Saturday 27/12/2014 Issue 456 السبت 5 ,ربيع الاول 1436 العدد
27/12/2014

صالح العديلي في الجزء الثاني من روايته:

«عيال الحدريين» رواية تلتقط أدق تفاصيل الحياة

في الجزء الثاني من روايته «عيال الحدريين» يقيم الروائي صالح العديلي علاقة فنية سردية متقنة مع تفاصيل الحياة في بيئة حكايته الشمالية المعبأة بتراكمات التجارب وتحولات الزمن منذ أن عاش بوصفه شاهدا لمدى عقود على هذه التجربة الفريدة من حياة شخوص وأبطال سكنهم حب الأرض ولم يفارقوها رغم قسوة الحياة ومشاكستها لهم في أحايين كثيرة.

عمل الروائي العديلي بجهد سردي فائق على التقاط أدق تفاصيل حياة أهل الضفة الغربية من وادي الاديرع بحائل، حيث انشغل بوصف الكثير من المشاهد، ودون عن شخوصها الكثير من الطرف والوقائع، فكانت البداية أن أبان الكاتب أن «عيال الحدريين» تاريخ حافل من سيرة الرجال الذين عايشوا أدق التفاصيل، وكانت دارة أو منزلة سالم ومزرعته الصغيرة عنواناً مهماً من عناوين العمل، فهي بمثابة المنطلق الحقيقي لتداعيات الوصف، بل إنها حالة مصغرة ومكتظة بالكثير من الصور المعبرة التي تتعدى حدود التفكير في كونها حكاية فلاح متعب من قسوة الحياة إلى عالم من الصراع الوجداني، والعراك الذهني والجدل المفاهيمي الذي يعد علامة فارقة في ذلك الجيل حينما حمل على عاتقه مهمة بناء الحياة على حافة أو جرف وادي الاديرع الذي يعد هو الشريان الوحيد الذي يقيم للمكان قوته وللحياة حضورها.

برع الكاتب بحق حينما استحضر الكثير من الصور التي وثقها ودون حولها هوامش مهمة تفيد الأجيال لتقرأ هذه الرواية بوصفها سفرا من تاريخ (حدري البلاد) أو آخره، بل إن شباب «عيال» هذا المكان كان لهم قدرة عجيبة على كشف الكثير من الخبايا والقصص التي تعزز دور الراوي ومكانته، فإضافة إلى أنه دونها كشواهد تاريخية ووصف مستفيض لحكاية المكان فإنه حافظ على أسلوب السرد الروائي وتواترت الأحداث بشكل جميل فلم يترك أي شيء للتخمين أو التوقع إنما ساق الكثير من الصور ونظمها في إطار واحد بلا غموض أوحشو أو تزود لتكتمل حكاية هؤلاء الذين يتقدمهم «العم سالم» الذي يكرره الرواي دائما ويسمه بعمي سالم وما حوله من شخوص يرسمون ملامح الحياة في هذا المكان المعبأ بحكاية الماضي وتفاصيل التحول.

لغة الرواية تميل إلى التبسط، وتبتعد قدر الإمكان عن الحشو اللفظي والتصنع البلاغي، بل إنها تذهب في تبسطها إلى استخدام مفردات عامية دارجة في منطقة الأحداث ولا يجد الكاتب حرجا في توظيفها في سياق السرد معتبرا أن هذه المفردات حالة ضرورية لاكتمال النص في ذائقة القارئ الذي يتتبع منعطفات هذه الحكاية التي يبرز فيها «عيال الحدريين» عنصرا فعالا في تصاعد وتيرة النص وبلوغه مكانة متميزة لدى القارئ، فعيال الحدريين أو شباب الأحياء الشمالية الشرقية من مدينة حائل ولا سيما ممن هم على ضفاف وادي الديرع الذين يرى فيهم الراوي قدرتهم على مزج الماضي بالحاضر وتكوين فكرة مشبعة بالتحول والتميز وبقائهم في مكانة ترضي غرورهم وتشبع فضولهم.

ومن خلال هذه اللغة السهلة فإن العديلي وظف الكثير من المشاهد اليومية على نحو معاناة التعليم النظامي وما ارتبط به من طرق ووسائل، إضافة إلى العديد من الصور اليومية التي كانت طارئة على حياة الناس في تلك المنطقة ومناطق أخرى، فلم يغادر أي مشهد إلا ورسمه بشكل متقن، ليخرج منه بنتيجة ما تضيف بعدا تجذيرا لحالة التحول في المجتمع، حيث ترصد هذه اللغة مفردات ومقولات الشخوص الذين يتناوبون على بناء هذه الملحمة الإنسانية من خلال ألفاظ مستوحاة من بيئة قديمة وضاربة في عمق الوجدان.

فالتجربة السردية هنا تميل إلى تكوين رؤية تاريخية توثق لمرحلة التحول والتبدل، فمن حياة بسيطة ومكونات غاية في الطرافة والعفوية إلى مجتمع بات يتخلى عن كل شيء ليلهث وراء المادة، وليبني له أوهاما تعجز من أن تجابهها هذا الصرخات التي يطلقها هؤلاء الذين يرون أن القشور وحياة المدن لا يمكن لها أن تضيف شيئاً في هذا العالم المتماوج في صراعاته وتحولاته، وانقراض الكثير من براءاته وهذا ما سعت إليه الرواية كحفظ وتوثيق لعلها تقيم معادلة الماضي الجميل والإنسان البسيط.

تسنمت ذروة الأحداث في هذه الرواية ما اعتمد عليه الراوي حينما بات يفسح المجال لذاكرة «سالم» لتخط منقولات كثيرة عن أحداث ومصاعب ومصائب مرت بها هذه المنطقة ولاسيما حينما تتحرك الأودية في الجريان لتصب في الوادي الكبير فتثير الهلع، ومن ثم تترك الكثير من الندوب غرقا أو موتا أو معاناة أليمة، لتسود هذه الأحداث الموجعة على ما سواها من طرف ومواقف جميلة ربما تعد محدودة الوجود في ظل هذا التواتر للمعاناة التي عاشتها الناس على ضفاف هذا الوادي المثير للدهشة، والمعبأ بزخم هائل من الأسئلة التي استطاع العديلي وباقتدار الإجابة عنها وترك بعضه ا للزمن فهو الحري بأن يكشف مخبأها.

** ** **

إشارة:

- عيال الحدريين (الجزء الثاني) رواية

- صالح بن عبدالعزيز العديلي

- النادي الأدبي بحائل 1434هـ، 2013م

- تقع الرواية في نحو (206صفحات) من القطع المتوسط