Culture Magazine Monday  21/05/2007 G Issue 199
فضاءات
الأثنين 4 ,جمادى الاولى 1428   العدد  199
 
(أمريكا والسعودية) للدكتور غازي القصيبي(3)
غرام وانتقام!
سهام القحطاني*

 

 

لم يُرضِ السعودية موقف السيد جورج بوش الابن من إسقاط القضية الفلسطينية من مركزية الأجندة السياسية الأمريكية، وسواء كان هذا الإسقاط مقصودا أو غير مقصود، موقفا عاما أو موقفا خاصا من السيد ياسر عرفات رحمه الله، جاء الرد من السياسة السعودية جادا وحازما على ذلك الموقف، الذي اعتبرته السعودية تحيزا أمريكيا مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو ما أغضب القيادة السعودية، وكان لابد من موقف يهزّ ذاكرة الإدارة الأمريكية بدور السعودية وأثره في المنطقة ومواقفها المساندة للإدارة الأمريكية عبر التاريخ، وهو خضّ للذاكرة جاء عبر الرسالة الشفوية التي حملها الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفير المملكة في الولايات المتحدة على لسان الأمير عبدالله إلى وشنطن (استعرض خلالها العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة والمملكة، والتي تعود إلى أيام الملك عبدالعزيز رحمه الله، والرئيس فرانكلين روزفلت، وتطرقت الرسالة إلى تاريخ التعاون الوثيق بين الدولتين.. وذكرت الرسالة الرئيس الأمريكي أن المملكة احتفظت بصداقتها مع الولايات المتحدة خلال المد الاشتراكي الشيوعي يوم كانت هذه الصداقة تعتبر خيانة قومية، وتحدثت الرسالة عن التحالف العسكري والسياسي بين الدولتين أيام تحرير الكويت، واستعرضت الرسالة تطورات القضية الفلسطينية من بدايتها إلى المذابح التي تدور الآن، وقالت الرسالة إنه لا المملكة ولا العرب ولا المسلمون يستطيعون الوقوف موقف المتفرج على ما يدور من قمع دموي، وأضافت الرسالة أن قيادة المملكة ليست مثل شاه إيران الذي وضع مصالح الدول الأجنبية قبل مشاعر شعبه، وأوضحت الرسالة أن العرب والمملكة وافقوا على العملية السلمية في مؤتمر مدريد استناداً إلى مبادئ واضحة، وهي رفض الاحتلال، وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وأضافت الرسالة أنه من الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تنكرت لهذه المبادئ كلها، وانحازت إلى إسرائيل كلية، وتبنت الموقف الإسرائيلي جملة وتفصيلا، ومضت الرسالة تقول إنه ما دامت هذه هي السياسة الأمريكية الجديدة، فإن ولي العهد السعودي لا يرى أي جدوى من استمرار الاتصالات بينه وبين الرئيس الأمريكي، وانتهت الرسالة بالقول إن المملكة من الآن وصاعدا، سوف تتخذ القرارات التي تراها في مصلحتها دون أن تأخذ مصالح أمريكا، كما كانت تفعل في الماضي) -80، 81 أمريكا والسعودية، القصيبي- وتكمن أهمية تلك الرسالة كما أعتقد في النقاط الآتية:

* تسجيل موقف تاريخي يثبت منهج الدولة السعودية نحو قضية فلسطين الثابت الذي لا يتغير بتغير الأشخاص.

* تذكير الإدارة الأمريكية بدور السعودية كشريك لها في القضايا العربية والعالمية.

* التأكيد على إستراتيجية السعودية على المستوى الجغرافي وتأثيرها في حركة القضايا العربية والإسلامية وتحولاتها.

* التوضيح للإدارة الأمريكية الجديدة أن السعودية تملك حرية اختيار مواقفها التي تتناسب مع مبادئها، كما أنها قادرة على إلغاء أي التزام مع أي إدارة حكومية يتعارض مع مبادئها ومواقفها السياسي.

* طرح إيران شاه فوق طاولة المقارنة، أثناء الحديث عن المصالح المحلية والقومية، أيضا لا تخلو من حكمة سياسية حملتها تلك الرسالة، تتعلّق بفكرة التعميم التي قد تمارسها الإدارة الأمريكية بوضع كل الحكومات في سلّة واحدة، هذا الاحتراز الذي نبهت إليه الرسالة، كان مقصده أن ليس كل فعل مشابه في الصدمة، بالضرورة قد ينتج ردات فعل مشابهة، لأن وسط التأثير لا يقتصر على الفعل المشابه، بل أيضا على نوعية الوسط والمستقبل والاستعداد، وتلكم تساهم في تغيير ناتج الأثر، وإن تشابه الفعل المؤثِر.

كما أن المملكة لا تضع نفسها في مقارنة مع إيران شاه، لكنها تنفي التفكير في احتمال إصدار موقف مشابه، للفعل المشابه، في احتمال آخر، قد تظنه الإدارة الأمريكية أن كل الحكومات تكيل بذات المكيال.

* صياغة التعبير الذي استخدمته الرسالة الموجهة للإدارة الأمريكية (لا المملكة ولا العرب ولا المسلمون.. إن العرب والمملكة وافقوا على العملية السلمية) هذه الصيغة اللفظية التي استخدمتها الرسالة، لدمج الموقف المحلي السعودي مع العربي والإسلامي، هي أيضا ترميز إلى وحدة الموقف المحلي والعربي والإسلامي حول هذه القضية، والتركيز على مضمون هذه الوحدة، هي إشارة للبيت الأبيض بإدارته الجديدة، إلى وحدة الهوية والموقف والتاريخيين والسياسيين للفكر العربي والإسلامي، وهي وحدة أراد التعبير عنها ولي العهد السعودي حينها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من خلال عقد مؤتمر في الرياض للأمتين العربية والإسلامية يعلن خلاله أن (العملية السلمية قد انتهت مع انحياز الولايات المتحدة الكامل إلى إسرائيل، وكان يودّ وضع العرب والمسلمين أمام مسؤوليتهم التاريخية: والظروف التي أدت إلى تبني السلام خيارا استراتيجيا لم يعد لها وجود، ولابد من موقف جديد يتلاءم مع الأوضاع الجديدة، )- السابق، 81-

لم يكن هذا الخطاب من قبل ولي العهد حينها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز تهديدا للإدارة الأمريكية، بل إعلانا لمستوى ونوع وأثر القوة التي تملكها السعودية لتغير خارطة القرارات، وسواء فهمت هذه الرسالة بالمعنى الأول أو الثاني جاءت النتيجة واحدة.

وهو إعلان لم يُخطئ هدفه، لأن التعامل بقوة الحق يغلب قوة المنطق، وقوة الباطل والجبروت، فجاء الرد الأمريكي على تلك الرسالة، يحمل تراجعا لمضمون البداية، وتهدئة لاضطراب القمة ونهاية مفتوحة تتسع للعديد من الاقتراحات والتأويلات، بما تستلزمه سياسة رقعة الشطرنج التي اشتهرت بها الإدارة الأمريكية نحو القضية العربية من مراوغة وتسويف وإعادة خلط الأوراق لتكرار اللعبة بشكل مختلف وبأكثر من طريقة، ليبدو الأمر كل مرة مختلفا ويوهم بالجدّة والجدية، لكن حقيقة الأمر يظل الوضع خارج السياق مجرد كلمات (ليست كالكلمات)! هكذا جاءت كلمات الإدارة الأمريكية (بعد ثلاثة أيام فقط من إرسال الرسالة، كان رد الرئيس الأمريكي يمثل تغييرا حقيقيا في موقف البيت الأبيض، تحدث الرئيس عن إيمانه الراسخ بالمبادئ التي قامت عليها العملية السلمية وقال إنه يؤمن بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وفي العيش بدون إذلال وإهانات يومية، ولأول مرة يتحدث رئيس أمريكي عن دولة فلسطينية مستقلة بصراحة وبلا تحفظات، وطلب في المقابل أن تقنع المملكة السيد ياسر عرفات ببذل مجهود بنسبة 100% لإيقاف العنف حتى تتسنى العودة إلى المفاوضات وتواصل العملية السلمية مسيرها) -السابق، 82-

إن تبويب الاعتراف والإيمان بحق فلسطيني في حدّ ذاته ليست قضية على الأقل كما أعتقد، لأنه يدخل في باب الكلمات، وليست منطقة اختبار لصدق الفعل وجديته، وهذا ما يجعل الشرطية دليلا على عدم الجدية، لأن المبادئ التي يدخل الحق ضمنها، لا يعتمد تحقيقها على شرطيّة موقف آخر، إلا إذا كان الأمر يتضمن إستراتيجية المراوغة التي تعتبر الشرطية أبرز سماتها.

فأنا أؤمن مقابل، أو أنا سأنفذ مقابل، هكذا منطق لا يثبت صحة النية الحسنة في الكليات، ولا أتجاوز التأويل لأقول إنه إثبات لعكس ما ينفي الأول.

وأعتقد لو كانت تلك الرسالة الموجهة للإدارة الأمريكية من دولة غير السعودية، لِم أخذت في الحسبان ولم جاءت ردة الفعل كما كانت، وذلك لم تتمتع به السعودية من مكانة في الوجدان العربي والإسلامي ومدى تأثيرها على خارطة القرارات العربية والإسلامية، ولوسطيّة الاتجاه السياسي الذي تتبناه السعودية؛ لذا كان تغيير الموقف الأمريكي مشروطا بحركة تأثير السعودية على مواقف وقناعات السيد ياسر عرفات، وسواء كان لذلك الشرط نية حسنة لمساعدة الدور الأمريكي في إعادة تفعيل العملية السلمية، أو نية سيئة، لإضاعة الوقت وإحراج الموقف السعودي عربيا وإسلاميا، والرجوع للدوران في الحلقة المفرغة، ففي كلا الحالتين لم يكن هناك متسع من الوقت لاختبار حقيقة وصدق تلك النية، فقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتقلب الأشياء والنوايا، أو هكذا اعتقدنا في تأويل أولي للأمور، ليعود كل شيء إلى المربع الأول للعبة!

*جدة seham_h_a@hotmail.com لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة