الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st February,2005 العدد : 94

الأثنين 12 ,محرم 1426

الطفولة المهددة..!!
أمل زاهد
الأمومة تعني الأمان والدفء، تعني ذلك الحضن الكبير الذي نلوذ به فتتلاشى كل الآلام وتذوب كل الهموم. تُقدِم الأمومة وهي تتوشح الفرح وتتأبط تراتيله الجميلة، فتخجل الأحزان وتتوارى بعيداً عن الأنظار. الأمومة هي تلك الترتيبة الناعمة على كتف الخوف، وهدهدة الأماني والقدرة على احتضان وتفقيس الأحلام، ومنح الأبناء القوة الدافعة لخوض غمار الحياة بكل متاعبها ومشاقها.. فهل تملك الأم العربية القدرة على منح فلذات أكبادها هذه المشاعر؟!! هل هي قادرة على بث روح الأمل فيهم وضخ حافز الحياة في عروقهم؟!! هل هي قادرة على احتضان أحلامهم والالتفاف بذراعيها حول أمانيهم وآمالهم؟؟ هل هي قادرة على صنع الحلم؟؟ أو على الأقل المساهمة في رسم خطوطه ونحت ملامحه؟!
غالباً ما تجتاح عقلي هذه الأسئلة وتلح على تفكيري حينما ينتقل بصري هنا وهناك بين مختلف المشاهد التي تتابع أمامي في نشرات الأخبار التلفزيونية، أو تلك التي أقرأ عنها في الصحافة، ولطالما أرهقني سؤال عن اولئك الأمهات المزروعات في أراضي الحروب. ويظل ذلك السؤال يتكرر حتى يصبح هاجساً عقلياً يسكنني، ويظل يفرض حيرته عليّ.. فكيف تستطيع تلك الأم الرابضة في العراق أو في فلسطين أو تلك الغارقة في نزاعات السودان هدهدة خوف طفلها ولفه بدفء الأمان وحيطان الثقة بيوم أفضل تلوح بشائره في الأفق؟! بل كيف تستطيع أن تبعث به إلى مدرسته وصوت القنابل والانفجارات يصم أذنيها؟! وكيف تستطيع أن تزرع فيه قيم الحق والخير والحب والجمال وكل ما حولها ينطق ظلماً وبشاعة وشراً وكراهية وقتلاً وتدميراً!؟! وقد قرأت مؤخراً تحقيقاً نشرته الشرق الأوسط عما يرسمه الأطفال العراقيون في مدارسهم، فراح بعضهم يرسم دبابة تقوم باقتحام شارعه وبيته، وآخر يرسم جنوداً أمريكيين وصوراً مختلفة للحرب والدمار، بينما تجاهل آخرون تلك الصور وراحوا يرسمون مظاهر الطبيعة بجمالياتها المختلفة ربما رغبة منهم في الإلحاح على الأمل علّه يتوشح أيامهم ويكسو لياليهم.
وعندما أحاول أن أمد بصري هنا أو هناك في أنحاء الأقطار العربية، كي اقتنص مشهداً يقول لي أن شمس الأمل تمد بظلالها الدافئة على أحلام الأمهات وأمانيهم لأبنائهم، يرتد إليّ البصر خاسئاً وهو حسير. فلا أستطيع إلا رؤية الحرب وما تحمله معها من ويلات، والأمراض والأوبئة والفقر المدقع الذي يصل أحياناً إلى ما تحت خط الفقر، وخمس أطفال العالم العربي وهم يلقون بأنفاسهم الأخيرة وهم دون سن الخامسة، والتجني على براءة الطفولة واستغلالها بأقبح الصور والأشكال، والعنف الأسري والتحرش الجنسي الذي ينتهك الطفولة ويستلبها أثمن ما تملكه ويوصم ذاكرتها بجراح لا برء منها ولا شفاء. ناهيك عن تردي مستوى التعليم وبقائه يراوح مكانه منذ مدة طويلة، والأمية بصورها المختلفة سواء كانت أمية تقليدية أم أمية ثقافية ومعرفية، والبطالة التي باتت شبحاً يهدد حتى أغنى الدول العربية موارداً، والإرهاب والتطرف الديني الذي يلقي بظلاله القاتمة على الأجواء، فلا تدري الأم هل تخشى من سياطه القاسية وهي تلفح أبناءها؟! أم تخاف أن يضم فلذات أكبادها تحت جناحه ليصبحوا هم الأدوات التي تنفذه والقنابل الموقوتة التي تحمل سمومه؟!! خاصة انه لا تلوح في الأفق بشائر إصلاح جاد للخطاب الثقافي الديني والذي يعتبر الركيزة الأهم في سبيل تجفيف منابع الإرهاب. فهل بات الحصول على فرصة للسفر إلى إحدى الدول الأجنبية هو الحلم؟!! وهل صار الخلاص المتمثل في جواز سفر يحمل الأبناء إلى المنافي هو أقصى ما تستطيع الأم العربية أن تصل إليه بأحلامها؟!!
ألقى التشاؤم ظلاله الثقيلة على تقرير منظمة اليونيسيف الأخير والذي أطلقته في دبي في أواخر العام المنصرم، وقد اختارت له عنوانا يحمل في طياته بصمات ذلك الخوف والقلق المتوعد والمتربص بمستقبل الطفولة. جاء تقرير (الطفولة المهددة) لينذر المجتمع الدولي قائلاً: إن بليون طفل حول العالم من أصل بليونين و183 مليون طفل يعيشون معاناة شديدة، وأن الطفولة صارت تعني بالنسبة لهم نزاعات مسلحة وفقراً وعنفاً أسرياً وايدزاً وأمراضاً. وتضمن صوراً مفجعة لأشكال انتهاك الطفولة، فمن بحث عن الطعام في أكوام النفايات في مانيلا، إلى أطفال أجبروا على حمل البنادق في غابات الكونغو، إلى آخرين اضطروا إلى الانخراط في شوارع موسكو وأنشطتها، إلى أولئك الذين يموت عائليهم بسبب الإيدز في بوتسومانا. ويقترب هذا الواقع المؤلم من واقع الطفل العربي في البلدان العربية المنكوبة بسبب الحروب كالعراق وفلسطين والسودان، فقد شهد العراق مثلاً تدنياً وانهياراً في مستوى معيشة أطفاله، وهذا التدني ليس فقط بسبب الحرب الأخيرة ولكنه جاء كمحصلة لثلاث حروب خلال أكثر من عشرين عاماً. ويذكر التقرير انه في عام 2002 كان الموت يختطف واحداً من كل 8 أطفال قبل بلوغه السنة الخامسة في العراق.
حددت الأمم المتحدة عام 2015 لتحقيق عدة أهداف من بينها القضاء على الجوع والفقر المدقع وتعميم التعليم الابتدائي وتعزيز المساواة بين الجنسين وتخفيض معدل وفيات الأطفال. لكن جاء تقرير اليونيسيف السابق ذكره ليؤكد صعوبة تحقيق هذه الأهداف في ظل أوضاع الامن المتردية في بقع كثيرة من الأرض، وتفشي مرض الإيدز في بلاد أخرى، والفقر الذي ينهش براءة الطفولة ويصيبها في مقتل، وأخيراً وليس بآخر زلزال التسونامي والذي راح ضحيته أكثر من خمسين ألف طفل، ويتم آلافاً غيرهم وحرمهم ممن يعيلهم ويقوم على شؤونهم، ويهدد مئات آلاف من الأطفال بالمزيد من الأوبئة والأمراض.
وهنا أعود للتساؤل هل من الممكن ان نتطاول بأعناقنا راجين مستقبلاً أفضل للطفل العربي في ظل هذا المناخ المفزع والأجواء المقلقة؟!! لا أريد أن أبدو متشائمة ولكن طريق الأمل يبدو أبعد وأطول مما تصل إليه حدود أبصارنا خاصة في غياب الديمقراطية واختفاء مؤسسات المجتمع المدني!!


amalzahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved