Culture Magazine Monday  21/05/2007 G Issue 199
نصوص
الأثنين 4 ,جمادى الاولى 1428   العدد  199
 
مطالعات
خالد محمد المشوّح
حديث المطر

 

 

صوت زخّات المطر.. وصوت الرعد.. أيقظها من النوم.. اتجهت نحو النافذة.. أزالت الستائر المخملية الحمراء.. جالت بنظرها نحو الشارع.. رائع هو المطر.. بديعٌ بكل تفاصيله.. يأخذها بعيداً إلى أيام الطفولة والصبا.. حيث الحياة أجمل.. والبراءة تكسو الملامح والقلوب..

تذكرت كيف أنها في طفولتها.. وعندما يهطل المطر.. تجري نحو المطبخ.. تخرج مع أشقائها صحوناً وأواني كبيرة الحجم.. يضعونها في فناء المنزل، لتتجمع فيها حبّات المطر...

ذات صباح ممطر، اتجهت وإخوتي نحو المطبخ كالعادة وأحدثنا فوضى عارمة فيه، أخرجنا الأواني الكبيرة والصغيرة، أفرغنا الدواليب والخزانات من محتوياتها.. وذهبنا لفناء المنزل وبللنا ملابسنا ولعبنا وضحكنا.. فكانت النتيجة (علقة) ساخنة تلقيناها من والدتي.. ففوضى المطبخ.. وتبليل الملابس وتبعاته من نزلات البرد والزكام.. لن تمر مرور الكرام أبداً..

أخي الصغير (أحمد)، عشقه للشارع والحارة يكاد يكون جنونياً، فالشارع بالنسبة إليه هو بيته الحقيقي، كان نافذة يطل من خلالها على الحياة، بل هو الحياة الحقيقية من وجهة نظره.

كان لا يجلس معنا سوى لحظات قليلة هي أوقات الغداء والعشاء، أما بقية اليوم فيقضيه ما بين لعب للكرة ولهو بالدراجة، أو مع أحد أصحابه ما بين بيوت الحي أو عند دكان الحارة، وعندما يهطل المطر يذهب لأكبر تجمّع للمياه ويأخذ دراجته، فيجرب السباحة بالدراجة حيناً.. وبدونها حيناً آخر...

يُكسب هطول المطر الأشجار والبيوت بريقاً وجمالاً من نوع آخر...

تأمّلت البيوت والأشجار والطرقات وسيارة زوجها داخل فناء المنزل وقد غطّتها حبّات المطر..

غَسَلَ المطر بقايا الأتربة والزيوت وأوراق الشجر في الشارع... وليته يفعل ذلك مع قلوب (بعض) البشر!!

أحزان صغيرة

بكاؤه المتواصل، أفزع الجميع، هرعوا إليه.. التفوا حوله.. المعلمون والطلاب.. حاصروه بالأسئلة.. كان واقفاً عند باب المدرسة، وأبى أن يدخل إليها...

ما بك؟ لماذا تبكي..؟ لا بد أنه يعاني من مشكلة ما.. كان يرفض الدخول للمدرسة ويبكي والخوف يملأ قلبه ويرسم علاماته على ملامحه البريئة.. رغم محاولات (وتهديدات) بعض المعلمين له..

أبي.. أريد أبي..

اقترب الأستاذ خالد منه.. مَسح رأسه الصغير بيده، أمسك به وأدخله إلى فناء المدرسة بحنان أبوي فياض، هدأ من روعه.. سمّى عليه وطلب منه التعوّذ من الشيطان الرجيم، سأله عن سبب بكائه وحزنه..

أجاب فيصل ببراءة واضحة.. وصوت متقطع.. (لقد نسيت قلمي الرصاص في المنزل...)

ابتسم الأستاذ خالد.. اتجه معه نحو الفصل.. فتح الدرج وأعطاه قلماً بديلاً... فلمح الفرحة في عيني فيصل.. وقد تبدّدت مخاوفه وتلاشت أحزانه...

حدّث نفسه فقال.. (غداً ستكبر يا فيصل.. وتكبر أحزانك معك...)

القاسم المشترك

عندما رُزق بابنه الأول قبل سنتين... (بكى) من الفرح... وعندما توفي والده.. بكى أيضاً...

هي الدموع إذاً... القاسم المشترك بين الحزن والفرح...

يوماً ما...

يوماً ما.. سأزرع وردة...

سأرعاها... وستنمو.. وتكبر...

يوماً ما... سأقطفها.. وأهديها لك...

ستفرح بها للحظاتٍ.. وربما لساعات.. أو أيام...

وحينما تذبل... سنبكي عليها...

يوماً ما... ستضيع الوردة بين دفتي كتاب شعر قديم.. وستنساها...

و(لن) أنساها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة