Culture Magazine Monday  21/05/2007 G Issue 199
فضاءات
الأثنين 4 ,جمادى الاولى 1428   العدد  199
 

في مسألةٍ ثقافيةٍ غايةٍ في الغرابة
أَيّتُها الثقافةُ: مَنْ أَنْصَفَكِ؟ أيُّها الأدبُ: مَنْ افْتَدَاك؟
عبدالله بن عبدالرحمن الزيد

 

 

لو نادت مجموعة بتكريم الأستاذ (محمد بن أحمد الشّدّي) لكنتُ من دون ريب واحداً من تلك المجموعة، ولو وقعت جملة من الأصدقاء على بيان يدعو إلى الإشادة به والاحتفال بسيرته الثقافية لما تأخرتُ عن رسم توقيعي.. ضمن الموقعين.

غير أن الذي زعزع الإيمان بمثل تلك المبادرة وهَزَّ الثقة في تحقق مؤداها..

ما قام به الأستاذ (محمد) مؤخراً مما يُصنَّفُ - بكل المقاييس والأعراف - على أنه عمل مجاني بلا رصيد ضد الثقافة والأدب والفكر، الأمر الذي أثار استغراب كثيرٍ من المهتمين بالشأن الثقافي بعامة وبالمسألة الأدبية بخاصة..

ذلك أيها السادة المحترمون: أنّ الأستاذ الأديب الكاتب الصحافي اللامع (محمداً الشديَّ) قام - وبكامل إرادته المعرفية والإدارية - بإلغاء الأوراق الثقافية أو الملحق الأدبي الثقافي في مجلة (الجيل) التي تصدر عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب..!!

وتم ذلك من واقع أنه المشرف العام على المجلة أو رئيس التحرير.

والسؤال الذي يتبادر الآن إلى ساحة العجَبَ والاستغراب ورفع حواجب الحيرة والأخذ والرد هو: ما الذي يتبقى من قيمة معنوية وفكرية للمجلة بعد أن تستلب بهذا الشكل، ويلغى منها اللباب الذي يجعل مَنْ في الوسط الثقافي يفكر إذا وجد المجلة أن يتصفحها أو يقلب أوراقها أو يهتم بها أصلا.؟!

نعم.. وبصدق.. ما الذي يتبقى من مجلة (الجيل) عندما تُلغْى منها ثقافة الرؤوس والوحدات؟

لن نتتظر طويلاً لكي نتوصل إلى الحقيقة المرة وهي أنه لن يتبقى سوى (ثقاقة الأرجل) وما يتعلق بها.. وهنا الكارثة.

لسنا هنا بصدد الحديث عن التسطيح الحاصل في عالم الرياضة، وليس من حقِّ أحد أن يصادر على أحدٍ العالم الذي يعشقه وينتصر من أجله ويجد نفسه وذاته فيه وبين جنباته.

ومن هذا المنطلق ذاته تأتي هذه المؤاخذة للأستاذ (الشدي).. فالمجلة والمطبوعة للجميع، ولذلك فالمطلوب أن تشتمل على ما يلبي رغبة القارئ والمتلقي بمختلف مشاربه.

حقيقة لا جدال فيها ولا اختلاف حولها.. وهي أن هناك تخصصات وأن هناك متخصصين، وتبعا لذلك يمكن أن تتنوع المطبوعات وتختلف.

نعم.. هذا صحيح.. لكن الذي لا يغيب عن البال أن ذلك ينبغي أن يعلن منذ البداية ويتفق عليه قبل النشر والتوزيع.. أما أن تجتاز المطبوعة عمراً وحقبةً وردحاً من الزمن وهي تلبي كافة الرغبات والتوجهات، ثم وبدون مقدمات تتخلى عن شموليتها وتنوعها وتكتفي بتسطيح مهمتها.. فذلك ما لا يمكن قبوله بشكل من الأشكال..!

فالذي أعرفه ويعرفه جميعنا أن القسم الأدبي في المجلة كان فاعلاً، ويتنامى ويتطور بشكل مبهج، وأن الذي يقف خلف ذلك هو أحد أدبائنا المبدعين المتفوقين الذين يمتلكون عبقرية الكتابة والتحرير وإجراء الحوارات الاستثنائية مع المفكرين والأدباء في الوطن العربي.. إنه الأستاذ/ عبد الله بن عبد العزيز الصالح/ وكلُّ مَنْ تعامل معه ويعرفه حقاً يدرك ويعلم أنه لا يتوانى في سبيل التجديد والتطوير بشخصية ذات نَفَسٍ شمولي؛ فكما يسعى إلى كبار الأدباء والمثقفين كذلك هو في الوقت ذاته لا يستنكف أن يشجع شبان الثقافة والأدب من يعرف لديهم الموهبة الحقيقية ووعد التفوق الذي لا يخيب.. كما أنه يحرص في الوقت ذاته على التغطيات المختلفة والتحقيقات المثرية والمقالات والتقريرات المضيفة.

وإذا استطعنا في هذا الصدد أن نتوصل إلى نتائج وترتبات مقنعة فإننا في الوقت ذاته لاننفك عن حيرة وانشداه باحثين عن الأسباب والدوافع: فهل في المسألة نوع من التقشف والاختزال..؟؟

أو أن هناك توفيراً في مجال التحرير بالاستغناء عن المحرر الأدبي؟

أم أن المسألة تختلف تماماً فالقضية قضية انتماءٍ رياضي بحت؟

وكما ترون يا معشر العارفين الدلالات المعرفية والثقافية دلالات محزنة جداً.. وبخاصة أن مثل هذا الإجراء يأتي في وقت يسعى فيه الإنسان إلى العمق الثقافي والمعرفي لديه ولدى الآخر، ويجاهد في سبيل بث التفوق الفكري وتسجيل وجوده الثقافي بكل الصيغ والأساليب، ولذلك فلا مناص ولا مفر ولا مندوحة من الشعور بشيء يشبه إلى حد قاتل نوبات التخلف وحالات التردي.. فأي لون.. وأي طعم.. وأي رائحة للتراجع إن لم تكن مثل هذا الذي حصل؟

أدري الآن.. وأدرك أنه سينبري صوت يتمسح بالعقل والرصانة ليقول: (الله أكبر!! تطلق مثل هذا التناوُل وكأنك تتحدث عن إحدى الصحف المتجلية أو إحدى المجلات الفاعلة المثرية!!)

سأبادر.. وأقول: نعم أعترفُ بأني أتحدث عن واحدة من أكبر مجلاتنا ومطبوعاتنا تواضعاً ومحدودية.. لكنها تبقى مطبوعة محسوبةً على وسطنا الثقافي بعامة تطبع وتوزع وتباع في الأسواق.. ومن حق الثقافة والأداب أن نشعر بما يطالها، وينال منها، ثُم مِنْ حق المحرر الأدبي أن يضج بشكواه إذا عطلت أدوات صلاته واتصالاته وعوامل نشاطه وإبداعه وسأختم هذا الحديث وهذا التناول بفقرة خاصة بالأستاذ محمد الشدي.. وأقول له:

(إنَّ الناس بعامة والأدباء بخاصة يحرصون على ما يرفع من ذكرهم، وعلى ما يسجل بكلمات من رعفان في سيرتهم، ويتأكد ذلك بمرور الزمن وتقدم العمر وتلويح الحياة بالخاتمة.. فهل نستطيع أن نسجل ما قمت به من إلغاء الملحق الثقافي في مجلة (الجيل) ضمن ما يسرك أن ينسبه المتأمل إلى تاريخك؟!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة