Saturday 31/05/2014 Issue 440 السبت 2 ,شعبان 1435 العدد
31/05/2014

الشطارة وأخواتها

عبارة «شاطر» ومصطلح «الشطارة» مختلفان كلياً بين القديم والحديث؛ بل في استخداماتهما المختلفة بين بيئة عربية أو لهجية إلى أخرى. فقد كانت العبارة قديماً - بالرغم من أنها لغوياً تدل على المقاسمة - متعددة الدلالات؛ فمنها ما يدل على بعض الحيوانات كناية (الحمار على وجه الخصوص)، وبعضها - في وقت متأخر نسبياً - يتعلق بمفاهيم مهنية سلبية لمن يمارس اللصوصية بخفة يد وخداع؛ فأصبحت في فترة ازدهار المدن العربية الوسيطة دالة على من يوصفون بأنهم «الشطار» (وهو وصف مهذب للصوص). أما في العصر الحديث فقد بدأت المفردة مقترنة بإجادة الصغار واجباتهم المدرسية، أو إظهارهم قدرات أو مواهب بارزة؛ فيكال لهم المديح والإطراء بأنهم «شاطرين» (بمعنى آخر ممتازين أو يفوقون أقرانهم). وفي هذا المقصد نجد الأغنية الخفيفة التي غنتها نانسي عجرم متجهة إلى هذا المفهوم الإيجابي :

شاطر شاطر ..

ياللي بيسمع كلمة أهلو

شو بنؤل لو : شاطر شاطر

ياللي بيأعد عائل وحدو

شو بنؤل لو : شاطر شاطر

ياللي بينجح في مدرستو وما بيزعّل معلمتو

بنحبو ونؤل لو : شاطر شاطر

لكن سلوكيات سلبية أخرى اقترنت ببعض أنماط من الشخصيات المضطربة، التي تقترب من وصف العصور الوسطى لشخصية «الشطّار»، لكنها تلبس لبوساً مداهناً للحياة المدنية. أما في واقعها فليس لها علاقة بمنظومة تلك الحياة، ولا تنضوي تحت قانون التعايش مع الأنظمة التي يرتضيها الناس في إطار تعاملهم الجمعي، أو القيم السائدة في تنظيم اجتماعي أو علمي أو رياضي أو ثقافي معين.

من تلك النماذج ما يمكن أن يطلق عليه «سوبر أناني»؛ فحيثما وُجدت مصلحته كانت التبريرات جاهزة لأن يكون ذلك طريقه الذي يختاره، وكلما تناهت به الخيالات كانت المنفعة الذاتية هي ما يسعى إليه في تصوراته. أحاول أحياناً أن أهادن مثل تلك النماذج؛ لكي لا تستثيرني بقبحها وصلافتها وسوء أثرها، لكنني لا أنجح في ذلك كثيراً، ولا أوفَّق في استبطان النكد من وجودها على أقل تقدير.

في الشوارع - خاصة في المدن السعودية الكبيرة - يسيطر نمط مؤذٍ من تلك الشخصيات التراجيدية، سواء في التعامل مع المساحات المكانية فيها، أو من خلال إظهار النزق في علاقتهم مع الآخرين، وعدم الاعتراف بأحقية غيرهم في التشارك معهم في منافع الطريق، وحقهم المماثل في الحصول على امتيازات مناسبة لوضعهم ومدى قيامهم بما هو مطلوب في كل موقف من مواقف حياة الناس وتعاملاتهم. وهذا النموذج يعطي لنفسه الحق بتجاوز الآخرين، سواء في قاعات انتظار، أو طوابير للحصول على شيء في ترتيب معين، أو كان الأمر في طريق مليء بالمركبات؛ فعندما يزداد فيه الزحام فإن مثل هؤلاء لا يتورعون عن عمليات تجاوز وقحة باستخدام مسارات غير نظامية، أو باستخدام طريق سير مخالفة، وتعريض الناس في تلك الطرق إلى الخطر. وربما شملهم التأخير أيضاً، بعد أن يسببوا عرقلة لسلاسة الحركة وانسيابها. فهل تتماشى هذه الصورة مع ما كان يوصف به أولئك «الشطّار» في العصر العباسي؟ الغريب أن مصطلحات عدة يستخدمونها هم أنفسهم للإشارة إلى هذا السلوك، منها «الفهلوة» (ومنها يأتي وصف «فهلوي»)، أو أوصاف بالتشابه مع الحيوانات المفترسة، مثل: «ذيب» أو «سبع»، لكن دون بعض الحيوانات الأخرى، مثل: «ضبع» أو «ثعلب»؛ فهذه لها دلالات سلبية. وبين «شاطر نانسي عجرم» أو حتى «شاطر مدرس العلوم أو الرياضيات»، عندما يتبرع التلميذ بحل سليم لبعض المسائل، مروراً «بشاطر السخرية»، عندما يأتي أحدهم بالعيد (على رأي التعليقات الشعبية المعاصرة)، إلى «شاطر الفهلوة والبتْونة والذيابة»، يوجد قاسم مشترك هو خروج جميع تلك الأنماط عن النسق المعهود.

- الرياض