلفيا» الوطني هي فقط صفحتان ، فصناعة الاستقلال لا تحتاج أكثر من إرادة حرة فيوم أن قرر الثوار الأمريكيون صناعة الاستقلال عن بريطانيا العظيمة فعلوها.

والدستور الأمريكي يحتوي على سبع مواد قانونية فقط .. يمكن حصرها بتسعة أوراق، على حين أن بعض دساتير الدول الآسيوية يحتوي على 390 مادة تستولي على أكثر من 400 صفحة!

هاهي الدساتير والأنظمة والوثائق الأكثر طولاً وتفصيلاً .. هي الأقل تفعيلاً والأكثر تجاهلاً ، على حين أن الكلمات الأقل عدداً هي الأكثر حضوراً وأثراً .. وبالطبع فهذه ليست قاعدة لا تتحول إلا أن القصد أن القوة ليست في كثرة المواد والتفريعات .. بل في استجابة تلك المواد لقدر الناس وتفاعلها مع شأنهم وخيارهم.

قيل لرجل عامي ذات مرة «لا تأكل كذا وعليك بالحمية من كذا وحاول ألا تتناول الغذاء الفلاني ولا تشرب ذاك..» فنظر وقال « لماذا كل هذا؟» فقيل له «لكي يكون عمرك طويلاً» فأجاب «40 سنة كريمة ومشبعة أحسن من 70 كليلة محرومة!»

عبدالله العودة -الولايات المتحدة abdalodah@gmail.com