Saturday 15/11/2014 Issue 451 السبت 22 ,محرم 1436 العدد

بريد القلب

ضرورة الخيال

وقف روائي إنكليزي ناشئ ينتقد نفسه بضراوة قائلاً بحدة: «ما ينقصني هو الخيال فقط»! وهنا رد عليه أحد زملائه ببرود شديد: إذن يا عزيزي ينقصك كل شيء!

وقد صدق! فما فائدة أية كتابة اليوم بلا خيال؟ أليس خيال الكاتب هو رأس ماله الثمين؟ بل أليس الخيال هو العمل الأدبي نفسه؟

طاردتني تلك الأسئلة وأنا أتذكر كلام الروائي الإيطالي الشهير «أمبرتو ايكو» حيث يقول: «لا أحد ينكر في أن « انا كارينا» لتولستوي انتحرت بأن ألقت بنفسها تحت عجلات القطار، ولكن الكثيرين مازالوا يشككون في موت هتلر منتحراً في مخبأ أرضى. قد يغير المؤرخ من إثباتاته إذا استدعى البحث ذلك، ولكن لا أحد يستطيع تغيير ما يبدعه التخييل السردي. إن حقائق الأدب غير حقائق التاريخ، لذلك فالشخصية التخيلية أطول عمراً من كائنات الحياة الواقعية».

ما ينقص بعض أعمالنا الأدبية والفنية عموماً الخيال بكل صوره وأشكاله. فهو اليوم صار المصباح الوحيد الذي ينير كل طرق الإبداع المختلفة، والشمعة الوحيدة التي لا تذوب في سماء الموهبة والعبقرية كلها.

وليس هناك شيء جديد إذا قلنا إن أعظم الأعمال الأدبية والفنية على مدى التاريخ كانت من إبداع وعمل الخيال وحده.

فالخيال لا يجعلك تصاب بنشوة لذة الهروب من الواقع وتوقع حدوث أشياء غير قابلة للحقيقة، بل هو الممتع والآسر الأخاذ في قراءة رواية أو مشاهدة فيلم سينمائي.

غير أن الخيال لا يريد أن يلهينا عن واقعنا ومصائبنا وكل همومنا ليسافر بنا إلى جنة الخيال، لكنه يحلق بنا في فسحة جميلة من وقتنا الواقعي الطويل والممل إلى دنيا أرحب وعالم جميل وربما قبيح، لكنه ليس الواقع الذي يحررنا منه لبعض ساعات في اليوم، ويطلق سراح خيالنا من أصفاد حاضر يجثم على صدورنا لوقت طويل من حياتنا.

أستطيع أن أجزم أن مهمة الخيال الوحيدة هي تحويل الحياة إلى أحلام ممكن تحقيقها، وإلى عقول تستطيع أن تخترع وتبتكر وتبدع بمساندة هذا الجبار العظيم الخيال.

لولاه لصارت الحياة مملة وأصبحنا أيتام الواقع بامتياز شديد.

خالد البسام - المنامة Albassamk1@hotmail.com