الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st February,2005 العدد : 94

الأثنين 12 ,محرم 1426

قراءة نقدية
(الأنا الضدّ) في .. عذبيني .. لشاعرها (علي الضميان) بين هزيمة الذات وانتصار الكتابة

الأنا الضدّ شعار هذه القصيدة/ الحالة التي دار صراعها على مدى اثنين وعشرين بيتا ، سيطر خلالها جو المونودراما على مشهد ارتجال الذات الشاعرة سردا تراجيديا ، لوقائع صراع لم يحفل بطرف آخر غيرها ، على حين كانت أصابع اتهامها تشير إلى مرآتها ، مجردة من الأنا ضدا ساقت الأدلة على مسؤوليته عن الشطر الأكبر من مأساتها.
فأنا كم أعرضت عن نبض قلبي
في سكوني لما سكنت جليدي
إن تحصن الذات الشاعرة ، وتوهمها أن في هربها خلاصا من معاناتها ، كان بمثابة الشرك الذي زلت فيه قدمها.
كان وهمي يجتاحني وفؤادي
يصطفيني والحزن يشجي نشيدي
إذن ثمة (حزن) عكر عليه صفو نشيده مع المرأة التي أحبها بحق ، وسلط عليه (الأوهام) تجتاحه ، على حين فشل قلبه في احتواء المواقف لصالحه .
شاغلتني الدنيا بسر انتمائي
وبذاتي وفك بعض قيودي
سابح في شكي وظني خوفي
وبحاري تلاطمت في وجودي
إن بعدا وجوديا يلوح في أفق القصيدة التي كشفت عن صخرة مأساتها الحقيقية/ الوجود .. لقد انصرفت الذات عن شعورها) إلى (حقيقتها) ، في رحلة فقدت فيها كليهما ، فعلى حين وجدت الحقيقة أعنف من أن تتعايش معها (قيودي شكي ظني خوفي بحاري تلاطمت) ، كانت ما تزال مسكونة بشعورها ، وعندما عادت لآخرها الأنثى ، طالبته بجلدها جزاء ما اقترفت !!
عذبيني ، واحني علي وزيدي
في عذابي واستعذبي تنهيدي
إنه البيت الأول من القصيدة وهذا ترتيبه المنطقي ، بيد أن الشاعر بدأ به قصيدته ثم شرع يستخدم ال(فلاش باك) ، إحدى التقنيات الدرامية التي تجد لها أصداء في القصيدة .. إنه العذاب اللذيذ ، ملاذ روحه الفارة من أتون الوجود (عذبيني/ احني علي) ، إنه عذاب وحنو في آن معا ، حتى أنه يطلب المزيد (وزيدي) ، ليس ذلك وحسب ، بل تريد الذات الشاعرة من آخرها أن يبادلها الجنون الذي تعيشه (استعذبي تنهيدي).
تائه ألعن الدروب وأشكو
من حياة تقسو وحظ عنيد
لا أرى حولي قشة تحتويني
أو غريقا غيري بأفقي البعيدي
إنه يؤكد ما ذهبنا إليه من حضور للمشهد الوجودي (تائه أشكو يقسو حظ عنيد غريقا البعيد) ، إنه شعور الوجوديين الضاغط بوحدتهم وسط أخطار العالم ، دون أن تمتد لأحدهم يد/ قشة ، بينما يصارع وجوده/ الغرق ..
إن الذات الشاعرة التي لم تدن سوى نفسها/ الأنا الضد ، لم تعدم المبرر لكل ما اعتراها من تناقض وازدواجية وفصام .. إن وطأة وجودها على لا شعورها كبدتها خسارتها لآخرها/ الأنثى ، الذي أحبته وجدت نفسها مدينة بهذا الاعتراف .
كنت أهواك رغم صدي لأني
كنت أهواك باعتناق صدودي
أستبيح الغرام بيني وبيني
لأغنية لحن حب جديد
وأناجيك في قصائد شوق
فضحتني لولا غموض قصيدي
لقد وفق الشاعر كثيرا في أكثر من اختيار لتقنيات دعمت الحالة التي أمسك بخيطها بإحكام ، إلا في النذر اليسير الذي سنتعرض له بعد قليل ، ويأتي في مقدمة تلك التقنيات ذلك التكثيف اللافت للنظر لياء المتكلم ، الذي جعل من الذات الشاعرة فلكا تدور داخله وقائع الصراع ، وتنعكس عليها وحدها كل تداعياته ، فضلا عن حالة التناغم الداخلي الموسيقي/ التجنيس ، الذي أصل لقيمة الشعرية داخل العمل.
يأتي أيضا اعتماده على المفارقات بأنواعها ، التي شحنت جو العمل بحمى الصراع الداخلي ، بينما كان يعتمد في أكثرها على المفارقات التصويرية ، إذ هي الأجدى في صنع معالم الدراما ، التي بدأ الشاعر حريصا على تحميل العمل بأجوائها .
عذبيني x احني علي
أعرضت عن x نبض قلبي
فك x قيودي
كنت أهواك x رغم صدي
فضحتني x غموض قصيدي
كما لعب الأسلوب التقريري الذي اعتمده الشاعر في معظم العمل دورا في دعم روح السرد ، التي حاول الشاعر الحفاظ على بقائها ، حتى تساعد على خلق جو من الدراما ، كانت الذات الشاعرة بطلها الرئيس أمام ضدها/ الأنا ، وآخرها/ الأنثى .. بيد أن ولع الشاعر برصد بعض التفاصيل/ الحكي ، عن تفاصيل مرتبطة بالتجربة الإنسانية المسببة للحالة ، خرج بها عن خطها الوجودي العام ، وإن كان ينجح في العودة بسفينته مرة أخرى إلى مسارها العام (الأنا الضد هزيمة الذات ورحلة البحث عن الوجود) .
كل أنثى لها حبيب جريح
بسهام الغدر وطبع الجحود
عهدهن الذي توارثنه
عهد عاد من نساء ثمود
كان عهدي في الهوى محض شعر
ليس إلا عذرا لقطف الورود
إنه خروج لم يخدم فكرة الشاعر على الإطلاق ، بل وربما حمل إدانة لآخره/ الأنثى لا مجال للحديث في هذه الأجواء ولا مبرر أيضا ، الا ان هذا الخروج الذي كان الشاعر يتخلص منه سريعا ، وكأن (لا شعوره) يرفض هذا الخروج عن النص ، لم يعكر صفو الأجواء الوجودية التي حفلت بوقائع رحلة اغتراب الذات المنهزمة المنسحقة أمام ضغط وجودها عليها ، بيد أن تحميل هذه المضامين العميقة بتلك السلاسة للقصيدة العمودية الكلاسيكية ، المتهمة بقصورها عن استيعاب مثل تلك المضامين وإن صح ذلك في كثير من نماذجها يعد انتصارا للكتابة العمودية ، وخطوة تحسب للشاعر علي الضميان ، الذي يقدم قصيدة واعدة ، أتوقع لها خوض فضاءات أرحب في جديدها الذي أرجو ألا يتأخر طويلا .


أسامة الزيني

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved