Saturday 29/11/2014 Issue 453 السبت 7 ,صفر 1436 العدد
29/11/2014

العملاق 5

أيها العملاق: وأنا أنظر إليه وأقول بصدق إنه عملاق في جسمه وعقله وحياته قلت: إن ذريتك تجاورت فيِ أودية وجبال فقال العملاق: حتى تكونوا بطوناً وعشائر تكاد تتنافس وتتصارع، وتكاثرت الأموال من الإبل والخيل والأغنام حتى أصابني التعالي والعجب فأنا عشت سلطانا لهم، حاربنا قبائل أخرى للتنازع حول الأراضي والغابات وبين عشية وضحاها فقد الجميع، فأنا ظللت مائة عام وحيداً وحزينا أجوب الديار ولكن داهمهم الدمار كذلك أسأل فأقول: هل لك أن تحدثني عن طبيعة الحياة الاجتماعية كالمنازل. وكيف الارتحال والنزول قال أيها البدوي سؤالك هذا يدل على عصر التصحر والجفاء والضعف وقلة القدرة نحن في عالم آخر غير الذي تعيشون فيه, فنحن لم نستخدم بيوت الشعر وخيامه فهذه ربما تكون للدجاج وصغار الحيوانات، نحن نستخدم ظلال الجبال ونلجأ إلى الكهوف وتارة إلى الغابات الكثيفة السامقة في عنان السماء آه ما أجمل تلك الطبيعة، كانت الينابيع والجداول لها خرير من الجبال وتتدفق من العيون، كانت الأرض جميلة بأزهارها وظلالها وثمارها.

ألم تر أيها الباحث العاجز عن الحقيقة إلى آثار المزارع فيِ الجبال ومحاضن التلاع قلت بلى فإني كلما سرت وقفت على أثر من آثار الإنسان القديمة لكن تداخل الأزمان جعلني في حيرة، فأرى وظائف متعددة لكل موقع أثري فتارة أقول لماذا بني في بدايته وتارة أجد فيه آثار مقبرة ومرة أخرى أجد معالم الرقابة فيه وتارة يخيل لي أنها مخازن للأغذية، وتارة أقول أنها مساكن الأطفال، وكثير ما أجد مأوى للسباع والضباع والذئاب وقد استعملها أجدادنا لمبارك الإبل شتاء.

(2)

ثم أردفت قائلاً فهل أنت أدركت بناءها وما وظيفتها عندكم لاسيما وأنها لا تتسع لكم ولا لنسائكم، وقد كنت قبل رؤيتك أظنها غرفا تستوطنها ودعم هذا التأويل تقارب الأبناء من أبيهم سئل إذا بلغ الأبناء وتزوجوا بنوا لهم بنيانا في روج أو سقيب ليس بالبعيد عن الأب.

قال العملاق: أنا عايشت مراحل هذه التطورات من قبل، فنحن نقوم بتشذيب الحجارة ونبني فيها وقد اهتدينا إلى أن تقوم السقوف من صميم الحجارة ذاتها لها نظام بناء خاص تتواصل حتى تقترب وتكونُ سقفا، ونحن نمتلك قدرة جذب الحجارة من أماكن بعيدة وتارة نشذب الحجارة الصلدة ألم ترى الحجارة السوداء التي تكونت منها المدن وهي مصنعة قلت بلى:قلت ما هي الآلات لتلك الصناعة قال: هي الحديد ألم ترى إلى بعض الجبال وتحتها أنفاق كبيرة ومعالم الآثار والحفر بل الحجارة المستخرجة من الباطن:قلت رأيت ذلك ثم قلت لعلنا نتعرف على أسباب وجود هذه المباني في أعالي الجبال والمطلة على الأودية:

قال العملاق: أنت لا تنظر إلى التكوين الأرضي كما تراه ففي أيامنا لا وجود للأودية العميقة هذه إنها تكونت نتيجة جري السيول أما في العصور السابقة فالمباني مطلة على مجاري المياة وأكثر مزارع أو أشجار مثمرة بطبيعتها ألم تسمع بالتين البري وشجرته الحماط، وقد تضاءل حجم الشجرة والثمرة قلت: بل وقد شاهدته وأكلت من ثمرته، ومثل الزيتون والأشجار الحمضية وأشجار لها أثر تنبت الثمار والخضار والحبوب فحبة القمح تعادل حبة الحبحب، وحبة العنب تعادل التفاح وقد ذكر المؤرخون العنب التبوكي الضخم.

فقال العملاق: أنا أدركت ذلك وأكلت من تلك الثمار.

(3)

فقلت: معناها إنها تماثل أرض اليمن السعيد قبل انفجار سدَ مأرب.

فقال: كنا نسافر من صنعاء إلى بيت المقدس لا نحمل زادا ولا ماء ولا ناراً فالنار نأخذها في شهاب والأكل في كل ناحية والقرى متواجد.

قلت له: تشعر بالمأساة والألم بفقد تلك الخيرات وتصخر الأرض ونضوب الينابيع وفقدان المزارع.

فقال. أنها سنن الحياه والذي جعل الأمر أهون هو التدرج في هذه المراحل وقديما عايشت التطور من الاستقرار إلى الارتحال ومن التحضر إلى البداوة تماما مثل أجدادنا الذين قصرت أموالهم وأعمارهم ومات الكثير من جوعى ومرضى وفتكاً وحرباً حتى أنهم يفتقدون الإنسانية فيقتل بعضهم بعضاً من لأجل بئر ماء أو حائط أو لقمة عيش أوناقة ضالة.

قلت أيها العملاق: إنك مخزون فكرى لعلى أحاورك كثيراً، فقد داهمني الإرهاق فالنفوس والعقول ضعفت مثلنا مثل أجسامنا.

- تبوك Masd_300@hotmail.com