Culture Magazine Monday  21/05/2007 G Issue 199
فضاءات
الأثنين 4 ,جمادى الاولى 1428   العدد  199
 

العواد في ذاكرة التاريخ (4)
العواد في موازين الآخرين
عبدالفتاح أبومدين

 

 

ونقرأ في كتاب عبدالرحيم أبي بكر قوله: وقد كان نقد العواد لديوان البسمات الملونة، نقداً شاملاً بناء هادفاً، يبين المحاسن ويشيد بها، ويشير إلى بعض المآخذ وينبه إليها.. وعلى جانب آخر، نجد الكاتب يجنح إلى موضوع التجديد في الحجاز، فيقول: وهذا المثل هو الجهد الذي قام به الأستاذ محمد حسن عواد في إبان النهضة، والأستاذ العواد يعتبر من الشعراء النقاد بل الرواد في هذا المجال بين جيله، وقد أعطى تيار التجديد منذ شبابه كل ما يستطيع من جهد صادق موفق، وكتب في ذلك مقالات وشعراً حققا له مركز الريادة.. ثم يشر الكاتب إلى ما حفل به كتاب العواد الأول (خواطر مصرحة) وكذلك كتابه (تأملات في الأدب والحياة) وذلك في اهتمامه بالتجديد في الأدب، وقد أشرت آنفاً إلى أن أديبنا في مطلع حياته الأدبية وفورة شبابه، كان مهتماً بالتجديد، وأنه رفض الكثير من الأدب القديم رغم أن فيه كنوزا هي مرجعية قوية وقيمة لا غنى عنها لأي كاتب ودارس للأدب العربي، غير أن الأدب المعاصر في المهجر ونحوه جذب أديبنا إليه بقوة وشغله أكثر من غيره، ربما لبريقه وجدته، وأنه أدب حركي ليس فيه جمود ولا حشو لا خير فيه.. ويقف الأستاذ عبدالرحيم أبو بكر عند هجمة العواد على الشعراء المقلدين في خواطره المصرحة، في مقال له بعنوان (أيها المتشاعرون)، فيحصل على الذين يقلدون أساليب القدماء في التخميس والتشطير والتشجير ونحوها من تلك الزخارف.. ولعل بعض أولئك الشعراء المقلدين معذورون، لأنهم وجدوا في زمن راكد مجدب، لم يتح لهم الوصول إلى التجديد وإلى نهضة أدبية تدفع بهم إلى الاتقان والتجديد، لأن ثقافتهم ضحلة ضيقة عمادها بعض الركيك من كتب القدماء، ولم يحن بعد انفتاح بلادهم على الثقافة الجديدة في الوطن العربي الذي أتيح له أن يدخر فجر النهضة، والكتاب الجيد عزيز ونادر في بلادهم يومئذ، والتعليم في أول سلمه، وليس هناك سوى مدرستي الفلاح في جدة ومكة والصولوتية قبلهما في مكة، وبعد ذلك العلوم الشرعية في المدينة المنورة، وإمكانات هذه المدارس لا شك أنها محدودة جداً في قبول الطلاب الذين يسعون إلى تعليم متطور ينهض بهم في حياتهم ومستقبلهم.. وفي وقفة على بعض آراء العواد في التجديد التي اهتم بها الأستاذ عبدالرحيم (كتاب العواد (تأملات في الأدب والحياة) الذي كتب مقالاته ما بين 1932م و1936م، فيقول: فواجب في نظرنا أن يتحد الشعر والفلسفة، وبعبارة أجلى، أن يكون شعر الثقافة الحديثة في العصر الحاضر فلسفيا عميقا جذاباً، إذ ما قيمة الفكر الثاقب المتسلط على أعماق المسائل الإنسانية مهما تباينت ألقابها، إذا كان هذا الفكر لا يصنع شيئاً قيماً في اكتشاف مجهول من عالم المجهولات (8).. وهكذا دأب العواد في حملته على الركود ودعوته إلى التجديد بكل السبل، كما في مقالته (القذاذة في الشاعرية) ومعنى القذاذة لغوياً: الشيء ما قد منه سقط وهكذا يمضي العواد في مطلع حياته الأدبية وشبابه الفوار المتحفز، يحمل باللائمة العارمة على أدب التقليد والمديح في الشعر، وكذلك الأدب الكاسد كما سماه وحتى ترديد الأمثال القديمة، وقومه يقرؤون ويسمعون أن غيرهم من الأمم العربية والغربية قد نهضت بالعلم، وأن الشباب في الحجاز يتلبسه الخمول والجمود، وهذه الحياة الراكدة لا تليق ولا توائم تطلع الطامحين، وهم خليقون أن يشاركوا في نهضة بلادهم إلى السمو وإلى الرقي المدني والحضاري، وأنهم ليسوا أقل من الشعوب التي نهضت بحياتها فبرزت في دنياها من خلال كدحها وعملها وطموحها وتطلعاتها الجاهدة.. ولا يشك مخلص واع في هذا التوجه الذي رنا إليه الطليعة من الشباب الحجازي في عصر العواد ولذاته الأستاذ محمد سرور الصبان وعبدالوهاب آشي ومحمد سعيد عبدالمقصود وإضرابهم من الشباب الطامحين، وغير الطامحين لا خير فيهم كما يقول أمير الشعراء.. ونتابع مع الدارس عبدالرحيم أبي بكر في وقفاته على أدب العواد في صدر حياته فيقول: ويخيل إلي أن العواد بنزعته وأسلوبه في كتاباته النقدية ودعوته إلى التجديد، كان يمثل (مدرسة الديوان) المصرية في الحجاز وخاصة دور العقاد، ولا يبعد أنه كان يتأثره، ففي بعض تعبيراته يلحظ القارئ أفكار العقاد النقدية، وأنا مع الكاتب فيما ذهب إليه.. لا سيما وأن الأستاذ محمد سرور الصبان رحمه الله دعم تيار التجديد الذي رفع لواءه العواد في خواطره المصرحة، فقدم لتلك الخواطر وأشاد بها ونشرها في البيئة الأدبية، وأن تلك الخواطر مهدت كثيراً لما تلاها من إنتاج شعري متجدد، إذ حملت في دعوتها آراء مستحدثة، ونظرات في النقد والأدب والحياة، وجهرت ببعض المفاهيم الجديدة التي كانت نتيجة استيعاب، وحقا فإن ما قدمه الكاتب، هو كما سماه من بواكير الرواد.. وهذا كله نتاج لتمرد الشاعر الكاتب محمد حسن عواد رحمه الله، ليذيب الجليد ويوقظ النوام السادرين الخاملين، ويقول لكل واحد منهم: انهض فقد طلع الصباح ولاح محمر الاديم، والعواد من حوله من الطليعة المتحفزة، لم يعيهم أيقاظ الرقود، فانتصرت صيحتهم في مجتمعهم الذي فتح أعينه على فجر جديد، عدته العلم والعمل والإخلاص للوطن، والسعي الجاد نحو حياة كريمة - تبعث الميت في البلى - كما قال شاعر النيل، فأخطر شيء في الحياة الدنيا ميت الأحياء كما قال أبو الطيب.

(6)

وتقول السيدة نجاة العواد، ابنة الأديب الرائد فيما نشر لها من حديث في مجلة اقرأ في الحلقة الثالثة بالعدد (320) الصادر بتاريخ 26-6-1401هـ الموافق 30-4- 1981م عن أبيها أنه: كان ينادي بتحرير فكر المرأة، وكان يقول لها: يجب أن يكون لك رأيك المستقل، إذا رأيت أن فكرك ورأيك يخالف المطروح أمامك، فلا بد أن تقولي رأيك.. وفي الزواج لا يرى العواد أن زوج المرأة يلغي شخصيتها، وكان يطالب المرأة بأن تشارك برأيها في كل أمور الحياة، فذلك أجدى للأسرة والمجتمع، لأن الحياة الزوجية شركة بين اثنين.

(4) التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، 1959، من 292

(5) التيارات الأدبية - النثر في المقالة - ص 25-26

(6) ص 128، محمد حسن عواد شاعراً، رسالة ماجستير، طبعت سنة 1405-1985م

(7) وقفات الشامخ مع العواد، بدأت من ص100-114.

(8) الشعر الحديث في الحجاز. ص 276 إلى 293

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5135» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة