Saturday 22/11/2014 Issue 452 السبت 29 ,محرم 1436 العدد
22/11/2014

أسماء مهمة تكاد تختفي عن الساحة.. غيابها يحدث فجوة لا يمكن ردمها (5)

الفنان بكر شيخون إذا حضر يلفت النظر.. وإذا غاب ينذر بالجديد المنافس

يقول الفنان السعودي بكر شيخون في جملته التي جعلها الحد الفاصل بين مراحل إبداعه: (كانت أعمالي في وقت مبكر تبحث عن الجمال في الناس والأشياء, ولكن الآن أجد أنها تعبِّر عن شيء مختلف: إحساس البصر والعواطف والأفكار المرتبطة به.. هدفي هو التعبير عن شيء أعمق من الانطباع السطحي) بهذه العبارة الغنية يبدأ الفنان بكر مشواره مع عالم من الخيال الفني إذا صح الوصف أو التسمية كما هو الخيال العلمي.

ليقدم العديد من أعماله المفاهيمية منها غرفة التنفيس وماكينة تحميص الذرة (الفوشار) التي شارك بها في بينالي الشارقة السادس جعل المشاهد يتعامل من خلالها مع صوت الآلة في موقعها في المعرض بشكل مختلف عن تأثيره غير المهم في مكانها التجاري أو استخداماتها النفعية.. وصولاً إلى الحركة الفشار الذي يتساقط على أرض لونها أزرق دافعاً المشاهد إلى طرح الكثير من التساؤلات المسبوقة بالدهشة.. ليستمر في تعامله مع الوسائط من «ورقة التقويم» و»مقطع من جريدة يومية» إلى مجموعة مواقد الغاز وصولاً إلى الدرج المقلوب، مساحة كبيرة يعجز المتابع للفنان بكر شيخون أن يرتب أوراقها أو يجمع أطرافها.

تجربة متمكنة وحضور منافس

بدأ الفنان بكر شيخون كغيره من الفنانين موهوباً باحثاً عن إثبات الذات فقدم الأعمال الواقعية خلال دراسته في معهد التربية الفنية فرسم الخيل والبيئة وتميز بين أقرانه بقدراته الأكاديمية في تنفيذ الأعمال التي برزت في اللوحات الزيتية متأثراً بالمدرسة الواقعية التي يعتمد معلمو التربية الفنية وقتها على تطبيقها عوداً إلى خبراتهم وميولهم وتنفيذاً لمتطلبات المنهج وتدريب الطلاب على بناء اللوحة، لكن الأمر تطور وتبدل بعد سفر الفنان بكر شيخون إلى إيطاليا والتحاقه بأكاديمية الفنون في روما التي فتحت له آفاقاً أكثر وخبرات تؤهله لأن يطوّر إبداعه، فكان له ذلك إذا علمنا أن الفنان بكر شيخون يختزل في عقله الباطني صوراً كثيرة من تراثه الحجازي (أنماط بناء وتقاليد وعادات اجتماعية)، فكان للمرأة في أعماله نصيب الأسد، قدمها بأسلوب لم يكن متعارفاً عليه في الساحة التشكيلية المحلية التي كانت تخطو خطواتها الأولى نحو التشكُّل حيث تعددت وقتها الأساليب من تقليد لعصر النهضة أو لما تبقى في ذاكرة الفنانين خريجي معهد التربية الفنية من تأثر بمعلميهم خصوصاً العراقيين والمصريين في اختيار المواضيع البيئية أو بناء العمل فخرجت الكثير من الأعمال تحمل روح من سبقونا، وكان من الأمور الطريفة في تلك المرحلة أن يرسم بعض الفنانين في المنطقة الوسطى نساء يحملن الجرار كما النساء في مصر.

نعود للفنان بكر شيخون ضيفنا في هذا العدد وفي حلقاتنا التي خصصناها لفنانين لهم أثرهم الكبير في الساحة تأسيساً وقيمة فنية وثقافية كادت أعمالهم تغيب وأصبح حضورهم قليلاً جداً، فأتاح ذلك التغيب أو الحضور المقنن إلى انتشار فيروسات التقليد والعبث التشكيلي في ساحة الفن المحلي، استطاع الفنان بكر شيخون أن يتنقل من أساليبه أو تجاربه كالفراشة حينما تمر بمراحل تشكُّلها، دون أن يشعرنا بفاصل أو حد يقطع سير ومسيرة إبداعه (تنفيذاً) مهما اختلفت الخامات أو الوسائط، حيث كان تحركه نحو التجديد والتطوير والتعامل مع كل ما يمكن أن يحدث في عالم الفنون سهلاً سلساً دون قفز أو بتر، فبعد مراحل التأسيس (الواقعي) إلى التعبيرية الرمزية في أعماله التي برز فيها واقع بيئة جدة الاجتماعية وأنماط البناء، وذلك في بداية الثمانينيات خصوصاً منحه المرأة فيها مساحة كبيرة نذكر منها (حديث صامت)، (صبايا الحي)، (وجوه نساء) التي تظهر فيها لوحة لثلاثة وجوه لا تختلف ملامحها لكنها تشعرك بالعاطفة والهدوء إلى أعمال أكثر انفصالات عن الواقع نحو الفكرة في أعماله مثل (وحدات زخرفية) و(تشكيل بحروف الكتابة) وصولاً إلى (الريال) وكلها لا تخرج من حضن التجربة بتكنيك (الريليف) أو إبراز الخطوط بالمعاجين التي تحدد العنصر.

من هنا يمكن الاستدلال على ما يسعى إليه الفنان بكر شيخون من أعمال لم يكن يضع لها تصنيفاً أو يقارنها بما قبلها بقدر ما يرى فيها محاكاة لأحاسيسه ومشاعره حاكماً على نجاحها بما تجده من رضا نفسه أولاً, ساير بها كل جديد في عالم الفن فمنحته البقاء والتميز حاضراً مجدداً ومنافساً أيضاً، فالفارق كبير بين فنان يعي ما يقوم به ويتكئ على وعي بالفكرة وما بعدها وما يمكن أن تثيره من دهشة واستفزاز للوجدان وتفعيل لعقل المتلقي.

حضور ملفت وغياب يسبق الجديد

قدم الفنان بكر شيخون العديد من المعارض أثرى بها الساحة منها الشخصية وكذلك المعارض الجماعية التي إذا حضر فيها لفت النظر وحينما يغاب يثير الجدل في نفوس الفنانين المنافسين وينذر بجديد يحرك الساكن.. فقد أقام معارض شخصية في كل من، الإمارات، الشارقة, المملكة العربية السعودية, معرض رباعي مع الفنانين العرب, جدة، ومعرض في الطائف وفي معارض جماعية في الدوحة, بغداد, ألمانيا والأردن.. وفي روما, بيسكارو فلورنسا، «بينالي ابيسا» - إسبانيا.. وفي بينالي الشارقة السادس في آلة الذرة الصفراء وغرفة التنفيس.. وكذلك في بينالي القاهرة بعمله الدرج المقلوب.

عبارات توزن بالذهب

قليل من التشكيليين الذين يتمتعون بالقدرات التشكيلية والأدبية وقليل منهم من ينتقي كلماته وعباراته لتتحول إلى حكم وأحياناً إلى بوصلة نحو تصحيح مفهوم الفن، وأهم من ذلك كيفية التعامل بين الفنان وإبداعه وكيف يفلسفس هذا الإبداع، فدعونا نلتقط بعضاً مما جاء في بعض لقاءاته الصحفية والتي من أبرزها حوار أجراه معه الفنان هشام قنديل.

يقول الفنان بكر شيخون: (الجدل المثار حول أعمالي السابقة وغيرها من أعمالي الأخيرة ليس فقط بسبب غرابتها بل ولأنها تلامس - بحسب ظني - مشاعر الناس وعقولهم بطريقة غير متوقعة وتحفزهم على التفكير).. ويقول في جملة أخرى: (أنا أفضّل تسميتها فن ما بعد اللوحة, وهو ليس فقط طريقة للتعبير الجمالي، بل وأيضاً وسيلة للتفكير بطريقة جميلة).

ويعلق على الساحة قائلاً: (ما يجري اليوم من تحولات في ميدان الفن إنما هو بحث عن مخرج من المأزق الذي انتهى إليه الفن الحديث مع التجريدية التعبيرية.. أما الخلاف حول الفن «المفاهيمي» فشأنه شأن أي خلاف حول كل جديد) ويضيف قائلاً: (أؤمن بحقيقة أن الشكل هو الذي يميز الفن عن غيره، لكن هذا لا يعني الحط من قدر المضمون، ذلك لأن الفن ليس شكلاً فقط). ويواصل عباراته قائلاً: (ليس المهم بالنسبة لي في الفترة الراهنة أن أرسم أو لا أرسم، هذا مع الإقرار بحقيقة أنني منذ البداية قليل الإنتاج، وحالياً أكتفي بتقديم ما لا يزيد على ثلاثة أو أربعة أعمال في السنة وفي مناسبات متفرقة، لكني أشعر بغاية الارتياح مع تجاربي الجديدة التي أعتقد بأنها ليست أقل تميزاً عما قدمته سابقاً).

ونختم بقوله: (من الطبيعي أن يرصد الفنان مكامن الفرح أو مشاعر الألم في ما حوله.. ومن الجميل أن يبتكر طريقته الخاصة للتعبير عنها أو حتى عن رغبته في السخرية أو التهكم أو التنفيس عن الغيظ مثلاً.. هذا الفعل يحقق للفنان الكثير من الشعور بالتوازن النفسي وهذا أمر مهم.. أما الأثر الذي قد يحدثه أي عمل إبداعي فمتروك للزمن).

- monif.art@msn.com