الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st February,2005 العدد : 94

الأثنين 12 ,محرم 1426

رسالة إلى مغترب
عدنان العوامي
بعثت بهذه القصيدة للشاعر عبد الله الجشي إبّان اغترابه في مهجره بالعراق، تقديراً لوطنيته، وعرفاناً بإنسانيته، وتسلية له عما شاب علاقته بحبيبته من منغصات
ضفاف الهوى غنِّي الحبيب المغيَّبا
عسى العاشقَ المفتون أن يتَأوَّبا
سلا الظِّل مسفوحاً على الماء مترَفا
ووهج السنا مُلقى على الرمل متعبا
وملَّ الهوى لونا على النخل مهرقا
ورَوْحاً كرَوح المترفات محببا
وجافى بمخضلّ الضفاف أحبةً
تعشَّقَهم حتى أكتوى وتعذبا
وغنَّاهم بَوْحَ اليراعين أحرفا
ألذَّ من المجنون سحراً وأعذبا
وما زال مشبوب الخيال، إذا شدا
جرى العطر في رمل الضفاف فأعشبا
كأني بشطآن الخليج ترشفت
زُلالاً على شبابتيه مذوَّبا
إذا مدَّ في مهوى السراب شراعه
وعارضَ بالموج المعاند مركبا
أراك فتى فوق العُباب مشمِّراً
يضم على المجداف كفا مدرَّبا
يطارحُ فوق اليم نجما ونورساً
ويُؤنس تحت الليل قلعاً وكوكبا
وإن جدَّ خلف الفاتنات يراعه
يَجُوسُ عليهن الخباء المُطنبا
أسال هوى يُوري الحُشاشات وهجه
وإن كان عُذْرِي العَفاف مهذَّبا
يعيش بأجفان الملاح مهرَّبا
وما ذا يكون العشق إلا مهربا؟
فعاشقة تخفيه تحت وسادها
ووالهةٌ تبقيه سراً مغيبا
كأنَّ الهوى كأسٌ عليه مقدرٌ
يُعَلُّ به أو أن يلام ويُعتبا
فإن نسي النَّهد الصبيّ مُرفهاً
وتاب عن الثغر الشهي مطيبا
فما نسي الرمل الحبيب مبعثرا
عليه رعاف المحْجرين مخضبا
***
على الرَّبَوات الفيح أرسى خباءه
يسامر ديجورا ويسهر غيهبا
وفوق رُبى دارين ألقى رحاله
يطنِّب للعشاق في الشمس مضربا
ومر على الأحساء يشكو جراحه
وسيَّر من يبرين للعطر موكبا
وأودع في سيف المنامة مرةً
حشاه فما ألفاه الا ملببا
ومد الخطى يسقي على الوجد فدفداً
وينضح جلموداً ويخصب سبسبا
ويشكو الهوى الممطول أهداب نخلة
وجدول فيروز على الرمل مسهبا
فلم يثن عن درب المحبين خطوةً
ولم يبغ عن وهج الصبابات مهربا
فبلَّغَ نجداً من رؤى الخان صبوةً
وحيا على ضوء المنارة يثربا
ومدَّ جناحاً في ذرى الشام، وانثنى
يُنفض في شمس الكنانة منكبا
وحين لوى حول المشاعر زنده
طوى في الحنايا زمزماً، والمحصبا
***
مضى كعمود الصبح فاجتاز مشرقاً
يذرذر فيه الضوء واحتل مغربا
إلى أن رمى فوق الفرات جناحه
وأخلد يستهدي الرصافة ملعبا
وكنا حسبناه المقيم على الهوى
فما ثاب عن ليلى ولا مل زينبا
ولا بارحت (باب الشمال) خياله
ولا الكوت و (الدستور) تلهو به الصبا
ولكنه ألقى على النهر جفنه
وأغفى كما أغفى المسهد موصبا
ترشف سلسال الفرات فلم يُسِغ
عليه على طيب الموارد مشربا
وعنَّته آرام هناك فلم يرد
سواهن آراماً، ولم يهو ربربا
لك الله يا عهد الصبابة رده
علينا فكم سقنا لعينيه معتبا
جفانا ولم تبرح قوافيه بيننا
ترش علينا الياسمين مرطبا
وخاصمنا والحب بين ضلوعنا
برغم الليالي ما استكن ولا خبا
فهاديه يا ريح الجنوب تحيةً
على البعد أصبى من شذاك وأخلبا
وناديه الا يستبد به النوى
وان جفت الشطآن، واغبرت الربى
فما زال في الآذان نبضاً مهدهداً
حفياً، وفي الأجفان ضوءاً منقبا
وما برحت بيبي على العهد برةً
وإن لم تكن كالأمس ممطورة الخبا
فلو لا عتيُّ الموج ما انفك مزبداً
ومضطرب الأنواء ما زال مغضبا
سعت نحوه تسقيه من وجدها الهوى
ومن بوحها النجوى ومن عمرها الصبا
عليها الى أن عاد نضواً متربا
فما ند عنها مغدق من شبابه
ولا نسيت عمراً أدال لأجلها
ولا جهلت قلباً أذاب وأتعبا
ولكن زند الريح يضرى شراسةً
عليها، وعسف الريح يغلو تألُّبا
فكيف تصد النوء جمراً وزعزعا
وتحتمل الاعصار ليلاً وصيباً
على أنها ثكلى تنوء بحزنها
تُروَّى به صبحاً وتُسقاه مغرباً
فتطوي عليه الصدر شجواً مبرحاً
وتخفيه تحت الجفن شوكاً مدبباً
وتزجي به الأيام يأساً وحلكةً
وتسقيه ماء العمر دمعاً مقشبا
هي الآن لا الممري الخضيل مراحها
ولا ربعها المأنوس ما زال معشبا
ولا كأسها ظلت زلالاً مفاضةً
ولا شالها ظل الشفيف المخلبا
تمادت بها الايام جدباً، فإن لدا
لها بارق مغر فقد كان خُلبا
فلا يلحُها لوماً إذا شح ثغرها
عليه وحيا الكاشحين ورحبا
فما عن قلى ضنت عليه بوصلها
ولا عن هوى تلقى الغريب المجنبا
ولا عن رضى منها يسد خباؤها
عليه، وأن يبقى البعيد المغربا
ولكن بحراً ما يزال يذودها
ويقصيه، يأبى أن يسوغ، ويعذبا
إذا جاذبته الريح أفنان أيكه
ونوزع ظل الغصن حتى تقضبا
فمن أجل ما عانى هواها صبابةً
وفي عشق ما غنى صباها وشببا
ففي خلد الأيام ما اشتار من رؤىً
وما خط من حرف أنار وأطربا
وللخلد ما أعطى من الوجد والهوى
وما اقتات من ضوء، وما اصطاد من ظبا
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved