Saturday 31/05/2014 Issue 440 السبت 2 ,شعبان 1435 العدد

سعد البواردي

استراحة داخل صومعة الفكر

31/05/2014

وطني ومشاعر قلب

صالح بن سعيد الهنيدي

117 صفحة

من القطع المتوسط

من فينا لا يتغنى بالوطن، ويتمنى له السلامة والعزة والأمن باعتباره التراب، والتراث، والتاريخ، والأهل، والسكن.

الذود عن حياض الوطن فداء، والكلمة الشعرية أو النثرية للوطن وعن الوطن رسالة ونداء. وهذا ما التفت إليه شاعرنا الهنيدي واصطفاه عنواناً لديوانه..

من حيث البداية نبدأ مع تساؤله وتعجبه «أفلا أحبك؟!»

وطني وهبتك خافقاً ولهانا

ونثرت فوق جبينك الأوزانا

وطني، وتسبقني الحروف وتنثني

فرحاً وتقطف من هواك حنانا

ليته أبدل كلمة «تنثني بتنتشي».. وكلاهما صحيح..

وطني بذرتك في الفؤاد محبة

فنبت في أقصى الجوى شريانا

إن كان حب العاشقين من الورى

ترفاً، فحبك فجَّر البركانا..

حب الوطن يا عزيزي شرف لا ترف لك ولغيرك.. إنه عنوان وجود وانتماء..

يطرح شاعرنا استفهاماته ذات النكهة التعجبية متسائلاً:

أفلا أحبك والمبادئ كلها

تجري إليك على المدى جَريانا؟

أفلا أحبك والعقيدة والهدى

ملأت فؤادك حكمة وبيانا؟

إنه يحب وطنه وفي افتتان لا حدود له.. ومن حبه يغار عليه ويخشى مكيدة الحاقدين والحاسدين

الحاقدون عليك أكبر همهم

أن يسلبوك مكانة وأمانا

عقدوا مع الشيطان حلفاً فاسداً

وفّوا به. وتقدموا الشيطانا

أخذوا من الأعداء راية حقدهم

حتى استعاروا منطقاً ولسانا

هذا عن الحب.. وعن الخوف على هذا الحب أن يضار بأذى.

قصائد أخرى عن الوطن لها نفس الإيقاع.. ونفس الوقت (مساء الحب يا وطني.. و»موتوا بغيظكم»

ومن نبضاته الوطنية هذه الأبيات المعبِّرة:

وطن، وفي أحشائه وطن

غال.. ولكن ما له ثمن

وطن يعيش بعمق أفئدة

وهو الذي لحياتها سكن

تستنطق الأفراح بهجته

ويذوب في أفراحه الوهن

حبذا لو أبدل كلمة (يذوب) بمفردة (يموت)..

هذا عن وطنياته.. ماذا عن غيرها؟!

من حب وطن شدا به في أكثر من قصيدة يأخذنا إلى «نفح الهوى»

بين لفح الهوى، ونفح العبير

جئتُ تختال فرحتي في مسيري

جئت والحب لفتح الحاء شوقاً

ويغذي من بوحه عصفور

ملاحظتان.. لماذا فتح الحاء؟ أليس القلب أكثر اتساعاً من كل الحروف؟ ثم ألا ترى معي أن مفردة يغني أنسب من كلمة يغذي؟!

يرتوي الشوق من ينابيع حبي

وفؤاد يقتات فيض الحبور

يا شميم العرار جئت زكيا

فيك صارت أنوف أزكى العطور

العطور يا صديقي لا أنوف لها لأن رائحة الشم لنا، حسناً لو أبدلت أنوف بأوف.. ومن شم العرار إلى شفة الأحلام..

صبي على شفة الأحلام من أرقى

وسافري في لهيب القلب واحترقي

وغردي فوق غصن الشوق يا أملي

أنشودة الحب زفيها إلى الأفق

ندى رحيق الهوى في قلب أغنية

وعانقي نسمات الروح وائتلقي

بهذا الإيقاع المفرد يطرح سؤله لطيفه الجميل:

أليس يكفيك أن القلب ما برحت

شجونه ترتوي من منبع القلق؟

تزاحمت لغة الأشواق في شفتي

وبات عشق صبايا الروض من خُلقي

بماذا كان يبحث شاعرنا.. وعمّاذا كان يبحث؟ إنه يجيب:

أتيت أبحث عن حسن أهيم به

وما يترجم أتعابي سوى عَرَقي

أتيت أركض والأوهام تجلدني

واستدل على الأحباب بالعبق

ما زلت أتبع حرفي في المدار وقد

تاهت مسافة يومي والتوت طرقي

لستَ أول يبحث عن الحب دون صب.. الضياع على درب الحب هو الذي يُفجّر الطاقة الوجدانية للوصول إليه، والحصول عليه.. لا داعي للخوف في ميدان الحب متى جاء عن ظهر قلب..

أتجاوز بعض قصائده «يا كريم الأصل» «البناء الشامخ» «يا فارس الإعلام» وأتوقف عند «ربة الخلجات.. وهذا مطلعها:

زرع الحنين بخافقي وردا

فشممت من عبق الهوى رندا

إلى أن يقول:

يا ربة الخلجات لي قلب

هش العزيمة لم يعد جلدا

رفقاً بقلبي يا معذبي

وضعي لآلام الجوى حدا

إن الهوى يشوي مشاعرنا

ويمد في آلامنا مدا

ولأنها وحيدة أحلامه وآماله دون سواها خاطبها.. وخطبها:

انا ما تتيم مشاعري ليلى

كلا ولا أرنو إلى سعدى

سيان عندي أن أرى طرفي

وجه الطبيعة أو أرى هندا

وينتهي به الخطاب مع فارسة أحلامه وقد قربنا إلى طيفها.. وإلى حيث تشخص عيناه:

شوقي إلى المخواة يمطرني

غيث الحنين. وينشر الرعدا

هي سلوة الوجدان مذ وعدت

قلبي الجريح. وما وفت وعدا

وأتيت يا مخواة يدفعني

شوقي لكم ويشدني شدا

ويبدو أن الحنين طوى مساحة البعاد كي يسعد:

من فرحتي ألجمت أسئلتي

وبنيت فوق تعاستي لحدا

أسرجت خيل الحب منتشياً

ونسيت من أفراحي البعدا

ويختتم قصيدته الجميلة بهذا البيت المعبِّر:

إن تُتْهمي فتهامة وطني

أو تنجدي يكن الهوى نجدا

«بركان الشوق» «رسالة عتاب» «رهين سري» «لغة الأفراح» «استغراب» «مداخلات شعرية» «انسياب مشاعر» «غزو الشعر» «سمو إحساس» «مساء الشعر» «ازدهار الحروف» وجلّها قصائد مناسبات ومداخلات.. واختتم الرحلة مع شاعرنا صالح الهنيدي بمقطوعته (بحر عينيك) المهداة إلى شاعر الحزن الدافئ (يحيى السماوي).

في بحر عينيك يطفو الحزن والألم

وفي فؤادك يلهو الهم والسأم

ومنك تعتصر الأحزان خمرتها

وكأسها من جراح القلب مُختتم

بهذا الإيقاع الشعري الجميل بث الشكوى كما لو أنه شاعر الحزن الدافئ.. كيف لا والسماوي الشاعر العربي يقضي الغربة بعيداً عن وطنه وعن أهله.. وعن عربه..

يا شاعر بوحه يشوي خوافقنا

ويستفز أواراً منه نضطرم

رفقاً بقلبك إن الهم ينهشه

وما أظن جراح القلب تلتئم

يعزي.. ولا يعزي لأنه لا يقدر على طي مساحة الاغتراب.. لا يملك مفتاح الحل لشاعر يحب وطنه وأهله.. خذله الوطن.. وطارده الأهل.

مهاجر أنت في أعماقنا نغماً

فلتستقر بأقصى القلب يا نغم

تركتُ مملكة الوجدان مشرعة

وأنت فيها متى ما جئتها حكم

هذا كل ما يقدر عليه.. وجدانه.. عنوانه.. إنسانه مفتوحة لشاعر الغربة دون حدود.. دون إقصاء. ودون مطاردة.. ومع كل هذا يعتذر وكأنه لا يكفي..

يا شاعر الحزن عذراً إن بدا نغمي

معاندًا وأتت من بوحه التهم

أما لحزنك تستريح به

من العذاب؟! فخلِّ الشعر يبتسم

بين عذاب الاغتراب.. وعذوبة الشعر.. تقاطع حلو. مر. قاسمه المشترك الأعظم وفاء شاعر لآخر تجمعهما خاطرة شعور جميل تترجمه الكلمات لا يحتاج إلى ترجمة.

- الرياض ص. ب 231185 - الرمز 11321 ـ فاكس 2053338