Saturday 25/10/2014 Issue 448 السبت 1 ,محرم 1436 العدد
25/10/2014

خالد الفرج .. رائد الملاحم الوطنية في سيرة الملك عبد العزيز (2)

الباحث الكويتي خالد سعود الزيد كان من أوفى من استقصى تراث الفرج وخدم سيرته، فألّف عنه كتاباً صدر في طبعتين سنة 1389 و1400هـ (1969 و1980م) بعنوان «خالد الفرج: حياته وشعره» وعمل على تحقيق دواوينه وحفظ معظم تراثه الشعري، فأصدر ديوان خالد الفرج من تحقيق الزيد نفسه (شركة الربيعان، الكويت 1989م) وكان الجزء الأول من الديوان قد نشر في حياة الشاعر (مطبعة الترقي، دمشق 1954م) كما أصدر الزيد للفرج ديوان النبط، يضم مجموعة من الشعر العامي في نجد مع مقدمة عن الشعر النبطي وتطوره (دمشق 1952م) وبالإضافة إلى هذه الإصدارات خصّ الزيد الفرج بمقالات تحليلية منها: خالد الفرج تميّز بالأسلوب الساخر، مجلة العربي، يناير 1965م، وأثر خالد الفرج على الحياة الفكرية، مجلة البيان، يناير 1968 م، والناحية الاجتماعية في شعر الفرج، مجلة الرسالة 1969م، وقد بقيت كتابات الزيد أوفى مصدر للمعلومات عن حياة الفرج، باستثناء ما يتعلق بحياته في المنطقة الشرقية.

وتضمّن معجم البابطين لشعراء العربية المتعدد الأجزاء موجزاً عن حياة الفرج وشعره، مشيراً إلى اسمه الكامل خالد بن محمد بن فرج الصراف الدوسري، وأنه ولد في الكويت وتوفّي في لبنان، وقضى حياته العملية متنقّلاً من الكويت إلى بومباي والبحرين والسعودية (القطيف والأحساء والدمام) وتلقى علومه المبكرة في الكتّاب، وعند افتتاح المدرسة المباركية عام 1330هـ (1911م) التحق بها، ونشط في الاطلاع على كتب التراث المختلفة، ثم بدأ حياته العملية مدرّساً في المباركية، فكاتبًا عند أحد كبار الكويتيين في الهند، وأسس في بومبي المطبعة العمومية التي طبع فيها مجموعةً من الكتب كان بعضها على نفقة الملك عبد العزيز، وقد درس اللغة الإنجليزية والهندسة خلال عمله هناك، ثم انتقل إلى البحرين (1341هـ) ليصبح مدرساً بمدرسة الهداية الخليفية في البحرين وعضواً في المجلس البلدي البحريني، ثم صار مسؤولاً في بلدية الأحساء ورئيساً لبلدية القطيف.

وكتب عنه صالح محمد الذكير في المجلة العربية (العدد 124 لعام 1408هـ - 1988 م) مقالاً كشف فيه عن قصائد لم تنشر لخالد الفرج ومن بينها قصائد إخوانية مع بعض أدباء القطيف، ثم كتب مقالاً آخر موسّعاً بعنوان: مسافر زاده الشعر وحب الديار نشرته جريدة اليوم (العدد 8178 لعام 1417هـ - 1997م).

ونشر عنه حمّاد السالمي في جريدة الجزيرة (العدد 9162 لعام 1419هـ - 2000م) مقالاً استعاد فيه ملحمة «أحسن القصص» بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لفتح الرياض.

وكان ممن ترجم له خير الدين الزركلي في موسوعة الأعلام، وعبد الله شباط في كتابه شعراء الخليج، ومحمد سعيد المُسلم في كتابه: ساحل الذهب الأسود، وعبد الرحمن العُبيّد في كتابه الأدب في الخليج العربي، كما كتب عنه علي باقر العوامي ومحمد رضا نصر الله وآخرون.

وبالنسبة لإنتاجه الثقافي والأدبي، فبالإضافة إلى الملاحم السالف ذكرها، أوردت المراجع أعمالاً كثيرة أخرى منها دراسة مطبوعة عن رجال الخليج، ومخطوطة مفقودة عن تاريخ نجد وما جاورها من البلدان (ربما تكون الموسومة القبائل والحمائل) وثالثة بعنوان «علاج الأميّة في تبسيط الحروف العربية» ويشير خالد الزيد إلى قيمة هذه الدراسة للمهتمين بتعليم اللغة العربية، ويبدو أن الفرج فكّر في وضعها في ضوء تجربته الطباعية المبكّرة في الهند، وقد طبعها في الدمام سنة 1372هـ (1952 م) ثم ألحقها خالد الزيد في كتابه عن خالد الفرج (ط 2 / 1980 م) ولا أعرف ما إذا كان هناك من قام لاحقاً بالتأمّل فيها وتحليلها.

وذكر معجم البابطين في ترجمة الأديب خالد الفرج مصادر كثيرة عن سيرته وشعره، ومنها على سبيل المثال:

- مقال عن ديوان خالد الفرج لعبد الله زكريا الأنصاري، مجلة البعثة، يوليو 1954م.

- عبد العزيز الرشيد: كتاب تاريخ الكويت، دار مكتبة الحياة، بيروت 1971م.

- عواطف العذبي الصباح، كتاب: الشعر الكويتي الحديث، جامعة الكويت 1989م.

- فاضل خلف: دراسات كويتية (ط 2) المطبعة العصرية، الكويت 1981م.

- محمد حسن عبد الله: الصحافة الكويتية في ربع قرن (كشاف تحليلي) جامعة الكويت 1974م.

- إبراهيم غلوم: القصة القصيرة في الخليج العربي، منشورات مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة 1981م.

- خليفة الوقيّان: القضية العربية في الشعر الكويتي، المطبعة العصرية، الكويت 1977م.

- سليمان الشطّي: مدخل: القصة القصيرة في الكويت، مكتبة العروبة، الكويت 1993م.

ولا يغفل النقاد بالإضافة إلى ذلك، عن تقويم النزعة القصصية عند خالد الفرج، وهو الذي كانت له محاولة تمثّلت بدايتها - شبه اليتيمة - في قصة «منيرة» التي عُدّت أول قصة قصيرة في الكويت والخليج (مجلة الكويت، نوفمبر وديسمبر 1929م) وتبعتها مسرحيته الشعرية غير المكتملة «في بلاد عبقر ووبار» وقد رصدهما بالتحليل د. سليمان الشطي بمقالات، نشر أحدها في العدد السابع والعشرين من مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية بالكويت، وفي مجلة البيان، رابطة الأدباء الكويتية (عدد أكتوبر 1980م).

وكانت مجلة البعثة الكويتية الصادرة في القاهرة، نشرت في عدد شهر فبراير من عام 1954م (وهو العام الذي توفي فيه) مقابلةً موسّعةً معه تطرّقت لحياته ولإنتاجه الأدبي.

الفرج والإذاعة السعودية:

لم تفصّل المراجع كثيراً في جانب آخر من سيرته، وهو علاقته بالإذاعة السعودية، فلقد ذكر خالد الزيد في كتابه أن الفرج عمل في الإذاعة السعودية بجدة أيام كانت تتبع إداريّاً لوزير المالية عبد الله السليمان الحمدان (أي في حدود عام 1370هـ - 1950 م) وأن ابن سليمان كان معجباً بالفرج وكلفه بالإشراف عليها، وذكر الشيخ حمد الجاسر أن خالداً أقام في الحجاز في تلك الفترة نحو عامين مما قد يعني أن ارتباطه بالإذاعة كان خلال إقامته تلك، غير أنني لم أجد في مراجع الإذاعة ما يثبت أنه أشرف عليها، وقد يكون أسهم في إعداد بعض البرامج وتقديمها فقط.

في المنطقة الشرقية:

ومن الطبيعي - والفضل في ذلك لمثقفي المنطقة الشرقية الذين وثقوا ذلك - أن توجد تفصيلات أوسع بشأن موضوع إقامته في الأحساء والقطيف والدمام، ومسألة تولّيه إدارة بلديتي الأحساء والقطيف، وجهوده في تأسيس أول مطبعة في المنطقة الشرقية (المطبعة السعودية 1373هـ - 1953م) وذلك على النقيض من إقامته في بلاد الشام، التي يبدو أنها كانت في أساسها إقامة مرضيّة، حيث امتدت حتى وفاته بسبب مرض الدرن في أحد مستشفيات بيروت.

وبتتبّع علاقته بالمجتمع الثقافي في أثناء إقامته، التي قيل إنها امتدت نحو خمسة وعشرين عاماً في المنطقة الشرقية، تذكر المراجع أنه قدم من البحرين مع النزوح الجماعي المعروف لعشيرة الدواسر مطلع الأربعينيات من القرن الهجري الماضي (العشرينيات الميلادية) وهنا يذكر خالد سعود الزيد أن الفرج استجاب لتشجيع هاشم الرفاعي - الكاتب آنذاك في الديوان السلطاني - للعمل في المملكة، وأن السلطان عبد العزيز استقبله أحسن استقبال واختاره مشرفاً على بلدية الأحساء ثم القطيف، بينما يُستفاد من سيرة الفرج التي كتبها بنفسه أنه كُـلّف ببلدية القطيف وكان مؤسسها سنة 1346هـ، وأنه بنى له بيتاً جنوب بوّابة القلعة الغربية عند دروازة باب الشمال، وقد رصد الذكير في مقاله المنشور في جريدة اليوم قائمة بالمشروعات البلدية التي نُـفّـذت في عهده، وذكر أن المؤرخ المعروف مقبل عبد العزيز الذكير المشرف آنذاك على مالية الأحساء رشّح الفرج لإدارة بلدية الهفوف، وقد تسنّت له في الهفوف والقطيف والدمام فرصة الالتقاء بمثقفيها.

يقول الأستاذ محمد سعيد المُسلم «إن خالد الفرج قضى معظم حياته في القطيف، وكان لها الفضل في استقراره النفسي، وقد منحها في المقابل إخلاصه ووفاءه وعصارة أفكاره، واندمج في مجتمعها، وأصبح فرداً منهم، شاركهم أفراحهم ومآسيهم، وغذّى الحركة الأدبية فيها، وترك أثراً كبيراً في تطوّر الحياة الفكرية، وكان يلتقي الأدباء والمثقفين من أبناء القطيف».

وبحكم هوايته للطباعة من خلال تجربته السابقة في الهند، بادر الفرج إلى تبنّي إنشاء أول مطبعة في المنطقة الشرقية (المطبعة السعودية بالدمام) التي سعى إلى تأسيسها بدعم من الملك سعود، وقد سافر إلى ألمانيا من أجل شرائها، وتابع تركيبها خلال إقامته الاستشفائية في سوريا ولبنان في العامين الأخيرين من حياته، لكنه لم يحضر تشغيلها، وقد أتاح تأسيسها للصحف الأهلية الناشئة في المنطقة الشرقية آنذاك أن تطبع محليّاً.

وتذكر المراجع أن خالد الفرج شارك أهالي الأحساء في استقبال الملك عبد العزيز في إحدى زياراته للهفوف، وأنه كان أحد أعضاء الوفد المرافق لجلالته في زيارته للبحرين (2 مايو 1939 م في عهد الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة) وقد ألقى قصيدتين في المناسبتين وفي مناسبات أخرى، كما تذكر المراجع مشاركته للشباب البحريني في تكريم أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قدّموا له في القاهرة بتاريخ 29 أبريل 1927م مجسّم نخلة ذهبية مع قصيدة لخالد الفرج تُليت نيابةً عنه، تقول في مطلعها:

من منبت الدر تسليمٌ وتكريمُ

لشاعر اللغة الفصحى، وتفخيمُ

حيّاك في دارنا البحرينِ لؤلؤُها

والنخلُ إذ بَسَمَتْ فيه الأَكاميم

ومن يقرأ في سيرة الفرج يجد أنه تردّد على القطيف والهند والبحرين والكويت في فترات مختلفة من عمره.

عروبيّ ومجدّد:

وعاش خالد الفرج بدايات المخاض السياسي في الوطن العربي، ومـن يتابع سيرته يجد أنه تفاعل مع التحوّلات السياسية التي مرّت بتلك الحقبة، كالاحتلال البريطاني للخليج وقيام الشيوعية واغتصاب فلسطين وبروز القومية العربية والحربين العالميّـتين وقضية الجزائر، وغلبت على شعره نبرة التندّر أحياناً تجاه بعض التيارات، لكنه لم ينهج في تفكيره منهجاً متطرفاً، تقول سعدية مفرّح في مقالها الآنف الذكر:

«على قلق كأن الريح تحته، كان الشاعر خالد الفرج وهو ينتقل من قطر الى آخر حامِلاً هموم القومية مغلّـفة بإطار شعري واعٍ، ليسجلها في إبداعاته الكتابية المتنوعة، ولتصبح فيما بعد تاريخه المضيء على امتداد الخليج العربي كله، ورُبما أبعد من ذلِك الخليج أيضاً،،،، وهو الشاعر الكويتي الذي يحلو لبعض مؤرخي الأدب اعتبارُه سعودياً، على الرغم من أنه لم يكن ليهتم بتحديد تلك الهوية، فقد بقي طوال حياته عربياً حالماً بالوحدة وعاملاً على تحقيقها ليس في أشعاره ومقالاته وحسب، بل وفي مفاصل عملية مهمة في حياته الوظيفية».

وكان مما قاله حمد الجاسر «خرج في شعره إلى مجال أرحب، فعالج النواحي الاجتماعية العامة للأمة العربية، وتعدّى ذلك إلى الإشادة بعظماء العالم الذين خدموا بلادهم، فرثى شاعر العروبة أحمد شوقي وصديقه أمين الرافعي ومجّد الزعيم الهندي غاندي، وبجانب مديحه للزعماء العرب وجّه نقداً لاذعاً لآخرين رأى فيهم اعوجاجاً، وكانت له خبرة بمسألة إصلاح الحروف العربية وألّف في ذلك».

ويقول معجم البابطين: «كان الفرج فاعلاً إيجابيّـاً في كل موقع عمل به، فدافع عن قضايا الخليج العربي والعروبة وفلسطين بخاصة، حيث عاصر أهم مراحل التحوّلات في المنطقة العربية، فرأى من واجبه أن يكون للشعر موقفٌ منها ووعيٌ بها». وقال مقال نشر في مجلة العربي الكويتية بتوقيع كويتية «يعدّ خالد الفرج شخصية نهضوية عربية، وهو لم يكن شاعراً أو كاتباً فحسب، وإنما صاحب رؤية فكرية شكّلت نسَقاً متكاملاً من المبادئ والمفهومات تجسّدت في عمل دؤوب متصاعد مع سنوات عمره في كلّ المواقع التي حلّ بها وأقام (الكويت وبومباي والبحرين والقطيف والدمام ودمشق وبيروت) جمع خالد الفرج العمل إلى القول، فخاض غمار الحياة في مراكز تبني الكيان الحضاري للناس وشؤونهم، وهو في ذلك يوظّف معرفته ومثاقفته للحضارات الأخرى وما تدفّق من معارف وأحوال في العالم الآخذ بالتطوّر والمتسارع في القرن العشرين وصراعاته.. إن شخصية خالد الفرج الفكرية والإبداعية صفحات يتعدد عطاؤها مع تعدد القراءة وزوايا الرؤية لدى النقاد ولا تزال سطور فيها تنتظر قرّاءها».

......................................... يتبع

** ** **

* من محاضرات دارة الملك عبد العزيز بمناسبة اليوم الوطني، منتدى م. جعفر الشايب بمحافظة القطيف (الثلاثاء 28/ 11/ 1435هـ - 23 / 9 / 2014 م).

- الرياض