Saturday 29/11/2014 Issue 453 السبت 7 ,صفر 1436 العدد
29/11/2014

المصائب الفقهية!

الموقف السلبي المؤدلج ضد بعض مفردات التشريع كثيرا ما يدفع باتجاه تشويه النصوص ومحاصرتها والاستماتة في إزاحتها عن دوائر الفعل المؤثر والفاعل في مفاصل المشهد.

النص هنا يراد إعادة تشكيله والتحوير في ملامح بنيته خدمة لهذا الفكر أو ذاك في مغالطات علمية فاضحة تقلل من قيمة النص وتعزز من فرص تجاوزه ومصادرة مقتضياته وعدم الاحتكام إلى مضامينه المعتبرة، وهذا يتجلى في كثير من الأطروحات المعاصرة حينما تتناول - وبارتباك علمي ملحوظ! - قضية الحدود كحد الرجم مثلاً فهي تتعسف في نفي هذا الحد معتبرة أن إقراره ليس إلا لونا من «المصائب الفقهية» على حد تعبير الدكتور محمد المختار الشنقيطي في حملة تغريدات تويترية مقررا فيها عدم موضوعية هذا الحد، مستندا في ذلك إلى عدم وجود أي إيماءة نصية لهذا الحد في القرآن الكريم وأن ما ورد من ذكر له في السنة فهو ليس إلا معلولاً يفترض عدم ترويجه إلا مقرونا بالإشارة إلى علته هكذا يقرر الدكتور، مع أن تلك الأحاديث المروية قد تكون في الصحيحين أو في أحدهما وعلى مفاهيمهما تواردت أقوال العلماء بل وتتابعت إجماعاتهم.

بعض الأطروحات في هذا السياق تبدو وكما لو كانت في ورطة وفي حالة إحراج حاد يدفعها للبحث ولو تعسفا عن مخرج يخلصها من هذا الحرج، بل حتى ولو كان هذا المخرج لا يتأتى إلا عبر التشبث ببعض الآراء الفقهية الشاذة وتصويرها وكما لو كانت ضربا من الخلاف الفقهي المدلل وعلى نحو يفرض وضع اعتبار له في هذا السياق!.

القول الشاذ في كثير من مثل تلك الأطروحات يستدعي للتخلص من مأزق فقهي - هو مأزق من وجهة نظر تلك الرؤية!-لا سبيل إلى تجاوزه إلا عبر تكثيف حالة الممانعة ضده حتى ولو كان يترتب على ذلك ضرب من الالتفاف على النص وعدم التسليم بمقتضياته بل والتعاطي معه باعتباره حجر عثرة لابد من التخلص من عقابيله, وحينئذ, وحينما يضعف البعد التسليمي وتتضاءل درجة التعظيم للنصوص يتيه الوعي وتضمر حيوية المعرفة ويتخبط العقل وتتعطل آليات التأويل المعرفي الخلاق كنتيجة طبيعية لضعف الإذعان للنص وعدم تعظيمه, هذا التعظيم الذي أومأ إليه الإمام (الهروي) في (منازل السائرين) حينما أكد على محورية «تعظيم الأمر والنهي وهو أن لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرض التشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد»1/87.

إن البعد العلمي والتأصيل المنهجي يضعف حضوره كثيرا حينما تطغى القراءات الرغبوية ويصبح الهم المسيطر هو مجرد النفخ في بعض الأقوال الواهنة وتسويقها والاحتشاد خلفها مع أنها قد تعد نشازا في سياقها لافتقارها للرؤية المنهجية المؤسسة على البعد المعرفي الممنهج.

إن الواقع بطبيعته ضاغط والمعطيات الراهنة تدفع - طوعا أو كرها- باتجاهات تأويلية معينة والظرف العالمي المعاصر وملابساته المعاشة وطبيعة بنيته العامة قد تحول دون التلبس بشرط التجرد وهذا كله مظنة الإخلال بمقتضيات الموضوعية وعلى نحو قد يندفع الباحث جراءه - بوعي أو بدون وعي - إلى تزييف الرؤى وقلب الحقائق وتضليل الوعي العام!.

- بريدة