الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st March,2005 العدد : 98

الأثنين 11 ,صفر 1426

(مكاشفة) تحاور شاعر الفجر الذي ينثر (أبجدية السنين) فوق (تضاريس الوطن) 12
العواجي: المبدع يستطيع أن يكسر القمقم في المجتمعات البيروقراطية ويخرج بطريقة أخرى

متابعة: علي بن سعد القحطاني
تتوالى المكاشفات فيطل شاعر الفجر الدكتور إبراهيم العواجي.. ضيفاً عزيزاً على (الثقافية).
تحدث عن النشأة وقيم التنشئة التي يفتقر إليها جيل اليوم أو كما سماهم (جيل الجدران) واستذكر لنا الحادثة المنعطف في حياته بوزارة المواصلات عندما أخطأ فبرر خطأه ب(جئت لاستخدام عقلي.. لا يدي) وكيف تمت ترقيته مباشرة إلى مساعد وكيل الوزارة، سافر بنا إلى حيث أنجز رسالتيه الماجستير والدكتوراه حيث كانت الأخيرة في (البيروقراطية والمجتمع) أفصح عن رغبته في التدريس الجامعي بعد أن عاد بدرجة الدكتوراه إلا أن وزارة الداخلية استأثرت به وبفكره وتطويره، أسر إلينا بصدق وعناية بعدد من المواقف الطريفة والمهمة.. دارت أحداثها في ردهات العمل الحكومي.
أوضح لنا فلسفته الخاصة في (الفجر) صديقه الأعز وكيف تأتي فجرياته التي تحمل ملامحه وانفعالاته. أفصح عن الكائن الذي يستثيره ويستحثه لإنتاج النص الشعري.. وهو (الوطن والمرأة).
شارك في هذه الجلسة كلٌ من الأستاذ إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية و الدكتور محمد عبد اللطيف والناقد المعروف الدكتور حسين المناصرة والشاعر عبد الله الصالح والزملاء عبد الله السمطي وعلي القحطاني وعبد الله هزاع العتيبي وسعيد الدحية الزهراني، وقد قام بإدارة الجلسة الزميل عبد الحفيظ الشمري وهذه هي وقائع الجلسة.
إبراهيم التركي: (المكاشفة) محاولة لتجاوز الأطر التقليدية، للقاء العادي، سبق أن قمنا باستضافة الدكتور محمد الربيع في أولى الحلقات، حاولنا في هذه (المكاشفة) اختيار عدد من المحاورين إضافة إلى بعض المتخصصين كالدكتور محمد العبد اللطيف عميد كلية اللغات والترجمة، معنا أيضاً الدكتور حسين المناصرة ناقد وأديب معروف ومتابع للأدب السعودي وممن أضافوا للحركة النقدية المحلية، الأستاذ عبد الله الصالح، أيضاً شاعر وأديب وناقد وعمل في الصحافة ولا يزال يعمل في مجلة الجيل، معنا أيضاً في هذه (المكاشفة) الأستاذ سهم الدعجاني أمين مؤسسة حمد الجاسر، بالإضافة إلى الزملاء المحررين في إدارة التحرير الثقافي الزملاء؛ علي سعد القحطاني، عبد الله بن هزاع العتيبي، سعيد الدحيّة الزهراني، سنحاول أن يكون اللقاء مركزاً والأسئلة موجزة ونحاول أيضاً أن تكون الأسئلة متجاوزة خصوصاً وأننا تعرف أن شخصية الدكتور إبراهيم العواجي شخصية ثرية.. وهو عالم وإداري وشاعر.
وحينما نحتفي بكونه شاعراً فهو شاعر بدلالات الشعر، شاعر، أيضا بإضاءات المشاعر، يرى الغربة في النفس، الفضاء في الإحساس، يرى الوطن قرية تؤمن بالله وتحلم في عمق الزمن، أنا حاولت أن أقرأ قراءات سريعة للدكتور إبراهيم فأنا من تلاميذه ومن مريديه منذ زمن، حين يقول العواجي: من قال إن الغربة حدث جغرافي ينأى فيه الجسم عن القرية وتظل النفس حبيسة جدران الغرفة.. أنا اعتقد أن هذا مشهد تصويري تأملي فلسفي نتوقف عنده طويلاً، نرى الدكتور إبراهيم يتأمل المكان، نراه وهو يرتحل في الزمان، نراه يتوغل أيضاً في أعماق الإنسان وهو من قال:
المساحات بعينيك فسيحة
فاسمحي للشمس كي ترقد فيها
واسمحي للنجم كي يسرح فيها
واسمحي للفجر كي يشرق فيها
نراه أيضاً ببعد آخر وهو بعد كنت أتمنى أن يكتب فيه لأنني أرى هنا إبراهيم العواجي المفكر:
مليون عام
قبل أن تكوني أو كنا
كنا مدار الحب
في قصائد الحيتان
والرعاة
وأبجدية السنين
كنت أراه وهو يتحدث، وهنا أتمنى وأرجو أن يكون المشروع قد قطع مسافة رغم أنني لا أعرف عن هذا المشروع لكن أتصور أن د. إبراهيم لا يمكن أن يغفل كتابة ذكرياته ومذكراته، الرجل له امتداد كبير منذ أن بدأ في التعليم منذ زمن بعيد، وقد أصبح مسؤولاً بارزاً في التركيبة الحكومية، أيضاً هو عالم إداري، كنت أتمنى ذلك وأنا أقرأ:
وإذا ما الليل أصغى
والتباريح تجلّت
والبراءات استهلّت
وتدلّت فوقه نجم الثريا
وتهاوى فوق سطح المسجد المعمور
اشعاع القمر
أعلن الناس
بدايات السمر
والأحاديث حميمة
في هذه الرؤى المختلطة كاختلاط ألوان الطيف أعتقد أن هذه البداية سريعة فأتوقف لأرحب ثانية بمعالي الأستاذ الدكتور إبراهيم العواجي وأدعو الزميل عبد الحفيظ للتعريف بأبي محمد.
تعريف بالضيف
عبد الحفيظ الشمري: الدكتور إبراهيم العواجي، غني عن التعريف، يتميز بثرائه في جانب الشعر وجانب الإدارة، وسوف يقتصر حديثنا في هذه الليلة على الجانب الأول، حيث إنه من مواليد مدينة الرس بمنطقة القصيم عام 1358هـ.
وحصل على درجة البكالوريوس في تخصص اقتصاد وعلوم سياسية من جامعة الملك سعود عام 1384هـ، كما حصل على دبلوم بإدارة مشاريع التنمية بجامعة بتسبرغ ولاية بنسلفانيا من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1385هـ، كما حصل على درجة الماجستير في إدارة عامة من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1387هـ بجامعة بتسبرغ ودرجة الدكتوراه في شؤون عامة (حكومة) من جامعة فرجينيا عام 1391هـ، وعمل الدكتور إبراهيم العواجي في وزارة الداخلية وكيلاً للوزارة حتى طلب التقاعد وتفرغ لأعماله الخاصة.
من أعمال الدكتور إبراهيم العواجي في مجال الأبحاث والدراسات:
البيروقراطية والمجتمع السعودي.
إدارة التنمية بالمملكة العربية السعودية.
الإدارة المحلية بالمملكة العربية السعودية.
الإبداع في الإدارة المحلية العربية.
بحوث منشورة في التنمية.
من أبرز إبداعاته في مجال الشعر:
المداد (ديوان شعر).
نقطة في تضاريس الوطن (ديوان شعر)
قصائد راعفة (ديوان شعر)
هجرة قمر (ديوان شعر بالفرنسية)
مدُّ والشاطئ أنت (ديوان شعر)
وشوم على جدار الوقت (ديوان شعر)
خيام القبيلة (ديوان مختارات باللغة الإنجليزية).
الدكتور إبراهيم : نحب في البداية أن نتوقف عند تجربتك في مجال التدريس كما وردت في سيرتك الذاتية هل كانت هذه الخطوة بمثابة مجرد تجربة أم ماذا كانت؟
قصص من البداية
د. إبراهيم العواجي: انهيت الدراسة الابتدائية بالرس عام 1372هـ وكان والدي لديه ولدان، أنا وأخي ومن الصعب عليه أن نفارقه خصوصاً وأن أخي التحق بالتدريس في مدينة الرياض آنذاك لم تكن هناك سن قانونية للتوظيف ونحن نعلم ان فكرة تحديد السن القانونية للتوظيف بثماني عشرة سنة، صدرت مع نظام الخدمة المدنية عام 1377هـ، قبلها كان التعيين قبل هذه السن، ولذلك فقد تعينت في سن مبكرة، بعد حصولي على الشهادة الابتدائية ودرست لمدة ثلاث سنوات، لكني كنت أقرأ حينها، من كتب الأدب والتراث، حتى أذكر أني اكتشفت السرقة الأدبية عندما قام شاعر بسرقة قصيدة من شاعر آخر وذلك أثناء قراءتي لجريدة البلاد وأشرت لذلك في مقال وكتبت عليها سرقة، وكنت نشطاً.
ولم تعد المدرسة تستوعب قراءاتي, لذا استعنت بمن يقنع الوالد بمجيئي إلى الرياض وفعلاً جئت للرياض عام 1376هـ لأواصل المرحلة الدراسية المنقطعة، فالتحقت بالمعهد العلمي من أجل المكافأة لكني لا أذهب إلى هناك إلا مرة كل أسبوعين، وأدرس مرحلة الكفاءة كثلاث سنوات كدفعة واحدة في سنة 1376هـ ولذا عوضت السنوات التي افتقدتها بعد المرحلة الابتدائية، وكانت شهادة الكفاءة لها وهج آنذاك مثل شهادة الدكتوراه قبل عشرين سنة، التحقت بوزارة المواصلات في قسم الصادر، وهناك قصة طريفة أحب أن أذكرها خصوصاً أن لها نقطة تحول في عملي بوزارة المواصلات فضمن عملي كنت مع زميلي وأستاذي عبد الله المرشد وهو لا يزال حياً وكانت مهمتي أن أسجل صور الصادر التي تذهب للإدارات ويبدو لي أن الصورة المهمة لأحد الخطابات كانت مهمة جداً ولم ترسل للإدارة المالية المختصة وكان لي شهران بالعمل، ولا أخفيكم أن وجودي كان خطأ في هذا القسم، فأنا إنسان أقرأ واكتب شعراً ولم أتصور أن استمر في هذا القسم، وفي يوم من الأيام استدعاني وكيل الوزارة الأستاذ عبد الله السالم رحمه الله وطلبني وحسم علي أنا ورئيسي المباشر يوماً ونصف يوم وطلبني وكان رجلاً مهيباً وقال: يا ابني أنت ارتكبت هذا الخطأ والمفروض أنك تتنبه مرة ثانية وقد نتج عنها كذا، وكنت حينها صغير السن وقلت له: يا سعادة الوكيل جئت إلى هنا لكي أستخدم عقلي أما يدي فلا اضمن لك ولا التزم لك وخرجت وفعلاً ألغى الحسم، وبعد شهر كان زميلي محمد العجروش مساعد مدير المكتب وغضب عندما لم يحصل على الرفض الذي يخرجها لي فطلب من مدير مكتبه محمد العقيل الحمدان وقال اطلبوا ذاك الشاب واجعلوه يأتي عندي وجاء وأخذني معه شهراً في رحلة للمنطقة الشرقية وفيما بعد تعينت مساعد مدير مكتب الوكيل، وكانت تعد قفزة مباشرة في السلم الوظيفي بسبب ذلك الخطأ ويضحك وعلاقتي بالتدريس لم تكن بذلك المستوى وإنما كانت كمرحلة اضطرارية في حياتي.
الإدارة والإبداع
عبد الحفيظ الشمري: برأيك العمل الإداري يا دكتور إبراهيم نعمة أم نقمة على المبدع؟
د. إبراهيم العواجي: والله يعتمد على نوع العمل، إذا كان العمل توجد فيه مبادرة وفرصة للإنسان يستخدم من خلالها إمكاناته الذهنية والتفكير واعتقد أنه بالعكس يصقل قدرات الإنسان ولا يؤثر على ابداعاته بل يزيدها، واعتقد ان تجربتي في العمل في وزارة الداخلية لعبت دوراً كبيراً في مسيرتي الشعرية حيث كتبت أجمل شعري في وزارة الداخلية، كنت كل صباح أكتب الشعر خصوصاً (الخماسيات) التي نشرت أغلبها في جريدة الجزيرة ومع الفجر، لأنه طبيعة العمل يقدم لي مواقف فيها أحيانا صدامات، أحيانا فيها عظة أحياناً فيها انفعال، أما العمل الإداري الكتابي مؤكد أنه لا يتناسب مع عمل المبدع، المبدع لا يستطيع أن يعمل في عمل كتابي، يأتي يكرر نفسه في اوراق ومع ذلك،
فالمبدع ليس هناك من يقف أمام آماله وأحلامه وبالتالي فإن المبدع سوف يكسر القمقم ويخرج بطريقة أخرى، حتى لو كان هو موجوداً على رأس الوظيفة وهذه هي الحقيقة، ولا اعتقد ان الظروف المكانية وظروف العمل تحول بين ممارسة المبدع لأعماله الإبداعية والتعامل معها بشكل إيجابي.
تفهم معاناة الناس
د. محمد عبد اللطيف: أنا لست إدارياً ولكن اعتقد ان الرؤية الشعرية والروح الأدبية وتفهم معاناة الناس من الأمور التي يحتاج إليها كثيراً من الناس في الإدارة وعندما يأتي رجل إداري بيروقراطي ليس لديه خلفية إنسانية فإنه حتماً ستكون علاقته بالناس ليست بالشكل المطلوب، فأنا في الحقيقة أريد أن أسجل شهادة للدكتور العواجي وما تركه من أثر في وزارة الداخلية، أثر عطر يحمد عليه، وتتسم قصائده بالجمال التي دائماً ما نقرأها للشاعر في المجلات والصحف.
بيئات مختلفة
د. إبراهيم العواجي: كثير من أصدقائي سواء الذين تولّوا مسؤوليات إدارة من بعدي في الوزارة أو في جهات أخرى، كنت أقول لهم: أنا اعتقد انطلقت من عملي من تربيتي في بيئات مختلفة، فيها شرائح من المجتمع سواء أكانوا من البدو والحضر، وتعوّدت على الاستئناس والاجتماع مع الناس، وهي جزء من تربيتي، لم أعش حياة المدن، الفرد منهم لا يعرف عن جاره شيئاً، يعيش حياته منزوياً في داره وبين الجدران. ونحن كجيل كنا نعيش في القرية كأسرة واحدة وبيت واحد، ونتعلم من الناس قيم الأخلاق، وقيم المروءة وتربيت على مبدأين حيث نرى ان المسؤول في العمل ينطلق من موقفين:
(1) انه كما هي مسؤولية الدولة الراعية هي مسؤولية الناس فإذا كان ينطلق من عمله أن مسؤوليته المحافظة التي كتبها إبراهيم العواجي أو الفلان.. فبالتالي هذا إذن ليس بحاجة إلى أن تعينه في هذه المسؤولية وتعطيه قلم السلطة وتقول له: تصرف، لأن هذه لا تحتاج إلى مسؤول بل الى موظف صغير يطبق النصوص.
والإنسان إذا استخدم اللغة البسيطة فهو محظوظ في موقع يخدم الناس.
(2) الموقف الثاني: أنا درست النظام وشاركت في صناعة أغلب الأنظمة السابقة في مرافق الدولة وليست وزارة الداخلية فقط، لأن وزارة الداخلية داخلة في كل الأنظمة بحكم وظيفتي والنظام عبارة عن نصوص يجتهد في وضعها ما بين قانونين ومختصين ويكتبونها وتعد ويكتب فيها مرسوم ملكي ولكنها لا ترقى إلى نصوص دينية كالقرآن الكريم، والنصوص التي لا تمس هي نصوص صادرة عن نظام وهذا لا يعني ان نسقط النظام، النظام إطار ونحن نعلم أن للنظام نصاً وروحاً وكنت لا أتقيد بالنصوص وإنما أبحث عن روح النظام، الروح التي من خلالها كُتب النص، هؤلاء المختصون الذين كتبوا النص، كتبوا النص لغاية معينة لستهيل أمور الناس أو تنظيم علاقات معينة، فبالتالي هذا مبدأ ساعدني، ربما لثقة المسؤولين وكونهم أعطوني صلاحيات بدون قيود وهذا ساعدني كثيراً جداً، لم يحاسبوني على ذلك بشرطين:
(1) ألا تكون لك مصلحة خاصة.
(2) ألا يكون فيه ضرر على الآخر.
بمعنى آخر، أستطيع أن أتجاوز النص النظامي إذا ما كان فيه ضرر على إبراهيم مثلاً أو ألا أتجاوزه، إني أنفعك لأنك قريبي أو محسوبي أو صديقي أو يدخل جيبي.. إذا التزمت بهذين المبدأين، تستطيع أن تتصرف بدون خوف من المساءلة من قبل الوزارة، حتى إذا سُئلت:
ألقاه باليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
أنت كمسؤول وضعت في مواجهة المسؤولين تصرف كما تراه، فقط انطلاقاً من المبادئ والأسس.
الشعر والتوازن مع الحياة
د. حسين المناصرة: المسألة في الحقيقة التي طرحت في تصوري أن معظم الذين درسوا في مجالات غير اللغة العربية على سيبل المثال كالطب والهندسة والرياضيات تجد التجربة الشعرية عندهم أكثر سلاسة ورومانسية، وهذه بشكل من الأشكال في تصوري قد توحي بأن الحالة الشعرية قد تكون جزءاً من الروح كالدكتور إبراهيم ناجي، والحقيقة أنا وجدت هذا الشيء من الوجدانية والرومانسية عند الدكتور إبراهيم العواجي.
وسؤالي: هل تشعر بأن الكلمة الشعرية هي عمق التوازن في شخصية المبدع وهو يمارس الحياة؟
د. إبراهيم العواجي: أعتقد أن هذا صحيح، الكلمة هي الكلمة، أنا لا أحضر ولا أصنع القصيدة، فالقصيدة تلقائية، وعبارة عن افراز واحساس يأتي على شكل نصوص ولذلك تستغرب أن عندي قصائد نبطية وقصائد غنائية، وأنا لا أختار النص، أنا أكتب وتأتي قصيدة تفعيلة أو عمودية، وأنا أكتب كل يوم تقريبا حتى الصباحيات، لأني أكتب كل يوم، لكن حسب مقاييسي لا تصلح للنشر لكونها مقاطع مختلفة وأعتقد أن الكلمة بالنسبة للشاعر محتوى مرتبط بإحساسه وشخصيته.
السيرة الذاتية
د. حسين المناصرة: لكن السؤال الذي يأتي في هذا السياق: هل كتابة السيرة الذاتية عندك يمكن أن تجسدها أو تكتبها أو لا تريد أن تكتبها؟
د. إبراهيم العواجي: السير الذاتية لا أعتقد أن لها قيمة بالنسبة للقارئ، أعتقد أن سيرتي الذاتية سيرة مواطن شق طريقه وتعلم وكافح ووصل إلى مستوى معين واختار طرقا مختلفة ووجد نفسه أيضا في مواقع لا اختيارية، لكن أنا الذي أتطلع إليه وأنا على رأس العمل وقبل عشر سنوات من تركي العمل فعلا انها كنت معدة على شكل رواية، أفرزتها مشاهدتي التحولات السلوكية التي رافقت الطفرة.. أنت إذا كنت كشاعر تعيش مثالياتك، ونحن الشعراء عندنا قيمنا ومبادئنا.. وعندك تصور أن هذا المجتمع مجتمع نقي وطاهر وصافي ومتكاتف.. وفيما بعد نفاجأ بأن السلوكيات ليست بالسلوكيات التي تعرفها، وصار عندك نوع من رد الفعل؛ فأنا فعلا أعددت مشروع الرواية وشخصياتها ولكن تراجعت ليس فقط عن كتابة الرواية، ولكن في نظرة المجتمع، وأدركت أن وزارة الداخلية لا يأتيها إلا الغث أو الحالات القليلة التي تحصل وأن المجتمع مجتمع في أصله خيّر وأنا لا أستطيع أن أحكم على هذا المجتمع من خلال الحالات التي تمر، حالات الجنح أو المخالفات أو خلافات بين الناس والأصدقاء والمشايخ.
وعندما عدت من أمريكا وتعينت في وزارة الداخلية قبل الطفرة بسنتين وأشرفت على تنظيم الوزارة، ثم جاءت الطفرة وكنت قبلها بحكم أن وزارة الداخلية هي التي تتعامل مع كثير من الأمور من التأشيرات الى افرازاتها ونتائجها السلوكية، وكانت تجربة قوية جداً على واحد مثلي جاء بمثاليات، وأنا لم أطمح في يوم من الأيام.. عندما عدت من أمريكا لم يكن في حسباني أن أمارس عملا إداريا قبل أقل من ست أو سبع سنوات، وذهبت آنذاك لجامعة الملك سعود وقابلت معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر لاجراءات التدريس ولم يكن من طموحي، لكن عندما تأتي بعد جهد كبير من البحث وتكتب رسالة قوية، وجادة، وتجيء مليئا بأفكار بحثية، ولم يكن عندي طموح أن أغدو إداريا آنذاك إلا أنهم طلبوا مني ذلك، والحمد لله كانت التجربة غنية، لكن عندما تركت الوزارة فكرت لماذا لا أكتب سيرتي الذاتية على شكل رواية أو سيرة ذاتية.. وتجربتي ليست مثل تجربة معالي الدكتور غازي القصيبي.
لكن تجربتي في حياة الناس وأخلاقهم وسلوكياتهم، ولها احتكاك مع رجال السلطة، ليس من السهل أن تكتب شيئا، لا بد أن يكتب المبدع بما يتفق مع قناعاته الحقيقية حول ما يجب أن ينشر. وكل تفكيري حينما أكتب يكون منصباً أمام القارئ الذي يتلهف ويتشوق لهذا الكتاب.
القارئ المقصود
د. محمد بن عبد اللطيف: من هو القارئ يا دكتور المتلقي العادي أم القراء الذين تتوقع أنهم يوفونك شخصيا وتتوقع ردود أفعال مثلا؟
د. إبراهيم العواجي: لم أكن آخذ أبدا بالجوانب الشخصية، وأتكلم عن القارئ الذي لا أعرفه خصوصا الذي يرسل لي بالبريد الالكتروني أو يرسل لي رسالة، والذي يتابع ويقرأ انتاجي هذا الذي احترمه، هذا القارئ لا استطيع أن أقدم له شيئا مقبولا بصفة عامة لا طعم له ولا رائحة، فإذا لم أقدم له شيئا يضيف قيمة وإذا لم أكتب شيئا يسجل لمرحلة أكون غير راض عن ذلك.. لكن متى وكيف؟ هذا ما يشغلني حاليا، فإذا لم اسجل للمرحلة التي عشتها بأمانة وصدق كجزء من تاريخ تطور حصل في البلد بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات،فأعتقد أني أفضل أن أبقى كما أنا وليقيمني الآخرون كما شاءوا.
الأمن والمثقف
سهم الدعجاني: أنا مستمتع بحديث الدكتور إبراهيم العواجي ودائما ما أسعد بحضور مجالسه، لكن الذي أعرف من خلال قراءاتي ومتابعاتي لما ينشر في مجلات في الوطن العربي، فإن (الأمن) لا يلتقي مع (المثقف) لأن المثقف دائما ما يدّعي (الحرية) وبالتالي فإن المثقف في الوطن العربي دائما ما يتصادم مع جميع الإدارات الأمنية، وأنا يعجبني حوار الدكتور إبراهيم العواجي حينما قال: أنا صديق المثقفين، فكيف استطاع الدكتور العواجي أن ينمي هذه المعادلة خصوصا مع عمله؟
النقطة الثانية من مداخلتي: دائماً ما أقرأ في حوارات الدكتور إبراهيم العواجي أن له علاقة عجيبة وأزلية مع (الفجر) فهو يكتب وقت الفجر، يعانق (الفجر) كثيراً ويرى في (الفجر) أشياء كثيرة وعناوين أحد دواوينه (الفجر).
النقطة الثالثة: أنا أعتقد أن الدكتور إبراهيم العواجي يصنع جماهيريته من خلال افرازات قدراته الابداعية واستمرار عطائه الاعلامي وعطائه الابداعي.. فما سرّ ديمومة هذا العطاء المستمر؟
د. إبراهيم العواجي: أعتقد أن الجمع بين مسؤوليتي واحتفائي ب(المثقف) يعود إلى قناعاتي ومفاهيمي وطبيعتي، وأنا بالنسبة للمثقفين وكثير من الأمور لا أستطيع أن أتحدث عنها لأنها تتعلق بظروف كثير من المثقفين في كافة المواقع أو شرائح معينة من المجتمع، ربما يعود ذلك الى مبادئي الخاصة حول الناس وحول الوطن فقد كان لها دور كبير جداً في انني قمت بمحاولات معينة ولا أعتقد أن هناك تعارضا بين ممارسة مسؤولية الثقافة تجاه الكلمة وتجاه أهلها بأشكالها وبين أداء عملي الأمني، أنا لم أكن ضابط أمن يمارس مسؤوليته في الميدان وإنما كنت مسؤولاً عن إدارة بجزئياتها المختلفة وربما كان لي دور أو حاولت أن أسهم في كثير من بعض الأمور التي كنت أرجو أن تحدث أو حدثت وتمس حياة الناس، لكن كان حسي الخاص موجود، وربما بدون هذا الحس كنت كأي موظف بيروقراطي عبر هذا الكرسي وانتقل منه لكرسي آخر أو أي مكان آخر.. وأعتقد أن هذا يتعلق بشخصيتي بكل ما فيها من سلبيات وايجابيات.. ترى فيها سلبيات أكثر من الايجابيات ولكن لأنكم محبون ولطفاء ترون شخصيتي من زوايا أخرى.
أما عن (الفجر) فأعترف لكم اعترافاً بأن هذا عنوان لأحد دواويني (الفجر.. أنت لا تغيب) يحتوي على قصائد كتبتها بين السادسة والنصف والسابعة وكلها كتبتها وأنا في وزارة الداخلية، وأعز مجموعة عندي هذه المجموعة (الفجر أنت لا تغيب)، ولو أراد أحد أن يفهم إبراهيم العواجي لأشرت عليه بالرجوع إلى هذا الديوان، ولأنه خماسيات بسيطة فإنك تستطيع أن تقرأها وأنت تشرب الشاي أو وأنت تمشي، لأن فيها سلاسة وبساطة ولكنها محملة بشخصيتي، مواقفي، رؤيتي، انكساراتي، بعض الصباحات، كل ذلك تجده في تلك المجموعة، فعلا هي مجموعة تمثلني أنا ولكن لا يعني ذلك أن الدواوين والقصائد الأخرى لا تمثلني، لكن تلك المجموعة أعتقد أنها تمثلني ربما لوقتها عند الفجر، والفجر بالنسبة لي يعني هو الفجر، الضوء المضيء الذي يبدأ بالحياة فيه، والفجر هو المبدأ والقيمة التي يؤمن بها الانسان، وتجد في المجموعة الشعرية معاني أخرى لدلالات (الفجر) فالفجر هو المرأة التي تحب، و(الفجر) هو الرسالة، و(الفجر) هو الحب، وأنا بالنسبة لي يجب أن يفرغ (الفجر) من مدلوله اللفظي إلى مدلول يرتقي بك إلى مجموعة أخرى تشغلني كالمبادئ والمرأة.. ليست أي امرأة فأنا أعتقد أن المرأة مهمة في حياة الانسان، ونحن مع الأسف نستقبل (الفجر) ونحضن المساء ونأتي (الفجر) بتكرار ممل؛ لأننا لا نسأل أنفسنا ماذا يعني هذا الفجر وماذا بين الفجر والفجر؟ وهذه حياتنا مع الأسف وخاصة في الوطن العربي، (الفجر) يعني بداية الحياة والحياة لا تبدأ إلا بعد (الفجر) فالناس يزاولون أعمالهم بعد (الفجر) من منتج وزارع، والمدارس، والطالب، والحياة تبدأ بعد (الفجر) ولكن لنا أن نتساءل: هل نحن نتعامل معه من هذا البعد؟ الاجابة تعني قطعا لا. ونحن نستهلكه ونشكو من حرقة الشمس وأنا فعلا أحيل الدارس لأعمالي أحيله إلى تلك المجموعة، حتى في الأمسيات الشعرية كنت أفضل أن ألقي محاضرة في الشأن العام وأعقبها بقراءة بعض النصوص والمجموعة من اقرب الاعمال الى نفسي ربما لأنني أعشقها وأحبها.
مفهومي للمثقف أنه يكون مرآة المجتمع بأخذ مساحة سواء بالميكروفون أو الصفحة أو من خلال الورقة أو من خلال الكتاب وربما مفهومي لا يتفق بالضرورة مع الآخرين سواء المثقف أو حتى المسؤولين الاداريين المتعلمين الذين درسوا ومع الأسف الشديد مجتمعاتهم مغلقة، وأنا على دراية بذلك بحكم اتصالي بهم، ونجد أن مجتمعاتهم مغلقة ولا تستطيع أن تقول ان مجتمعهم مغلق على فئات ضيقة ومحصورة لأنهم يختارون هذا ويأنفون من الآخرين.. لا.. الحقيقة هذا ليس صحيحا، لكن لأنهم تعلموا وانصهروا في الوظيفة وربطتهم بمصالح وناس وصاروا هم حبيسي الظروف، وأنا ولدت ونشأت في الرس وعشت في عفيف مقر البادية وبعض الحاضرة وجئت للرياض في سن مبكرة وكانت منفتحة وأجد متعتي مع الناس من خلال تلبياتي دعواتهم، لأني أتعلم منهم الأشياء المفقودة، الأشياء التي تطمرها الحياة الحديثة وأنا لم أصنع جمهوراً ولا أعتقد أن لدي جمهوراً، فأنا لي فئات من الناس محبون لكن أنا لا أؤمن ب(الشللية) وأحارب (الشللية) لأن الشللية عبارة عن دخول سجن وقد يكون السجن عبارة عن مئة شخص في مجتمع يتألف من 16 مليون، لكن.. كيف أحارب (الشللية) وأنا لا أقطع علاقتي بأصدقائي ونتواصل بشكل دوري على مدار الأسبوع والشهر، وأحرص على علاقتي بالآخرين الذين أشعر بأنهم يجدون في تلك العلاقة المتعة، وأنا أستفيد منهم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved