Saturday 22/02/2014 Issue 429 السبت 22 ,ربيع الثاني 1435 العدد

أبيض غامق

قبل خميسين وسندباد

أنخرط في الحياة.. أنخرطُ في الصباح مرادف وجه أمي ووضوح أبي. الصباح الذي مذ كنت طفلة وهو السادسة أو الثامنة.

أحملني في حقيبتي وأمضي.. لم تعد الكتف الثقيلة تميل بي. بالطبع لم تعدْ حقيبة: (Louis Vitton) التي يُحب.

لم أعد أحمل هم الأشياء على رأسي، بت أحملها كـ (back bag) كل يوم أخف وأجدى.

لا يتغير الطريق ولا الزمان ولا تفاصيل الساعات الأولى في كل يوم. جارنا يقف مع بناته الصغيرات أمام الباب في انتظار الحافلة.. رأيت مرة سيارة عمال بناء تجاور نافذتي في السيارة ليومين متتابعين عند الإشارة. الإشارات أيضاً تصنع صُدفاً غريبة! لا يغامر أي شيء بتغيير حرفته، حتى رحلة الخمس عشرة دقيقة يومياً من البيت إلى الجامعة؛ رحلة الصفر ميل تبدأ بألف!

لا أشياء.. كل الذي يتعكَّر هو مزاجي المفخخ بالمجاز على شكل نجمة.. الحائز عليّ!

أنخرط في الظهيرة..ورأسي فائضة تماماً. الأبواب تُفْتح وتُغلِق نفسها باحتشاد شيء ما! ولا يتغير الطريق مجدداً! ولا الثانية ظهراً! أو الثانية وعشر دقائق بحسب ضمير سائقي. لتظل الخمس عشرة دقيقة الأخرى للعودة، المكان المؤقت والمجدي لترتيب الملف « السحري» كم يسميه أحد الصغار.. المنتفخ بكل شيء، ابتداءً بحلوى (milky way)، وانتهاءً بمعجم مصطلحات من 480 صفحة. حسناً، الحياة المستقطعة في هذه البقعة المتحركة من الوقت؛ إما ضحك وإما بكاء. لا مكان يسع لتدخل أي شكل آخر متفائل بالإزاحة.

أنخرطُ في المساء.. وقت العصر المأول خطأ، المتشاغل، القصير، الطويل، المشرشر، المقبل، المُدْبر على حِدَة. والأصدق أنه بروفة للتزود بالركض.

وقت المغرب، أو وقت قهوة الناس والأشياء التي لا تعنيني ولا تعنيهم، وأكل اللحوم البشرية مع قطع (التشيز كيك و ورق العنب)!! وقت سيل العرم من الرسائل الهاتفية التافهة، ولم يكن في حوزتي جُرذ!! إلا أنه وقت الجَرْف بأصابعي؛ لتعذُّر وجود جرَّافات بحجم الحجر الذي أبْتَلِعُ عليه ريقي، ثم أُشجِّر صوتي بورقة نعناع وألفها عليه، كما حدث قبل خميسين وسندباد.

أنخرطُ في الليل.. أفتح الإذاعة وأستمع لبرنامج على الهواء؛ لتتنفس الغرفة.. تعكَّز بخار القهوة اللذيذ على الهواء يا صديقي المستمع! أنخرط فيّ.. أدرس لامتحان أو اثنين.. أكتبُ أمزقُ.. أبري أقلام الرصاص لمحاضرات الغد.. على حافة الليل.. على حافة الأثير.. على حافة الإزاحة.. على حافة درس.. فدائماً ما تنبت عشبة صغيرة على الحافة.

ثم يسألني الأصدقاء وأمي عن حِدَّتي مؤخراً، وأخبرهم أن نظرية الحياة الحافلة رياضيات جداً، وأنا أُحبُ الفيزياء وقصيدة النثر وسندباد. إلا أنها لا تصدأ الأغنيات؛ فالكيمياء عادلة أيضاً.

أنخرط في الحياة.. أنخرط في الصباح مرادف وجه أمي ووضوح أبي....

نورة المطلق - الرياض