Saturday 27/12/2014 Issue 456 السبت 5 ,ربيع الاول 1436 العدد

مختارات من كتاب مترجم صدر للتو:

«التشيع في سوريا ليس خرافة!» 2-4

ووفقاً لدراسة الاتحاد الأوروبي، فإن الحالات المعروفة للسُّنة الذين تشيعوا لا يمكن أن يُعزى تشيعهم لأسباب اجتماعية أو اقتصادية عادية وطبيعية في أي من الطوائف؛ ففي دمشق، على سبيل المثال، ينتمي 64.4 في المئة من المتحولين للمذهب الشيعي إلى أسر ذات مداخيل متوسطة/ مرتفعة من فئة التجار والمهنيين. الغالبية العظمى منهم (69 في المئة) حاصلة على الأقل على شهادة الثانوية العامة. وفي حلب، أيضاً، وُجد أن 61 في المئة من المتحولين جاؤوا من الطبقات المتوسطة أو العليا. وبين الفقراء كان 39 في المئة من المتحولين ينتمون إلى عائلات ذات أصل شيعي سابق (وبالتالي يكونون قد [جددوا] انتماءهم الشيعي)؛ ولذلك من المحتمل أن تحولهم له أسسه الدينية. وبين السنة كانت نسبة المتحولين لأسباب مالية (في جميع المحافظات التي شملتها الدراسة) لا تتعدى 3 في المئة.

دور حسن نصر الله وحرب تموز 2006

وأكدت نتيجة أخرى للدراسة وجود نسبة من المتحولين السنة، الذين زعموا أنهم تشيعوا بعد حرب لبنان عام 2006، وذلك (بدافع الحب لحزب الله وحسن نصر الله).

أما بالنسبة إلى تحول العلويين في جميع المحافظات السورية فقد وجدت الدراسة أنه، بخلاف السنة، كانت الغالبية العظمى (نحو 76 في المئة) من الطلاب أو العاطلين عن العمل. وكذلك أكد رجل دين علوي في طرطوس تحول بعض العسكريين. وشهادته مهمة؛ لأن المعلومات الرسمية عن العسكريين ليس من السهل الحصول عليها. وكانت الأغلبية الساحقة (84 في المئة) من المتحولين الإسماعيليين، مثل المتحولين السنة، من أسر من الطبقة الوسطى/ العليا.

استمرار التشيع سيؤدي لانقراض العلويين والإسماعيليين خلال ربع قرن

وتوصلت دراسة الاتحاد الأوروبي إلى أنه إذا استمر المعدل الحالي للتشيع بين الإسماعيليين والعلويين في سوريا بلا انخفاض فإن الطائفة الأولى ستنقرض في سوريا في غضون عشر سنوات، والثانية خلال ربع قرن.

وكما سنشرح هنا لاحقاً، فإن هناك أدلة حكائية كثيرة من مختلف محافظات سوريا، تشكك في الاستنتاجين الأول والثاني أعلاه.

دور المزارات الشيعية في سوريا

هناك العديد من المزارات الشيعية الدولية المهمة التي تعتبر بمنزلة مراكز مهمة للوجود الشيعي في سوريا، وتجذب كذلك آلاف الزوار من الخارج. المزارات تمول نفسها مالياً، وتتبع وزارة الأوقاف. ولكن بالرغم من ذلك، استغلت إيران هذه الفرصة لبسط نفوذها في سوريا عن طريق تمويل مشاريع لتطوير بعض هذه المواقع.

الشيعة السوريون الأصليون يعيشون غالباً في أحياء مختلفة من العاصمة نفسها، وكذلك في عدد قليل من البلدات والقرى في محافظتي حمص وحماة. معظم الشيعة العراقيين في سوريا يقيمون في منطقة السيدة زينب إلى الجنوب من العاصمة دمشق، وهي المنطقة التي نمت حول واحد من أهم المزارات الشيعة: قبر زينب حفيدة (بل ابنة) علي بن أبي طالب (ر). مقام السيدة زينب هذا، الذي تُستخدم مرافقه للمحاضرات والاحتفالات الدينية، وكذلك لتوزيع المطبوعات الدينية التبشيرية الشيعية، هو أكبر مركز شيعي في سوريا. إضافة إلى ذلك، يزور العديد من الحجاج الإيرانيين المقام. ومن اللافت زيادة عدد الحجاج الإيرانيين بصورة فلكية من العام 1978 إلى العام 2003. وجلبت هذه الزيادة - بالطبع - زيادة في النفوذ الإيراني في سوريا.

مزار السيدة رقية هو ثاني أهم مزار شيعي من حيث عدد الزوار في سوريا. ونظراً إلى موقعه المركزي داخل العاصمة فإنه يجلب الحشود الكبيرة للصلاة العامة اليومية وصلاة الجمعة الأسبوعية. ويُعتبر إمام المسجد السيدة رقية، الشيخ نبيل الحلباوي، واحداً من الشخصيات الشيعية البارزة في سوريا.

وفي بعض الأحيان أدى وجود الأضرحة الشيعية في سوريا إلى تدخل إيراني، نتج منه احتكاك. في بداية التسعينيات شيد الإيرانيون على قبر السيدة سكينة، الواقع في مقبرة (الباب الصغير) في دمشق، قبراً كبيراً فوق القبر القديم. لقد اشتروا الأراضي التي حوله لبناء فناء كي يستوعب الحجاج الإيرانيين الذين كانوا بالمئات، ثم أصبحوا بالآلاف، الذين بدؤوا يحجون للموقع الذي أصبح الآن يسمى بـ(مقام السيدة سكينة)، حفيدة الإمام علي بن أبي طالب(ر). وبعد أن اشتروا الأرض بدأ الإيرانيون أيضاً ببناء حسينية كبيرة جداً على الأراضي التي اشتروها. المبنى الكبير في داريا، القريب جداً من دمشق للغاية، لا يزال قيد الإنشاء، ولكن المحال التجارية والمباني السكنية التي أُنشئت من حوله بدأت تعمل، وكذلك الفنادق، استعداداً لإنشاء مركز شيعي في مدينة داريا. وقام مسؤولون إيرانيون بارزون بزيارة الموقع للتعبير عن دعمهم لهذا المشروع. أحدث وأبرز هؤلاء الزوار كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بنفسه، الذي وصل الموقع خلال زيارته الأخيرة إلى سوريا في 20 يناير 2006.

طُرد رئيس البلدية المتعاطف

مع سكان داريا

كان سكان البلدة على بينة بالخطط الإيرانية لمدينتهم، واحتجوا لدى رئيس البلدية، الذي كان يؤيدهم. ولكن النظام السوري، وبخاصة أجهزته الأمنية، اتخذوا موقفاً قاسياً من السكان، وطُرد رئيس البلدية المتعاطف معهم، وعُين آخر. وأبلغ رئيس البلدية الجديد أهالي البلدة بأنه لا يمكن أن يفعل شيئاً لأن الأمن هدد بعواقب وخيمة على المدينة بأكملها إذا استمر سكانها في الاحتجاج على المشروع الإيراني. اللوحات التي على الضريح والمحال كلها باللغتين العربية والفارسية. ونتيجة لهذا التطور في المنطقة ارتفعت أسعار أراضي وإيجارات المحال التجارية بصورة فلكية.

التاريخ السابق للتشيع في سوريا

التشيع له تاريخ طويل في سوريا، يرجع إلى القرن السابع الميلادي، على الرغم من أنه لم يصبح سائداً هناك إلا في القرن العاشر الميلادي. وواصلت العقيدة الشيعية الانتشار خلال فترة صعود الدولة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية (969-1172م)، التي حكمت مصر، ثم بسطت سيطرتها على سوريا خلال القرن الحادي عشر الميلادي. ولكن لاحقاً بدأ التشيع في سوريا يزول بسبب محاربة السلالة الأيوبية (1171-1250م) له، وفيما بعد محاربة الدولة العثمانية (1517-1798م) له. وبحلول أوائل العصر الحديث أصبح معتنقو المذهب الشيعي الإثني عشري في سوريا أقلية هامشية.

أول وأبرز عالم شيعي حديث عمل على نشر التشيع في سوريا كان العالِم عبد الرحمن خير (1925م)، ولكن لم تتحول إلى أعداد كبيرة إلا بسبب أنشطة جميل الأسد المكثفة، الشقيق المتدين للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وذلك خلال الثمانينيات.

موسى الصدر يضع

أسس الاتجاه إلى التشيع

ويمكن تتبع بدايات الاتجاه إلى التشيع في الماضي إلى زيارة موسى الصدر في عام 1974 إلى شيوخ الطائفة العلوية في جبال اللاذقية في المنطقة الساحلية من البلاد. وقد سبقه آية الله الشيرازي، الذي أصدر الفتوى الشهيرة التي تفيد بأن أهل تلك المنطقة ينتمون إلى الشيعة الإثني عشرية. وبدأ جميل الأسد بتشجيع التحول إلى المذهب الشيعي في المنطقة نفسها، وبخاصة بين أعضاء الطائفة العلوية. لقد بعث مجموعات من العلويين إلى إيران لدراسة المذهب الإثني عشري، وبعد عودتهم إلى سوريا نشروا العقيدة الشيعية بين زملائهم العلويين. وبنى جميل الأسد حسينيات في الجبال؛ إذ لم يكن هناك من قبل سوى أضرحة علوية. ومن أجل جعل التشيع أكثر قبولاً لدى الناس هناك عُيّن شيخ شيعي إماماً لمسجد الزهراء العلوي في مدينة بانياس على الساحل السوري.

دهاء حافظ الأسد

وخداعه لعلماء السنة

وبعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1970 أعرب بعض كبار رجال الدين السنة عن معارضتهم لرئاسته بسبب كونه علوياً، لكنه تعامل معهم بدهاء؛ إذ بدأ بحضور الصلوات في المساجد السنية، وأقام حفلات الإفطار خلال شهر رمضان لرجال الدين السنة.

وعمل حافظ على أن يقوم شقيقه جميل بتأسيس جمعية المرتضى العلوية، وهي جمعية خيرية طائفية، تصبو إلى تنصير أبناء السنة، أي دعوتـهم لاعتناق النصيرية، وهو المسمى الأصلي للطائفة العلوية، مع فروع في جميع أنحاء سوريا. أنشأ حافظ الأسد جمعية المرتضى من أجل إظهار أن العلويين ينتمون إلى المجتمع الأكبر من الشيعة وليسوا أقلية.

وبعد بعض البحث العميق طلب حافظ الأسد من آية الله محمد حسين فضل الله أن يعمل في سوريا. افتتح فضل الله مكتباً في حي السيدة زينب في دمشق، وبدأ التلفزيون السوري لاحقاً ببث برامج للمبشر الشيعي العراقي عبد الحميد المهاجر. ولكن بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000 تضاءل تأثير فضل الله إلى حد ما، وحلّت مكانه السفارة الإيرانية من خلال الملحق الثقافي في حلب.

وبالرغم من أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد حافظ كان على تحالف استراتيجي مع إيران إلا أنه لم يسمح لمبادئ الثورة الإيرانية بالتغلغل في سوريا. وفي الواقع، لقد قام بمنهجية وحزم بتقييد الوجود الإيراني، وذهب في بعض الأحيان إلى حد إغلاق مؤسسات ممولة من قِبل إيران، بما في ذلك العيادات. وحاول الإيرانيون الدخول إلى المناطق التي يسكنها العلويون من خلال استغلال الانتماءات الدينية المشتركة معهم، ولكن الرئيس السوري الأب اتخذ عدداً من الخطوات داخل وخارج مجتمع الطائفة العلوية للتأكد من أن محاولة إيران لاختراق سوريا لن تنجح. وأمر الرئيس أيضاً مفتي سوريا، أحمد كفتارو، بإنشاء مدارس للدراسات القرآنية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك في المناطق ذات الأغلبية العلوية في البلاد. وسميت هذه المدارس بـ (معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم)، كما منع أيضاً إرسال الطلاب لدراسة الدين في إيران.

زيادة النفوذ الإيراني في سوريا

عندما أصبح بشار الأسد رئيساً بدأ التوازن الذي وضعه والده بخصوص النشاط الإيراني في التحول لصالح النفوذ الإيراني والتشيع. دشنت حملات بين السوريين السنة العاديين لتشجيعهم على اعتناق المذهب الشيعي.

وسائل الإعلام السورية تروج للتشيع

وقد جرت تحت حكم بشار الأسد الكثير من التغييرات في الدعاية الرسمية، على النحو الواضح في برامج القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية ومحطات الراديو المتاحة في سوريا. السوريون أيضاً يمكنهم رؤية بعض الشبكات الأجنبية، مثل قناة المنار التي تبث من لبنان، وتعزز التشيع في سوريا وأماكن أخرى. وهناك أيضاً عدد من القنوات المحلية التي تبث الأفكار الشيعية، والصور والمحاضرات والتفسير القرآني، وتبث علناً المحتوى التبشيري. التلفزيون السوري يقدم أسبوعياً (على الأقل) برنامجاً لمدة ساعة للمبشر الشيعي عبد الحميد المهاجر. كما يبث برنامجاً تبشيرياً للعراقي عبد الزهراء، وبخاصة خلال شهر رمضان، عندما يفسر الآيات القرآنية، ويلي ذلك أناشيد في مدح أهل البيت. مصدر آخر للمواد الشيعية هو محطة راديو إف إم، التي تبث مواد فكرية وسياسية مماثلة لمواد حزب الله في لبنان، و(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق).

كما يشجع نظام بشار الأسد على ظهور شيوخ موالين لإيران في وسائل الإعلام على حساب رجال الدين السنة، ويستخدم رجال الدين الشيعة وسائل الإعلام الرسمية لإعطاء دروس محتواها جدلي، ويثير الخلاف بين السنة والشيعة (مثل: موقفهم تجاه صحابة النبي(ص)). وقد أدت المواقف التي اتخذها الشيوخ الشيعة لردود فعل حادة جداً، وخصوصاً في دمشق، ولكن في مناطق أخرى أيضاً، مثل حلب وضواحيها.

.......................................... يتبع

ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com