الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st April,2003 العدد : 7

الأثنين 19 ,صفر 1424

أنا والقرعاوي
أ.د.منصور الحازمي

لا ادري اين قابلت عبدالله القرعاوي لأول مرة، ومتى وكيف؟ ربما في منتصف القرن الميلادي الماضي، او حول ذلك بقليل او كثير، الزمن يطوينا طياً ويقرض اعمارنا ونحن لانشعر، واغلب الظن انني قابلته بباب السلام في مكة القديمة، او في حصوة باب العمرة في الحرم المكي، كنا طلاباً نتجمع للمذاكرة او الدردشة والجبال تحيط بنا من كل جانب، واعلاها جبل ابي قبيس الذي يقف امامنا في شموخ وكبرياء، والحمام لايكف عن الطيران والمرح، او ربما رأيته في الحفل الثقافي الذي يقام اسبوعياً بين مدرستي المعهد العلمي السعودي وتحضير البعثات ويحضره علية القوم من التربويين والمثقفين ومنهم الاساتذة محمد حلمي وعبدالله بغدادي وابراهيم فطاني وعبدالله بوقس وابراهيم علاف، لابد ان القرعاوي قد اتحف تلك «المسامرات الادبية» ببعض قصائده الاولى التي نظمها في مراهقته وصباه، ولقد فقدت، للأسف، كتاب «المسامرات الادبية» الذي يحتفظ بهاتيك النماذج، ولكن الاستاذ عبدالله بن ادريس قد سجل له في كتابه «شعراء نجد المعاصرون» اربع مقطوعات يقول عنها انها تمثل شعره خلال دراسته الثانوية، ويقول عنه انه شاعر جيد، ولكنه مقل ولا يحبذ نشر شعره في الصحف ويرجع ابن ادريس الى كتاب «المسامرات الادبية» لعبدالله بغدادي في تسجيل اثنتين من هذه المقطوعات وجميعها تنمو نمواً رومانسياً عاطفياً تناجى الذات وتستلهم الطبيعة وتستعذب الألم.
وتمثل مصر لجيلي وجيل القرعاوي في سبعينيات القرن الهجري الماضي، وخمسينيات القرن العشرين عالماً جديداً يزخر بالألوان والاضواء والبريق، عالم الفن والفكر والثقافة والحرية، والانتقال الى ذلك العالم الرائع يمثل حلماً جميلاً لمعظم طلاب المرحلة الثانوية في المملكة، او بعبارة اصح في قلعة جبل هندي وحي القشاشية بمكة المكرمة، والمدرسة الثانوية الوحيدة في بلادنا سُميت ب«تحضير البعثات»، اي بهذه النية المبيتة على الانتقال، ومعظمه الى مصر، او الى «أم الدنيا»، كما كانت تسمى في ذلك الزمان.
انتقل عبدالله القرعاوي الى مصر عام 1952، وانتقلت أنا إليها عام 1954، ويقال ان القاهرة لم تعجب القرعاوي فتحول عنها الى جامعة الاسكندرية بعد عامين،، اي انني لم أره بين طلاب دار البعثات السعودية، الكائنة بشارع المساحة بالدقي، ولكن كتاب «طلبة البعثات السعودية في المرآة» الذي اصدره عبدالله سلامة الجهني وآخرون سنة 1376ـ1956م اثبت لعبدالله القرعاوي قصيدة بعنوان «الروح الهائمة» وهي نفس القصيدة التي اوردها له عبدالله بن ادريس بعد حوالي اربع سنوات في كتابه المذكور ولم يبين مصدرها، وان كنا نلاحظ بعض الاختلافات الطفيفة في نص العقيدة بين الكتابين فمن هي يا ترى تلك «الروح الهائمة» التي ناجاها شاعرنا في شبابه الحالم المتطلع؟
من أنت يا أنشودة الشاعر؟ يابحّة الارغول في السامر تموجت اصداؤها عذبة وانعكست في قلبي الحائر. إنها الروح المتجسدة في جميع مظاهر الطبيعة، في الشفق والنهر والموج واشعة الشمس والعواصف التائهة بل إنها روح الفنان القلق المبدع المتألم.
ما انت الا ريشة ابدعت
شقراء تروي بالدم الفائر
في اضطرام الشوق في اضلعي
او انحدار الدمع من ناظري
او لمسة الابداع مهتاجة
ورعشة الالهام في خاطري
والغريب ان قصيدة القرعاوي هذه «الروح الهائمة» هي التي حظيت بإعجاب الكثير من الباحثين، وها هو استاذنا الكبير عبدالله عبدالجبار يشيد بها في كتابه «التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية» سنة 1959، ويقول عنها إنها «قصيدة رقيقة ذات رنين موسيقي حالم» ص294 كما يجعلها عبدالكريم بن حمد الحقيل ممثلة لشعر القرعاوي، وذلك في كتابه «شعراء العصر الحديث في جزيرة العرب»، سنة 1399ه/79 19م ص259.
ذاك القرعاوي، عبدالله الحالم، لم تعجبه دراسة الحقوق في قاهرة المعز المزدحمة، فطار الى اسكندرية المقدوني احلام الشاعر واحلام المدينة الساحلية الجميلة، اين قصائده التي قالها في حوريات ذلك البحر الهائج، لا ادري ولكن لابد له ان يستيقظ ويعود الى بلاد الصحوة وأشعة الشمس الحارقة، ولم تكن اجهزة التكييف قد انتشرت في ذلك الزمن الموغل في القدم، أعني أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات الميلادية. لقد عاد سنة 1962، بعد ان طالت غيبته، ولابد ان في سيرته الذاتية، التي لم اطلع عليها، الكثير من الامور المدهشة.
اما المرة الثانية التي شعرت فيها بالاقتراب قليلاً من الصديق العزيز عبدالله القرعاوي، فكانت عند تعيينه في الجهاز الاداري بجامعة الملك سعود من سنة 1391ه الى سنة 1396ه «حسب دليل الثقافة والفنون» اقول «قليلاً» لأن الكادر الاكاديمي ليس له علاقات مباشرة بالكادر الاداري بالجامعة، وان كنا قد سعدنا حقاً نحن الاكاديميين السعوديين بتلك النخبة المختارة من الاداريين المؤهلين، وفي مقدمتهم الدكتور عبدالله الوهيبي والاستاذ عبدالله النعيم والاستاذ عبدالله القرعاوي، الى جانب استاذنا الكبير الدكتور عبدالعزيز الخويطر. لقد كانت سنوات التسعينيات الهجرية السبعينيات الميلادية هي السنوات التي يشار اليها دمعاً بأنها سنوات الطفرة والبناء والانفتاح شغل الناس بالمال وامتلأت الجبال والبراري والقفار بالدلاّلين والمتسوقين، وانصرف الطلاب يبحثون عن الذهب المخبأ في بطون الرمال وانصرفنا نحن نبحث عن الطلاب، ان ظاهرة الطفرة تحتاج الى دراسات متأنية، وقد كتبت في تلك الفترة قصيدة بعنوان «على اطلال كلية الآداب» أشكو فيها الحال واقول في مطلعها:
قف بالديار على كلية القَلَم
واسكب لديها دموع الحزن والألم
عَفَّت معالمها لولا شويهدُها
على الجدار وفي الهيكل الهرم
وهناك الكثير من شعرائنا الذين تنبهوا الى ما احدثته تلك الطفرة من مشكلات اجتماعية ونفسية واخلاقية، ليس الشعراء فقط بل الكثير من ادبائنا وقصاصينا فما الذي فعلته ياترى تلك الطفرة في ابداع صديقنا عبدالله القرعاوي وكتاباته الصحفية المتعددة؟! وهو المتخصص في الاجتماع وعلم النفس.
وأخيراً تجمعنا سنة 1414هـ تحت سقف واحد، اعني قبة مجلس الشورى، وكنا قد اشرفنا على سن التقاعد، ولكن تلك الدورة الاولى تحتاج الى الحنكة والحكمة وقائمة طويلة من الخبرات والتجارب. لقد كانت السنوات الاربع التي قضيناها في رحاب ذلك المجلس الموقر مليئة بالحركة والنشاط والافكار البناءة المفيدة ولم تكن اجتماعاتنا المتخصصة والعامة تخلو أحياناً من الغمز والهمس والضحك، على الرغم من جدّية النقاش والجهامة المطلوبة ويبدو ان الادباء هم دوماً فاكهة المجالس، ودورتنا تلك لم تحرم من الشعراء والمبدعين من امثال زاهر الألمعي وعمران العمران وعبدالله القرعاوي.
ولكنا قررنا في ذلك الزمان، أعني أنا والصديق الدكتور عبدالله العثيمين والاستاذ عبدالله القرعاوي، تكوين فرقة شعرية خاصة، سميناها فيما بعد «فرقة الشعراء المقلِّين»، باعتبارنا من الشعراء غير المحترفين، وممن لا يستجيبون لشياطين الشعر بسهولة كما يفعل الآخرون، وقد انتخبنا لادارة جلساتنا الشعرية والترويج لفرقتنا الناشئة صديقنا النجم اللامع صاحب المجلة العربية الاستاذ حمد القاضي وقد أحيت الفرقة عدداً من الامسيات الشعرية في مختلف مناطق المملكة، ولكننا كنا نحرص على تجنب اضواء العواصم التي تغص بالحداثيين ونفضل عليها المناطق النائية التي يغلب على ؟؟ الطيبة والمحافظة وشيء من الرومانسية الحالمة، وقد اكتسبت فرقتنا سمعة طيبة وجاذبية خاصة، غير ان نجاحها يرجع في معظمه الى مديرها اللبق ذي الابتسامة الجذابة، والحيل النادرة، فهو حين ننتهي من إلقاء القصائد يقوم بقراءة الأوراق التي وردت من الجماهير المحتشدة، وجميعها تطلب قصيدة القرعاوي في النخلة، وقصيدة العثيمين في «الاساطير» وقصيدة الحازمي في «ماجي».. والغريب ان الجماهير في كل مكان نقصده لاتزال تلحُّ على سماع هذه القصائد، والحقيقة ان القاضي هو جمهورنا الحقيقي. لقد قضى منذ اول جلسة وأنهى الامر.
هذه بعض الذكريات عن الصديق العزيز عبدالله القرعاوي،
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved