الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st March,2005 العدد : 98

الأثنين 11 ,صفر 1426

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
رجل..في غير عصره!!
بقلم: علوي طه الصافي

نعم، هذا الرجل الإنسان (محمد الحمد الشبيلي) جاء من عصر مسكون بالكرم والشهامة والنبل والنجدة والإيثار.
هذه الخصال الحميدة, والأخلاق السامية التي كانت تعطر تاريخنا العربي والإسلامي، وتمطره بوابل من الوشل، وتشلله بجمال شلالات (نياجرا) وغيرها من شلالات العالم الباهرة الفاتنة التي تجذب إليها ملايين السياح سنوياً، فتطل في أذهانهم (ذكرى) لا تطمس بالتقادم، ولا تشيخ بمرور الزمن!!
إذا ذكر (حاتم الطائي) يتبادر إلى ذاكرتك سيرته التاريخية في مجال (الكرم)، وحين يتداعى إليك عمل من أعماله وأفعاله النادرة تبرق سماؤك غيثاً واعداً بالمطر المطير، وحين تزهر أمامك الطريق بموسم ربيع، وحين تورد أيامك تحيا (الفرحة) متسللة جوانح نفسك وخفقات قلبك ونبضاته، وهو بقامته السامقة يترنح (كرماً) و(زهراً) و(مطراً مطيراً) شخصية متطاولة كنخلة من نخيل الجزيرة المثمر رطباً في تواضع و(إثلة) من إثل (القصيم) تحتضن الظلال.
إذا ذُكر اسمه في المجالس تفوح منها رائحة (العود) وعطر (العودة) الأصيلين الطيبين.
يتحدث عن الآخرين بأحسن الكلام، وعذب الكلم، لأن لسانه يقطر حلاوة، لا يعرف (الفحش) في القول، ولا يقارب (النممة) في الحديث، كأنه وردة من جنة!!
لم يكن (سفيراً تحكمه الرسميات الدبلوماسية) أو تقيده (البيروقراطية أو تكبله) التكنوقراطية!!
كان إذا علم أن مواطناً سيصل بطائرة معينة يستقبله بنفسه، بعد أن يكون قد حجز له أحسن الغرف في أجمل الفنادق!!.
وإذا بلغه أن مسؤولا نزل فندقاً من الفنادق هرع إليه مرحباً باذلاً كل خدماته، متردداً لزيارته يومياً، ومشاركته في تعريفه بمعالم المدينة المهمة التي يقيم فيها بصفته سفيراً للمملكة، كما يشتري له الهدايا المناسبة التي تكون في مفاجأة للضيف!!
(أبو سليمان) اللقب الذي عرف به تغمده الله بواسع رحمته.. لم يكن إنساناً وسفيراً عادياً كغيره، بل كان (أسطورة) جاءت في غير عصرها!!
و(أبو سليمان) هو (الترياق) الذي يتطيب به أصحاب (الأزمات) النفسية والمادية.
وإنسان كهذا الرجل وشهامته وأخلاقياته قليلاً ما يجود الزمان بمثله، كما لا أتصور أنه يمتلك أموالاً (منقولة) أو (غير منقولة) بتلك الضخامة، أو (أسهماً) في الشركات، و(أرصدة) في البنوك.
إن الرجال الرجال ليسوا بمناصبهم، ولا بثرواتهم، ولا بقصورهم الضخمة، وسياراتهم الفخمة المتنوعة (الموديلات)، ولا بالخدم والحشم، ولا بطنافس وريش نعام، ولا بالأزياء النادرة المستوردة بشكل خاص من مدينة الأزياء (باريس) وغيرها من مدن العالم المشابهة.
الرجال بأعمالهم، وحب الخير لغيرهم، وزرع المودة والابتسامة على وجوه المعدمين والمحتاجين والحيارى والمساكين!!.
هذه هي ثروة الرجال الرجال الحقيقية، وما عداها سقط متاع، وغثاء كغثاء السيل غير المفيد، وسراب يحسبه الظمآن ماء، وما هو بماء، وسبخة مالحة لا تنبت زرعاً!!.
(أبو سليمان) لم يعمل لدنياه، لأنه كان مقتنعاً أنها زائلة بما فيها من جاه ومناصب وأهل وأولاد، وأن ليس له من أعماله إلا الآخرة، وهو يؤمن أنه في الدنيا يعمل ولا يسأل، وفي الآخرة يسأل ولا يعمل، فمن الخير له من الدنيا بما يتزود به من صالح الأعمال ليواجه بها سؤال ما بعد الموت يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
و(أبو سليمان) كما علمت محبوب من كل الناس، وإذا أحب الله إنساناً حبب إليه خلقه.
ولو لم يكن مثل (أبو سليمان) لكانت الحياة شوكاً وقتاداً.. روى لي صديقي العزيز الأستاذ (علي محمد بخش) أن (أبو سليمان) كان عائداً من عمله صادف في طريق العودة إلى منزله مساء شخصاً أجنبياً يؤشر بيده للوقوف، فلم يتردد (أبو سليمان) من التوقف بسيارته، فطلب منه الرجل الأجنبي أن يأخذه إلى أحد المستشفيات مع زوجته التي تعاني حالة (مخاض) لأنه لم يجد سيارة أجرة في تلك الساعة المتأخرة تنقله مع زوجته، فما كان من (أبو سليمان) إلا الاستجابة لطلب الأجنبي الذي ركب سيارة (أبو سليمان) مع زوجته، وأخذهما إلى إحدى المستشفيات، ولم يتركهما إلا بعد أن دفع تكاليف بقاء الزوجة وولادتها في المستشفى.
ثم انطلق (أبو سليمان) إلى منزله بعد أن تأكد من صحة وسلامة زوجة الأجنبي، وقد فوجئا بهذا الموقف الإنساني الرائع.
في صباح اليوم التالي أرسل لهما طاقة ورد مع (الكارت) الخاصة به، وفي الخلف تهنئته بسلامة الزوجة التي أنجبت ولداً، وحين عرفا اسمه من (الكارت) أطلقا اسم (الشبيلي) على طفلهما تقديراً لموقفه الإنساني واعترافاً بالجميل!!.
فهل هناك أروع من هذا الموقف النبيل الذي ضرب به (أبو سليمان) دون من أو أذى صورة رائعة للإنسان العربي الإسلامي النادر؟ وبمثل هذا الموقف نستطيع أن نزين بها أخلاقنا وسلوكياتنا أمام الغرب الذي ينظر إلينا نظرة قاصرة فيها ما يجعلنا أمة بترول متخلفة.
و(أبو سليمان) لم يكن أنانياً يعيش حياته لنفسه، أو الاستمتاع بمباهج الحياة لذاته، بل كان بأعماله المتفردة يشعر بالسعادة وطمأنينة النفس حين يخدم الآخرين، ويرسم ابتسامة السعادة على شفاههم ووجوههم.. ألم نقل عنه إنه رجل في غير عصره؟


alawi@alsafi.com
ص.ب (7967) الرياض (11472)

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved