Saturday 19/04/2014 Issue 435 السبت 19 ,جمادى الآخر 1435 العدد
19/04/2014

نقد العراقيين المعجم العربي القديم (2)

أما الباب الثاني من رسالة الدكتور/ علي خلف حسين العبيديّ فهو (نقد المعجم العربي في دراسات اللغويين العراقيين المحدثين) وهو كما ترى مطابق لعنوان الرسالة، وهو أمر متوقف فيه، وبالجملة يمكن القول إن الرسالة تبدأ في هذا الباب، وأما ما سبق في الباب الأول فهو على نفعه تزيد كان يمكن اختصاره في التمهيد على الأقل؛ لأنّ العمل صار بهذا كالعملين. وجاء هذا الباب في فصلين خصص الفصل الأول لنقد معاجم الألفاظ، وخصص الفصل الثاني لنقد معاجم المعاني. تفرع الفصل الأول إلى مباحث أولها نقد ضبط البنية في الأفعال والأسماء، وثانيها نقد العبارة المعجمية، وثالثها نقد المادة اللغوية، ورابعها نقد مناهج التأليف المعجمي القديم. وجاء الفصل الثاني في ثلاثة مطالب الأول لنقد ضبط البنية في معاجم المعاني، والثاني لنقد العبارة المعجمية، والثالث لنقد المادة المعجمية، وغاب مبحث نقد مناهج التأليف على أهميته في معاجم المعاني.

وإن ما يحسب للباحث القدير شجاعته ودقة ملاحظته التي تظهر في النقود التي وجهها إلى جهود اللغويين العراقيين، ومن ذلك قلة دقتهم وتثبتهم في إيراد الصور الضبطية لبعض الأبنية، ثم بناء أحكام على صور مصحّفة أو محرفة في مظانها الأصلية، وهو أمر رآه يدعو لتقويم تلك الأحكام، وبدا للباحث أنهم ربما لم يتبينوا الفروق الدلالية الناجمة عن تغاير صور الضبط. ولم يعلل النقاد المعجميون العراقيون في الغالب عللًا مقنعة لتخيرهم ضبطًا ما، وتعدد صور الضبط من غير تنبه أو تنبيه والاكتفاء بعبارات غامضة قد لا يؤدي إلى الجزم بها. وبين الباحث أن الرؤية النقدية عند المعجميين العراقيين المحدثين لم تتضح إلا بعد العقد التسعيني من القرن الماضي، فلم يكن لهم تصور نقدي ينطلقون منه سوى السامرائي والعزاوي، وأما ضبط أبنية ما حققه العراقيون من معجمات فقد نال حظًّا من النضج والوضوح أكثر مما بدا في البحوث والرسائل الجامعية. وذكر أنه ليس لهم منهج واضح في نقد الضبط، بل أوردوا النقود عرضًا في دراساتهم، ولذا رأى أن هذا النقد بحاجة إلى دراسة تحليلية شاملة لرصد الخطل في المتن المعجمي وتأصيل النطق العربي الحديث، وتعليل ذلك تعليلًا علميًّا وفاق العلم اللغوي الحديث. وتوجه الباحث بجملة نقود لمنهج اللغويين العراقيين في نقدهم مادة المعاجم فهم وإن نصوا بوضوح على المستعمل أو المهمل لم يرجعوا إلى مستويات من الاستعمال للتحقق من الاستعمال ولا عادوا إلى المراجع المساعدة التي قد تكشف ذلك، وهذا يشكك في قرارهم بالإهمال، وهم لم يستقروا استقراءً كافيًا فقد يحكمون بإهمال لفظ وهو موجود في مظانَّ أخرى، وقد يعممون الحكم بذلك كزعم مصطفى جواد أنّ الفيّوميّ لا يجمع (حيوان) على (حيوانات) وهو قد ذكرها في غير موضع، ولم يكن بعضهم دقيقًا في حكمه كزعم محقق العين تفرده بلفظ (مصك) وهو غير متفرد، ومن ذلك أنهم تابعوا القدماء في أحكام غير دقيقة، ومع ذلك قد تكون عباراتهم مضطربة غير واضحة، وقد يعرفون مادة أغفلتها المعجمات ولكن تعريفهم غير دقيق. ووجه الباحث جملة من النقود إلى منهج اللغويين العراقيين في نقدهم منهج التأليف المعجمي فوصفه بأنه غير واضح الملامح وأنه في الغالب وصف للثغرات في المعاجم من غير تعليل، وأنهم قد خلطوا نقد منهج التأليف بغيره من نقد للبنية والعبارة، ووقفوا عند قضايا لا تعد من النقد المعجمي كنسبة العين للخليل، ورأى الباحث أن من ما نقدوابه القدماء مردود بما أوردوه في مقدمات معاجمهم وأن القدماء التزموا بمنهجهم غالبًا، وأثار الباحث أمرًا طريفًا وهو التناقض بين التنظير والتطبيق، فاللغويون القدماء والمحدثون يرون أن غاية المعجم استيعاب كل كلام العرب؛ ولكنهم عند التطبيق ينتقون.

وإن ما كتبته هنا غير مغنٍ عن الاطلاع على عمل الدكتور الذي بذل جهدًا وأبان عن صبر وسعة اطلاع على مصادر بحثه، وكان مراعيًا لمقتضيات العمل العلمي، وكان شجاعًا وحاضر الشخصية في تضاعيف بحثه، وأرى عمله من أجلّ الأعمال إن نالها شيء من التركيز والتهذيب لتكون ملائمة للقارئ والباحث.

- الرياض