الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st April,2003 العدد : 7

الأثنين 19 ,صفر 1424

عشت في حياتهم
عبدالله القرعاوي
عبدالله الماجد

في حياة «عبدالله القرعاوي» عاش كثيرون صبغهم بلون حياته الزاهي وعطر محبته.. من ينظر إلى وجهه متفحصاً سيجد رسم ابتسامة حفرت معالم خطوط هذا الوجه، ولم تفارقه حتى أصبحت العلامة المميزة له، فهو ينطوي على سمة لا يميز بين الكبير والصغير، إلا حيث يعطي للكبير مقامه، ويرفع من الصغير ليصبح كبيراً، وهكذا عشت صغيراً في حياته حتى كَبُرتُ، ومعي كثيرون حققوا نجاحات كثيرة من زملاء الحرف في هذه المعشوقة النافرة التي يعرفها القراء باسم «الصحافة» كان وراءها «عبدالله القرعاوي» بدفعه المباشر لهم، أو بسماحته التي لا تعرف حدوداً، فحين كان مديراً عاماً لمؤسسة اليمامة الصحفية لم يكن ذلك المسؤول «البيروقراطي» يكبح تطلعات الباحثين عن التطوير، ولم يكن ذلك «المتسلق» الذي يصبغ نجاحات الآخرين بصبغه، كان كمثل «صانع النجوم» يقف وراء الستار ويدفع بهم إلى الصدارة، وحين بدئ التفكير في تطوير مؤسسة اليمامة الصحفية، كان «عبدالله القرعاوي» أحد أولئك المهتمين الذين دفعوا بهذا العمل إلى الحياة، فبعد أن كانت مجلة «اليمامة» وجريدة «الرياض» تطبعان في «شركة مطابع الرياض» ضمن مطبوعات صحفية أخرى هي «الجزيرة» و «الدعوة» أصبح للمؤسسة مطابع خاصة، ومبنى خاص، وما لبثت المؤسسة حتى أصدرت صحيفة «الرياض ديلي» الانجليزية التي بدأت كنشرة صحفية متواضعة، وكان خلف التطوير الفني والتحريري الذي شهدته صحف المؤسسة، لم يكن مديراً إدارياً، بل كان كاتباً وصحفياً وقبل ذلك شاعراً.
وحينما كان مديراً عاماً للإدارة في جامعة الرياض «الملك سعود حالياً» كان أحد المؤسسين لقسم الإعلام في الجامعة، ووضع كل امكانات مؤسسة اليمامة الصحفية لطبع جريدة القسم «رسالة الجامعة» التي خُصِّصَ لها مكتب في مبنى إدارة الجامعة، وكان يتابع تنفيذها واخراجها، ولا يزال عدد من أساتذة قسم الإعلام بالجامعة حالياً الذين كانوا طلاباً حينذاك يتذكرون ذلك التاريخ، في عمله الإداري.. كان نموذجاً للإداري المتلزم، يحضر إلى مكتبه مبكراً، وينهي أعماله الإدارية مبكراً وقبل نهاية الدوام، يكون قد أنجز جميع أعماله الإدارية وما تبقى من الوقت يتحول المكتب إلى منتدى علمي وأدبي، تجد في المكتب معظم الأكاديميين من أساتذة الجامعة وبشكل يومي، بحكم عملي معه في الجامعة، كانت معظم مناقشاتنا تتحول إلى مشاريع صحفية وأدبية وتتحول إلى مقالات وتحقيقات صحفية.
في مؤسسة اليمامة الصحفية، كانت تصله جميع الصحف والمجلات العربية، ضمن اشتراك المؤسسة فيها، وكان بينها بعض الصحف والمجلات العربية، التي لا توزع في السوق، فكان يحرص على أن نطلع عليها بشكل دوري يوزعها بنفسه، وأتذكر في بداية السبعينات الميلادية أنني اطلعت لأول مرة على مجلتي «صباح الخير» و«روز اليوسف» عندما كان يطلعني عليها في اعارة دورية لمدة يوم، حيث يُعطيها لزميل آخر، كما أنني طلبت منه أن تشترك المؤسسة في مجلات أدبية، لا تصل إلى سوق التوزيع مثل مجلة «الآداب» و«الطليعة» التي كانت تصدر عن مؤسسة الأهرام، حتى نكون على اطلاع لما يجري على الساحة الأدبية العربية من تطورات، بل إنه في مناسبات كانت يلفت نظري، إلى صدور بعض الأعمال الأدبية والفكرية من خلال متابعاته المستمرة، في معظم المواضيع الصحفية الأدبية، التي كنا نسميها «الخبطات الصحفية» كان «عبدالله القرعاوي» صانعها، فعلى سبيل المثال الكشف عن «السرقات الأدبية» كان يكتشف بعضها ويقدمها لي، وأتولى إعدادها للنشر، ومع أنه كاتب وأديب وشاعر، فكان لا يستغل منصبه في أن تتصدر مقالاته الصفحة الأولى، ونادراً ما كان ينشر في صحف المؤسسة: اليمامة أو الرياض. وليست مفارقة صحفية أن ينشر مقالاته في صحف أخرى، وأن تصبح له «زوايا» أسبوعية في صحف غير صحف المؤسسة التي كان يشرف عليها.
«عبدالله القرعاوي» احدى الحالات «الاستثنائية» في مجتمعنا الثقافي، وهو حالة مؤسسية منتجة ومؤثرة.. ساهمت في بروز كوادر ثقافية، وعززت من استمرار نماذج انسانية فاعلة في هذا المجتمع، هذه النموذجية، كانت موجودة في فترات متعاقبة في مجتمعنا، متمثلة في رموز معدودة، لكنها مع الأسف بدأت في الفترات الأخيرة تتوارى في زحمة احتدام حركية المجتمع وجنوح رموزها المؤثرة إلى بناء ذاتيها المتنامية، لم يكن ل«القرعاوي» صالون أو منتدى أدبي مُعلن، ولكنه كان في حركية حياته في كل المواقع العملية، كان صاحب منتدى وصالون، دون أن يقصد أو يعلن ذلك، وكان فاعلاً ومؤثراً، في صمت الفعل وأثره. ولقد كان أكثر ما يميزه، وهو ما حقق لحالته المؤسسية الفعل أنه كان يجمع حول قطبه جميع الاتجاهات وتدرج الأجيال، وكان يحفل كثيراً وباهتمام ملحوظ بأجيال الشباب، وكان سر فعاليته، أنه لم يكن يمارس عليهم نوعاً من «الاستاذية» كانت نبرة صوته هي الاكتشاف المزدوج لأسرار المعرفة، كان يُعلِّم ويتعلم، في سماحة مؤثرة، جعلته أكثر تأثيراً في طريقة تعامله مع المنخرطين إلى منتداه وصالونه الذي كان يتحرك معه أينما كان.
وانطلاقاً من هذا التحليل، فإنني أقترح أن يتم تفعيل «صالون عبدالله القرعاوي» وهذه المرة وكنتيجة لتأثيره في حياة كثير من أجيالنا الثقافية، فإن مهمة إقامة هذا الصالون تقع على أنجب جيل أثر عبدالله القرعاوي في حياتهم، ويقفز في ذهني، اسم «حمد القاضي» كواحد من أبرز النجباء في جيلنا لمع في حياة «أبي طارق» ليتولى الدعوة المنتظمة لهذا الصالون وبالطريقة التي يُحددها مع صاحب الصالون، يجتمع فيه أصحاب الوفاء لمن أوفى حياتهم بعطائه لهم، وتجتمع فيه معهم أجيال جديدة، تلمع وتؤثر في مستقبل حياتنا الصحفية والثقافية، لم يكن في طرح اسم «أبي بدر» انحيازاً شخصياً بل لأنه «فعلياً» صاحب المبادرات المستمرة لإقامة هذا الصالون غير المعلن، المتمثل في زياراتنا ولقاءاتنا «بأبي طارق» فهو الخفي بنا دائماً وصاحب الوفاء الذي لا يموت.
والمطلب الثاني فهو موجه إلى مؤسسة اليمامة الصحفية «بيتنا الأول» وهو أن تُطلق اسم «عبدالله القرعاوي» على احدى القاعات في مبنى المؤسسة، أو أن تقيم جائزة صحفية باسمه، أو ما تراه جديراً باسم أحد المؤسسين المؤثرين في تطوير هذه المؤسسة.
والمطلب الثالث، موجه إلى جامعة الملك سعود، بأن تُطلق اسم «عبدالله القرعاوي» على أحد مدرجات «قسم الإعلام» في كلية الآداب بالجامعة، تمجيداً لدوره في تأسيس هذا القسم، ومساندته ودعمه لإصدار مجلة القسم «رسالة الجامعة».
إن تكريم الرواد في حياتهم، هو الاعتراف الحقيقي بريادتهم، فما أجمل أن يقطف الورود والزهور من زرعها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved