الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st March,2005 العدد : 98

الأثنين 11 ,صفر 1426

(قامة تتلعثم) لعيد الحجيلي
قصائد رومانسية تذكرنا بعذوبة الحياة

*فيصل الحسن الرباط المغرب:
يفتتح الشاعر عيد الحجيلي ديوانه البكر قامة تتلعثم الصادر عن دار شرقيات 2004 بقصائد تذكرنا بالكثير عن المدينة المنورة مدينته التي ولد فيها وتعلم في مدارسها وقد بنيت قصائده بمستويات شعرية مختلفة ولكل منها نظام داخلي يبرز المدلول الشعري ويبرز الصورة الشعرية المستمدة من اللامعقول ليقدمها لنا على أنها المعقول الممكن وهو مطمئن على أن الحداثة الشعرية لا تلغي الأذن التواقة لسماع الشعر الحقيقي ولا تتعالى عليها.. وهي تحاول أن تسهل علينا الاستماع إلى معالجات جديدة في الشعر العربي لم نعتدها من قبل، فهو على سبيل المثال حيث يقدم لنا في قصيدة معنونة بهو الصمت الصمت، فهو لا يقدم لنا صمتا رهيبا كما اعتاد الشعراء أن يفخموا الأشياء المعنونة لغرض ترسيخها كوحدة بناء مهمة في القصيدة، وتأخذ دور الموتيف كما في المعزوفة الموسيقية بل نرى الشاعر يعمد إلى تقديم صمت مغاير، نسمع كلمات من خلاله بل نسمعه ينطق بلسان فصيح يتحدث عن مدلولاته وتحولاته ككائن شعري متكامل.
إنني مبتدأ مستوفز/ يتحرى خبرا في العي ذابا/ مثخن بالوجد، حلمي جمرة/ عتقت في دمع أجدادي الغلابي/ صغت من فيروز صمتي وردة/ في أقاصي الروح لترفض ملابا/
ثم يكمل..
طال دربي/ والنبوءات مدى/ تنحر الخطوات، تستعدي الذئابا/ أن رحلت، والمدى أسئلة/ فاقرئي للصمت من نبضي الجوابا... (ص18).
لقد استطاع الشاعر في هذه القصيدة أن يغلب الأداة على الغرض فجعل الكلمات معبرة عن ذات الشاعر واستخدم في ذلك ما أمكن من الحروف الصامتة في تضاد واضح بين الغرض والأداة، كما انه في بقية قصائده استخدم بمكر قل مثيله في قصائد ديوان هو الأول له بين أقرانه من الشعراء الغموض في القصيدة ليجعل من هذا الغموض قيمة جمالية تضاف إلى بنية القصيدة وتكسبها عمقاً فكرياً إضافة إلى القيمة الجمالية.
تساقط قحطي على نخلتين/ تضجان في صدرك المتوقد بالخوف/ والهمسات العطاش/ تشعان لحنا حزينا/ تحدر من مهجة تستعر.. (ص36).
وحين يشعر الشاعر انه لم يفرغ شحنته الشعرية كاملة يعمد إلى العنوان فيجعله مكملا لذات القصيدة لا شارحاً لها كما اعتاد الكثيرون من الشعراء أن يفعلوا ذلك حيث يمثل العنوان المتكرر وسيلة الشاعر لتوضيح محنة عاطفية يلح على إظهارها، كما الطفل حين يطلب حاجة من الكبار ولا ينالها فيلح في طلبها.. انظر ص36 من الديوان حيث يتكرر عنوان شفيفا في القصيدة ثلاث مرات.
نقرأ في 47 قصيدة بلا عنوان يقول فيها الشاعر:
أيهذا الكمد/ أنت رب رجيم، لذاك البلد
وتنتهي القصيدة بعلامتي تعجب كبيرتين.. وكم من الوجوه لهذا الكمد في واقعنا العربي؟ ثم يتجلى الشاعر في قصائده الرومانسية التي تذكرنا بعذوبة الحياة وانسيابها البطيء رغم الكمد المبطن في مدن الشرق وترفرف كلماته معبرة عن أحلام فتيانها المورقة مع الربيع الذائب في الشتاء..
غردت في جبهتي أشجار جدي/ وحكايات شجية/ ورمقت الشمس تحبو في فروضي المدرسية، أشعلت ليلى قناديل الندى/ مسحت رأسي/ سقتني من حليب المكر، أنغاما طرية.... (ص50).
ثم تحل متاهة اليأس على فتانا الشاعر فيقول:
لا ضوء في القمر المسجى/ في تضاعيف السماء/ ولا بهاء/ لا صوت في الصوت الخجول/ المرتدي أسمال قافية مقيدة/ يشيعها الغباء/ فإلى متى يذرو بذور الوهم/ في الرمل المزركش بالرجاء؟
ثم بعد ذلك تبدأ قصائد الشاعر القصيرة التي تبدأ من قصيدة بلا عنوان (ص47).
وتليها هكذا، هباء، ترميم، أرض، تعريف، شاعر، حصاد، دعوة، ذكرى، عطش، وقد اعتمد في بناء هاته القصائد على الضربة السريعة التي تكتمل حالما يتمكن القارئ من تمثل حروف كلمات القصيدة حرفا حرفا كقوله في قصيدة شاعرة/ بين هدأة مرآتها/ ولهاث الرؤى الصاخبة/ ترقب العمر/ يسقط قافية... (ص69).
كنت أتمنى لو جاءت القصائد القصيرة في بداية الديوان لكان ذلك أكثر تأثيراً في انغماس القارئ في تجربة الشاعر كما يفعل المسافر الذي يمر بالجداول قبل أن يدخل إلى النهر الواسع.. ديوان قامة تتلعثم أحد أهم الدواوين الشعرية التي صدرت لشاعر شاب سعودي خلال العقد الأخير، وقد امتازت قصائده بغنائية عالية وحس ومرهف وتجربة حياة مفعمة بفظاعات الواقع واحباطاته لكنها لم تلن عريكة الشاعر ولم تجعله يخضع لاغراءات الاستكانة والقبول.


faissalhassan@maktoob.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved