Saturday 15/11/2014 Issue 451 السبت 22 ,محرم 1436 العدد
15/11/2014

أسماء افتقدتها الساحة فأحدث غيابها فجوة لا يمكن ردمها (4)

سعد المسعري فنان شكَّل إبداعه من رائحة طين الوطن وتراثه

اليوم سنتحدث في سياق استعراضنا للأسماء الهامة والرائدة في الفنون التشكيلية السعودية وعبر عدد من الجولات والمحطات التي نسعى من خلالها إلى استعادة دور هؤلاء الفنانين المبدعين كل في مجاله، وعلى اختلاف الأساليب وسبل التنفيذ التي نختار منها اليوم فن الخزف من جانبه الفني وليس الصناعي أو الإنتاج المتعارف عليه للنفع العام والمستخدمة في أغراض تكسيات الأرضيات أو الجدران وإنما أعمال تحمل فكراً وبُعدا تراثياً وفنياً لا يتعامل معه إلا من لديه الصبر وتحمُّل الوقت وما تمر به القطعة الخزفية الفنية من مراحل جعلت قيمته عالية والمبدعين فيه نادرين.

سعد المسعري

حاضر في ذاكرة تنتظره

ضيفنا اليوم الفنان التشكيلي سعد المسعري الحاصل على درجة البكالوريوس عام 99 هجري من الولايات المتحدة الأمريكية بتقدير ممتاز كما حصل على درجة الماجستير 1401هـ من جامعة ولاية يوتا متخصصاً في النحت والتصوير، واختتم عام 1403هـ مشواره الأكاديمي بدرجة (m.f.a) في مجال الفنون التشكيلية العلمية، ومع هذا الإنجاز من الدرجات العلمية التي يعتز بها الفن التشكيلي في الوطن قبل الفنان لم تشبع عشقه للفن فقام بالعديد من التجارب واكتساب الخبرات من خلال دراسات إضافية في متحف اللوفر ومتحف الفاتيكان ومتحف برادو المتفرغ للفن بعد سنوات من العطاء كان آخرها مشرفاً تربوياً عاماً بوزارة المعارف مع ما أسهم به بشكل كبير في بناء الحركة التشكيلية عبر عضويته في العديد من اللجان الاستشارية ولجان التحكيم، فالفنان المسعري برز إبداعه بشكل متفرد في مجال الخزف وأصبحت أعماله مثار الإعجاب وكسب بها تقدير نقاد عرب وعالميين وأخذ في بحثه سنوات طويلة أثمرت العديد من الأعمال التي تزين الكثير من المرافق الرسمية في مقدمتها وزارة الداخلية ومطار الملك خالد وغيرهما.

فنان لا يتوقف إبداعه في مجال الخزف وحسب بل له تجارب متميزة وأعمال متألقة في خامة الزيت إلا أن الخزف يأخذ الحيز الأكبر في عطائه خارجاً به من حدود الشكل الجميل إلى المضمون الذي يستلهم عناصره وإيحاءاته من الواقع بكل معطياته جامعاً بذلك صفات العمل الناجح فاتحاً بها النافذة لمعرفة جديدة تتمثّل أعمال ذات أبعاد ثلاثية على سطح اللوحة بمعالجة متقدمة في الحفر الغائر والنافر بتقنيات خاصة في كيفية التعامل مع الأفران وما يتبعها من مراحل إعداد طويلة ليخرج العمل بشكله النهائي، وتلك هي خاصية هذا الفنان التي تفرد بها من بين زملائه رواد الفن التشكيلي السعودي ولكون المساحة لا تسمح بالحديث بإسهاب عن عالَم المسعري الخزفي، إلا أن ما حظينا به من بعض المطبوعات أكثر قرباً وتعبيراً عن ذلك الإنجاز المتفرد.

روح الوطن ورائحة الطين

الخزف طينة منتقاة من رواسب الأنهار والأمطار لا يعرفها إلا من تخصص فيه يجلبها الفنان من مصادرها، هي الطينة التي خلقنا منها جميعا، لها رائحة عطره تذكرنا بالوطن ولهذا جمع الفنان المسعري الجانبين روح الوطن من خلال انتقائه للمواضيع المستلهمة من البيئة ورائحة الطين المحببة لكل إنسان خصوصاً الذين هم من جيلي وجيل الفنان سعد، التي تذكّرنا أجمل أيام السنة وهطول الأمطار على أطراف جدران القرية.

إيحاءات معاصرة لا تخرج من الواقع

نعود لإبداع الفنان سعد المسعري وكيفية تعامله مع أعماله التي لم تتكرر ولم نجد لها مثيلاً في كثير من تجارب الفنانين أمثاله الذين يعتمد الكثير منهم على تحوير وتطويع المتعارف عليه من أشكال خزفية كالجرار أو الأباريق أو الأواني بالتذويب أو التمديد في أجزائها لتخرج عن طبيعتها النفعية إلى شكل جمالي، أما الفنان سعد فقد تجاوز هذا التكرار والابتذال والبقاء في حدود الكتلة الدائرية أو المستطيلة إلى آخر أنماط تكوينات القطع الخزفية متجهاً إلى ملامسة ومقاربة الواقع من أنماط البناء النجدي وإبداع أعمال تجمع الإيحاء الأقرب للواقع دون محاكاة مزج في أعماله بين تشكيل الخزف وتطويع الطين إلى التعامل مع الكتلة بإحساس النحت وبناء الشكل.

مجسمات تنتظر التنفيذ

من يشاهد أعمال الفنان سعد المسعري يجزم بأنها مشاريع تجميل يمكن تنفيذها في الميادين والحدائق وبأحجام تتناسب مع تلك المواقع، كونها مصممة بقيادات دقيقة جمعت التكوين التشكيلي والبناء الهندسي مع ما تحمله من مضامين تمثل أنماط البناء والزخرفة النجدية.

غياب أفقد الفن السعودي

الحضور الدولي

الحقيقة إن غياب الفنان سعد المسعري عن الساحة افقدها حضوراً دولياً وضع الفنان له أولى الخطوات في مناسبات دولية خلال مشاركاته السابقة إلا أن هذا التوقف وفي فترات أجزم بها في حاجة لا مثالة ممن يمثلون حقيقة الفن الحديث وعلى أسس متينة أكاديمية، منحت الكثير من الأعمال الهابطة تقنياً وفكرياً في تمثيل الفن السعودي دولياً، فالفنان سعد المسعري يكمل عقد رواد هذا الفن عربياً الذين نذكر منهم الفنان المصري محيي الدين حسين والفنان السوري محمد حسام الدين والفنان العراقي الفنان سعد شاكر الموصوف بعرّاب الخزف والفنان التونسي سيدي قاسم الجليزي والفنان المغربي بومزيزا عبد الله، ومن الخليج الفنانون محسن التيتون وعلى المحميد من البحرين ومن عمان الفنان سالم بن راشد العويسي والفنان القطري طلال القاسمي والنحات الكويتي عيسى صقر الذي تعامل كثيراً بالخزف.

أسماء لها تاريخها وريادتها مؤكدين مجدداً أن الفنان المسعري واحد منهم كان لافتقاد الساحة له ما أحدث فراغاً في هذا المجال من فنان يحمل الفكر والقدرات التي كانت مثالاً حقيقياً لتمثيل المملكة على المستوى العالمي، كما كان حضوره خلال دراسته والذي لفت فيه أنظار النقاد وقبل ذلك القائمين على الأكاديميات التي تلقى تعليمه فيها، ولهذا فإننا وكالعادة نأمل عودة مثل هؤلاء وكنوزهم الفنية لإعادة توازن الساحة التي لم تعد واضحة المعالم.

- monif.art@msn.com